سلم شيخ حسن – كوباني
في فجرالخامس والعشرين من حزيران ٢٠١٥، استيقظت مدينة كوباني على واحدة من أبشع المجازر في تاريخها الحديث. لا تزال ندوبها تنزف في أذهان سكانها، ورائحة الدم والخذلان لا تزال تفوح منها. في تلك الليلة المشؤومة تسللت عناصر تنظيم “داعش”الإرهابي الى داخل المدينة متنكرين بزي مقاتلي وحدات حماية الشعب (YPG) مستغلين الهدوء المؤقت بعد أشهر من المقاومة البطولية.
لم يكن الهجوم هجوماً عسكرياً بالمعنى التقليدي بل كان عملاً منظماً من أعمال الخيانة ضد المدنيين العزل. استهدفت المنازل والشوارع والمحلات التجارية وكل ما ينبض بالحياة. كانت الأهداف واضحة نشر الرعب وإزهاق الأرواح وكسر الروح المعنوية التي بنتها كوباني بمقاومتها الأسطورية ضد التنظيم نفسه قبل بضعة أشهر فقط.
أسفرت هذه العملية الإرهابية عن استشهاد أكثر من 300 مدني معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن وإصابة العشرات بعضهم صارع لأيام بينما عانى آخرون من آثار جسدية ونفسية دائمة.
كانت المجزرة وحشية الى حداً أن كثيراً من الشهادات أكدت قيام الارهاربيين بإطلاق النار بشكل عشوائي داخل المنازل وفجروا أنفسهم على البوابة الرئيسية بين مدينتي سروج وكوباني وقتلوا الأبرياء بدم بارد.
لم تكن مجرد عملية إرهابية بل كانت طعنة غادرة في ظهر مدينة قاتلت بشرف ورفضت الاستسلام. كانت دليلاً واضحاً على أن قوى الظلام عندما تهزم في ساحة المعركة تلجأ إلى الغدر أملاً في استعادة شيئاً ما تهدم من وجودها.
في تلك الليلة لم تسقط جثث الشهداء فحسب بل سقط معها وهم الأمن والاستقرار في منطقة ظنت أنها طوت صفحة الألم . لكنها كانت ليلة عززت الوعي الجماعي لأهل كوباني بأن النصر لا يتحقق إلا باليقظة الدائمة وأن الدماء التي سال لم تذهب سدى بل كانت شهادة للأحياء الذين دافعوا عن مدينتهم بكل ذكائهم وقوتهم.
رغم مرور عشرة أعوام على تلك الليلة السوداء لا يزال السؤال المؤلم يتردد على شفاه ابناء كوباني كيف استطاعت هذه الجماعات الإرهابية أن تخترق المدينة وتدخل إلى شوارعها وساحاتها بعد أن طردت منها وابعدت على بعد أكثر من 70 كيلومتراً ومن يتحمل مسؤولية هذا الجرح الذي لم ولن يندمل؟
إن ليلة الغدر ليست مجرد حدث مؤلم في تاريخ المدينة بل فصل مأساوي من فصول الذاكرة الكردية الحديثة وكابوس يتجدد في كل بيت فقد أحد أبنائه في كل أم تنتظر عدالة لم تأت وفي كل طفل كبر على صور الشهداء دون أن يعرف معنى الطفولة.
كوباني ستظل صامدة لكن جرحها سيبقى مفتوح حتى تعود الحقوق لأصحابها وترفع الغشاوة عن تلك الليلة المشؤومة.
24 / 6 / 2025