الكرد والساحة السورية: فرصة تاريخية مهدورة في منعطف الثورة

شيرزاد هواري 

منعطف الثورة السورية وأمل المكونات

مثّلت الثورة السورية لحظة مفصلية في تاريخ البلاد، إذ حملت معها نغمة انتصار جماهيري عبّر من خلالها السوريون عن توقهم إلى التحرر من الاستبداد والدخول في مرحلة ديمقراطية جديدة. وفي هذا السياق، برزت أمام المكونات السورية، وفي مقدمتها الكرد، فرصة نادرة لإعادة صياغة دورهم الوطني وترسيخ حضورهم السياسي، مستفيدين من الهامش الديمقراطي الذي أتاحته المرحلة الانتقالية، رغم ما رافقها من تحديات أمنية وانتكاسات سياسية.

اللحمة الكردية: فرصة لم تُلتقط

كان بالإمكان للكرد، وهم مكون أصيل من نسيج المجتمع السوري، استثمار هذه المرحلة عبر تعزيز التواصل بين مختلف تجمعاتهم في دمشق، حماة، اللاذقية، حمص، إلى جانب مناطقهم التاريخية في الشمال الشرقي. هذا التلاحم الاجتماعي والسياسي كان سيشكل قاعدة متينة للانطلاق نحو مشاركة انتخابية حقيقية، تضمن تمثيلًا مناسبًا في برلمان سوري جديد، عقب صياغة دستور عصري يعكس تطلعات كل السوريين.

غير أن هذه اللحظة التاريخية بدأت تتآكل في ظل غياب ديناميكية فعلية من القوى الكردية المنظمة. فبدلاً من الانخراط الجاد في بناء مشروع سياسي وطني كردي ضمن الإطار السوري العام، شهدنا تراجعًا ملحوظًا في الفعل السياسي، وغياب الرؤية الموحدة.

الكونفرانس الوطني الكردي: توافق دون ترجمة عملية

رغم ما أُنجز مؤخراً من توافق كردي سوري عبر الكونفرانس الوطني الكردي السوري، وتوقيع وثيقة تفاهم سياسي تاريخية حظيت بتأييد إقليمي ودولي ومباركة من القوى الكردستانية في باقي أجزاء كردستان، إلا أن الواقع العملي ما زال يراوح مكانه.

فالوفد الكردي المفترض أن يمثل الكرد على طاولة التفاوض بشأن مستقبل سوريا، لا يزال في طور التشكيل البطيء، وسط بطء وصفه البعض بـ”السلحفاتي”، على الرغم من حالة الابتهاج الكردي السوري العارمة بهذه الوحدة الظاهرة.

التمثيل السياسي ليس قضية عدالة فقط

إن مستقبل الكرد في سوريا لا يتوقف فقط على عدالة قضيتهم، التي لا جدال حولها، بل على حنكتهم السياسية والدبلوماسية، وقدرتهم على التمثيل والتفاوض بحكمة وبراغماتية. فالقضية الكردية السورية تحتاج إلى خطاب موحد، وإرادة صلبة، ووفد يمتلك القدرة على تحويل المطالب إلى مكتسبات في إطار وطني جامع.

التصوّر المستقبلي لسوريا التعددية

في حال تبنّت سوريا نموذجًا ديمقراطيًا تعدديًا، يقوم على دستور عصري يعيد الاعتبار لكرامة الإنسان، ويفتح المجال أمام مشاركة عادلة لكل المكونات في الحياة السياسية، فإن الكرد – إلى جانب سائر مكونات المجتمع السوري – سيجدون أنفسهم أمام لحظة إعادة الاعتبار لدورهم التاريخي، الثقافي، والسياسي.

سوريا الجديدة، كما يتصورها أبناؤها، ستكون دولة مواطنة متساوية، لا مجال فيها للإقصاء أو التهميش. سيضمن فيها الدستور الحقوق القومية والثقافية للكرد، كما سيُعطى لكل مكون الحق في إدارة شؤونه المحلية وتمثيل مصالحه في مؤسسات الدولة.

هذا النموذج الديمقراطي لن يكون انتصارًا للكرد فقط، بل خطوة تاريخية تعيد لسوريا دورها الريادي في الشرق الأوسط كمثال ناضج على التعايش المتكافئ بين مكوناتها العرقية والدينية والسياسية. هو الحلم الذي طالما راود السوريين، وسيبقى مُمكنًا إذا ما اجتمعت الإرادة السياسية والرؤية الوطنية الصادقة.

إلى متى هذا التراخي؟

السؤال الملحّ اليوم: ما الذي ينتظره ممثلو الحركة الوطنية الكردية السورية؟ ولماذا هذا التراخي الجماعي من قبل الأحزاب والتيارات التي تمتلك جمهورًا عريضًا، وهي الأقدر على تفعيل الدور الكردي في هذا المنعطف الحساس؟

إن التراجع الكردي عن لعب هذا الدور المحوري، رغم توافر الأدوات والمناخ الدولي المناسب، يهدد بإضاعة واحدة من أهم الفرص السياسية التي أتاحها تاريخ سوريا الحديث للكرد. فغياب مشروع سياسي موحد، واستمرار الانقسام الحزبي، وغياب التنسيق الفعّال، كل ذلك يؤدي إلى تهميش دور الكرد بدل تعزيزه.

خاتمة: الفرص لا تنتظر المترددين

لا تزال أمام الكرد في سوريا فرصة – وإن كانت آخذه في الانكماش – لتثبيت حضورهم في سوريا المستقبل، من خلال توحيد صفوفهم، وتفعيل قواهم السياسية، والدخول إلى الحياة العامة من بوابة المشروع الوطني السوري الجامع.

إن الحركات السياسية التي لا تعرف كيف تستثمر الفرص، قد تجد نفسها خارج السياق في زمن لا يرحم التردد ولا يؤمن بالعشوائية. وما لم يتدارك الكرد السوريون واقعهم، فإنهم قد يخسرون معركة الحضور كما خسرها كثيرون في مراحل مفصلية من تاريخ المنطقة.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…