طلبتنا بين الأمل والمصير المجهول

مرفان باديني

 

   في كل عام تمثّل امتحانات شهادتي التعليم الأساسي (الإعدادية) والثانوية العامة لحظة مفصلية في حياة آلاف الطلبة السوريين، كونها البوابة التي تحدد مسارهم الأكاديمي والمهني وتؤسس لمستقبلهم العلمي، وتزداد أهمية هذه المرحلة في ظل ما تحمله من طموحات وآمال عريضة لدى الطلبة وذويهم ممن لا يدّخرون جهداً في دعم أبنائهم سواء نفسياً أو مادياً لتجاوز هذا الاستحقاق المصيري بنجاح.

   غير أن الواقع في محافظة الحسكة ومناطق كوردستان سوريا يحمل صورة مغايرة تماماً. فعلى الرغم من اقتراب موعد الامتحانات النهائية، لا تزال المراكز الامتحانية الرسمية التابعة لوزارة التربية السورية غائبة كلياً عن المنطقة، ما يُبقي أكثر من 28 ألف طالب وطالبة من مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي في حالة من الترقب والقلق الشديد، ويضع مستقبلهم الدراسي على المحك.

   في ظل هذا الغياب يجد الطلبة أنفسهم أمام خيارات صعبة فإما التوجه إلى محافظات أخرى مثل حلب ودير الزور لتقديم الامتحانات هناك مع ما يرافق ذلك من مشقات كبيرة وتكاليف باهظة تفوق قدرة معظم الأسر في ظل الظروف الاقتصادية المتردية أو الرضوخ للأمر الواقع والقبول بضياع عام دراسي كامل بما يحمله من آثار نفسية وتربوية مدمرة.

    وعلى الرغم من الاعتصامات التي نظمها الطلاب وذووهم أمام مكتب منظمة “اليونيسيف” في مدينة قامشلي والتي استمرت لأيام للمطالبة بحلول عاجلة وسماح وزارة التربية بفتح مراكز امتحانية داخل المحافظة لا تزال الاستجابة غائبة وسط تعقيدات المشهد السياسي بين حكومة دمشق والإدارة الذاتية، حيث يدفع الطلبة ثمن هذا الانقسام وتضارب الصلاحيات.

لقد بات من الضروري والملحّ أن تتحمل الجهات المعنية مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية تجاه هؤلاء الطلبة بعيداً عن الحسابات السياسية الضّيقة، وذلك من خلال تأمين مراكز امتحانية رسمية وآمنة في مناطقهم تحفظ لهم حقهم الطبيعي في التعليم وتمنحهم الفرصة لخوض الامتحانات بطمأنينة واستقرار.

    إن استمرار الوضع الراهن لا يشكل فقط تهديداً لمستقبل آلاف الطلبة بل يمثل أيضاً مساساً مباشراً بحق أساسي من حقوق الإنسان وهو الحق في التعليم. وهو ما يستدعي تدخلاً فورياً ومسؤولاً يضع مصلحة الطلاب فوق أي اعتبار آخر، ويؤمّن لهم الظروف المناسبة للتقدّم لامتحاناتهم كما هو حق لكل طالب سوري أينما وجد.

========

صحيفة ” كوردستان” العدد 752

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…