فشل أردوغان و نجح الكرد

زيور العمر

تتسم الإنتخابات في تركيا بأهمية بالغة, سواءاً أكانت برلمانية أو محلية بلدية.

و الأتراك , عادة ,  يقبلون على صناديق الإقتراع بكثافة.

الثنائيات المتناقضة في خلفية الصراعات المهيمنة على المشهد السياسي التركي , يخلق حراكاً سياسياًً وإجتماعياً.

الصراع بين الأحزاب والاطياف السياسية على خلفية الإختلافات الإيديولوجية و القومية طغى على مشهد الإنتخابات البلدية و مجالس المحافظات و المخاتير الأخيرة , و كانت أقرب الى الإستفتاء على سياسات حكومة العدالة و التنمية برئاسة رجب طيب أردوغان.

النتائج النهائية أظهرت تراجعاً في شعبية أردوغان , و أصوات حزبه.

المعارضة الجمهورية و القومية هددت معاقل العدالة و التنمية في العديد من الأقاليم و المدن .

فكان الصراع, هذه المرة , محتدماً في المناطق المحسوبة على حزب العدالة , كما في أسطنبول و أنقرة.

أما في مناطق الكرد , فكانت هزيمة أردوغان أكثر و ضوحاً .

ديار بكر بقيت في ذمة حزب المجتمع الديمقراطي الكردي, الذي إستطاع إنتزاع باطمان و سيرت , أيضاً , من حزب العدالة , مع تحقيق نتائج باهرة في الأقاليم الكردية الأخرى .
مقارنة بالأنتخابات المحلية و البلدية السابقة التي جرت في عام 2004, فقد تراجع شعبية أردوغان و أصوات حزبه بنسبة 3 % , أما بالنسبة الى الإنتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2007 , فقد سجل تراجعاً بنسبة 8% .

مسيرة الحزب في تركيا تسير في الأونة الأخيرة وفق خط بياني , ينحدر الى الأسفل .

إزدياد البطالة و تذمر الطبقة الوسطى و أصحاب الشركات الصغيرة و المتوسطة , و إرتفاع معدل التضخم , فضلاً عن فشل الحكومة في سياستها إزاء القضية الكردية , و تناغمها مع سيناريوهات الحل العسكري و الأمني , ولدت لدى الناخب الكردي , على وجه الخصوص , مشاعرالإنتقام  من أردوغان , ترجمها في صناديق الإقتراع.
فكان و اضحاً أن الأصوات التي خسرها حزب العدالة و التنمية في المناطق الكردية قد ذهبت الى حزب المجتمع الديمقراطي الكردي, الذي إستطاع مضاعفة عدد بلدياته من 56 بلدية , الى 98 بلدية , و مكن ثلاثة عشر نسوة كرد من تولي رئاسة البلدية.

 

ففي المناطق التي تسكنها أغلبية كردية , كان واضحاًً تقدم حزب المجتمع الديمقراطي , و لا سيما في ديار بكر , من خلال مرشحه القوي , أوصمان بايدمير , الذي حصل على أكثر من ربع مليون صوت في مقابل مرشح حزب العدالة و التنمية , قطب الدين أرزو.

فمن أصل إثنين و عشرين محافظة كردية , فاز الحزب الكردي بثماني محافظات هي ديار بكر , باطمان , شرناخ , سرت , ديرسم , إيغدر , هكاري و وان.

كان من الممكن أن يكتمل اللون الأخضر في جميع أقاليم الكرد في جنوب شرق البلاد , لولا  التزوير و إخفاء الأصوات و إرهاب المواطنين الكرد.

الكرد أدلوا بأصواتهم على أساس هويتهم القومية , الغير معترف بها , فكانت النتيجة التي تمخضت عنها , بمثابة رسالة واضحة الى أردوغان و حزبه على أن لا بديل عن التحدث و التخاطب مع الممثلين الحقيقيين للشعب الكردي في تركيا.

إعتقد أردوغان أنه من خلال بعض الخطوات البسيطة يمكن أن يحل قضية كبيرة و صعبة.

غروره قاده الى أحضان المؤسسة العسكرية , و جنرالات الجيش,  فسمح بحملة عسكرية على معاقل حزب العمال الكردستاني في سلسلة جبال قنديل في كردستان العراق في شتاء 2008 , و لكن دون جدوى.

كرر وعوده بحل القضية الكردية, ناسياً ضربه بسابقاتها عرض الحائط.

سمح بفضائية كردية و التحدث باللغة الكردية , ولكن عندما تحدث أحمد ترك في البرلمان باللغة الكردية إعتبر ذلك إستفزازاً.

يطلب من العمال الكردستاني إلقاء السلاح و إنهاء الكفاح المسلح , دون أن يعطي ضماناً بعدم الملاحقة و حق المشاركة السياسية.
 نعم , خسر أردوغان, رغم بقاء حزبه في صدارة المشهد السياسي التركي و تقدمه على الأحزاب الأخرى.

و لكن مقابل خسارته كان إنتصار إرادة الشعب الكردي, و مشروعية مطالبه , و عدالة القضية التي يناضل من أجلها.


المهم في هذه الإنتخابات , كما أسلفنا, هو فشل أردوغان و حزبه في الإحتفاظ بالنسبة التي وعد بها , و الأهم من كل ذلك تراجعه في شمالي كردستان, و نجاح الكرد في العديد من مواقعه.

الحراك القومي الديمقراطي الكردي في تركيا يتسع بإضطراد , في إنتظار محطات أخرى , و جهود مضاعفة, من أجل إنتزاع شمالي كردستان من تحت براثن العثمانيين الجدد.

31/03/2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…