أكرم حسين
في كل عام، وتحديداً في 14 حزيران، تُستحضر ذكرى تأسيس أول حزب كردي في سوريا عام 1957، وهي مناسبة من المفترض بها أن تكون لحظة وطنية جامعة تُعبّر عن امتداد تاريخي لنضال شعب ظلّ مهمّشاً، وتؤكد على وحدة الوجدان القومي الكردي في سوريا. غير أن ما نشهده اليوم لا يعبّر عن ذلك المعنى، بل يعكس أزمة أعمق في البنية السياسية والسيكولوجية للحركة الكردية المعاصرة
ما يحزن فعلاً ، هي الطريقة التي يتم بها استحضار هذه الذكرى. لأنها لم تعد لحظة تذكّر لتاريخ مشترك، بل تحوّلت إلى طقوس حزبية ، أحادية، يُنظّمها ويتباهى بها كل طرف على طريقته، وكأنها فرصة لتأكيد امتلاكه الحصري لهذا التاريخ، وتعزيز رمزيته الذاتية داخل جمهوره الحزبي. فعندما يدّعي كل فصيل أنه الامتداد الشرعي لذلك التأسيس،-علماً أن البعض من هذه التنظيمات ولد بعد هذا التاريخ ، أو لا يجد نفسه معنياً به إلا عند اقتراب موعد الاحتفال به -. فانه يكشف هشاشة عميقة في بنية الفعل السياسي الكردي، لان هذه الادعاءات تحتاج إلى قراءة نقدية أو مراجعة تاريخية معمّقة، كي تُظهر كيف أصبح التاريخ لدى البعض أداة لتسكين الفشل الحاضر، بعيداً عن تجديد المعنى والانطلاق منه.
ما يجري في الساحة الكردية السورية يعكس ظاهرة سيكولوجية وسياسية متشابكة وهي الحاجة إلى شرعية رمزية تعوّض غياب الشرعية الواقعية. فحين تعجز الأحزاب عن تجديد بناها، وعن كسب ثقة الشارع، تتجه إلى الماضي كملاذ آمن، لتُضفي عليه ما شاءت من رموز، وتتنازع على نسبه، دون أن تقدم ما يُثبت ارتباطها الحقيقي بروحه أو بقيمه التأسيسية.
المفارقة هنا أن كثيراً من هذه الأطراف قد انفصل فعلياً – فكرياً وتنظيمياً – عن منطلقات الحزب الكردي الأول، من حيث الوظيفة المجتمعية، والانخراط في قضايا الناس، والسعي إلى التمثيل الجمعي للقضية الكردية في سوريا. لقد تحوّل التأسيس إلى ديكور، والتاريخ إلى غطاء لشرعية حزبية مأزومة، تبحث عن الماضي لتبرير حضورها، بدل أن تبني شرعيتها من خلال فاعليتها في الحاضر.
وما يزيد المشهد بؤساً وتعقيداً، هو أن التفاهمات السياسية التي جرت بين القوى الكردية، والتي كان من المفترض أن تبني رمزية موحدة لهذا اليوم، لم تصمد أمام منطق التنافس والتمجيد الذاتي. فرأينا كيف أصرّ كل طرف على إقامة احتفاله الخاص، وتقديم رموزه الخاصة، والتحدّث بلغة لا تتجاوز الانقسام .
من هنا لا بد التاكيد على ان استمرار ظاهرة “الاحتفال المنفصل” رغم محاولات التفاهم، يعكس هشاشة ما يجمع هذه الأطراف سياسياً ومصلحياً، وأنها لا يمكن أن تغادر الانتماء الحزبي لتستقر في الانتماء الوطني العام.
إن اختزال ذكرى تأسيس أول حزب كردي في سوريا إلى لحظة احتفالية ، منزوعة العمق، ومحمّلة برمزية استعراضية، لا يفتح أفقاً سياسياً حقيقياً، ولا يصنع وعياً نقدياً، ولا يُبنى عليه مشروع قومي جامع. بل يكرّس القطيعة بين الذاكرة الجماعية الحقيقية – التي تنتمي للشعب لا للحزب – وبين الفعل السياسي المعاصر الذي يفترض أن يكون استكمالاً لذلك التأسيس، لاتشويهاً له.
إذا أراد الفاعلون الكرد أن يكونوا فعلاً امتداداً لحزب 1957، فليبدأوا بمراجعة ذواتهم، وبالانتقال من لغة الامتلاك الرمزي إلى فعل الشراكة السياسية، ومن توظيف التاريخ حزبياً إلى استثماره لبناء مستقبل وطني مشترك، يكون فيه للكرد دور فاعل .