اكرم حسين
بعد أكثر من عقد على اندلاع الثورة السورية المباركة، و ستة أشهر على فرار بشار الأسد ، لا تزال البلاد غارقة في أتون الانقسام والتفكك والانهيار . فقد بات من الواضح لكل متابع أن ما حدث في سوريا ليست أزمة سلطة فحسب، بل أزمة بنيوية سياسية ودستورية ومجتمعية، لا يمكن تجاوزها إلا بإعادة بناء الدولة السورية من جديد ، بدءاً من صياغة عقد اجتماعي ، يتمثّل فيه السوريون جميعاً عبر دستور حديث وعادل.
فسوريا لن تنهض دون صياغة دستور جديد يلبّي تطلعات السوريين، ويقرّ بحقوق جميع مكوّناتها في إطار دولة مدنية تقوم على المواطنة المتساوية، واحترام حقوق الإنسان، واعتماد اللامركزية كصيغة لإدارة الدولة السورية الجديدة، ضمن إطار وحدة الأراضي السورية وسيادتها. كما يتطلب ذلك تشكيل جيش وطني سوري خالٍ ما أمكن من العناصر الأجنبية، تكون مهمته حماية الحدود والدفاع عن الوطن دون التدخل في الشأن السياسي أو العام .
لقد كشفت المرحلة الانتقالية الراهنة التي تشهدها سوريا، بعد سقوط النظام الاسدي ، الحاجة الماسة لإعادة تعريف الدولة السورية، من حيث نظام الحكم، وبنيتها الدستورية وموقع المكونات القومية والدينية فيها، وإن أي محاولة لإعادة إنتاج النظام المركزي الاستبدادي لن تقود الا إلى جولات جديدة من الصراع.
وفي هذا السياق، شكّلت الرؤية السياسية الكردية المشتركة في 26 نيسان 2025 خلال مؤتمر “وحدة الصف والموقف الكردي” ، خطوة مهمة نحو إعادة ترتيب البيت الوطني السوري . فهذه الرؤية التي جمعت بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، مثّلت توافقاً سياسياً على ثوابت وطنية وقومية، يمكن أن تكون حجر الأساس لأي عملية تفاوض جادة مع السلطة الانتقالية في دمشق، وخاصة في ما يتعلق بملف الحقوق القومية للكرد
إن مشاركة المكونات السورية، وفي مقدمتها الكرد، في رسم ملامح المرحلة الانتقالية ، هو شرط اساسي من شروط استقرار سوريا المستقبل . فبدون الاعتراف الصريح والدستوري بالحقوق القومية والثقافية والسياسية للكرد السوريين ، وبدون شراكة حقيقية في مؤسسات الدولة، سيبقى جرح الإنكار والمظلومية مفتوحاً، وستبقى الدولة عاجزة عن تمثيل مواطنيها تمثيلاً حقيقياً.
إن اللامركزية الديمقراطية، التي يتوافق عليها اغلب السوريين في وثائقهم السياسية، تُشكّل اليوم الخيار الأكثر واقعية لحفظ وحدة البلاد، وضمان التوزيع العادل للسلطة والثروة، وإنهاء حالات التهميش والتمييز. أما الجيش الوطني الذي ننادي به ، فيجب أن يُعاد تشكيله على أسس مهنية ووطنية، بعيداً عن الولاءات الطائفية أو الحزبية أو الخارجية، وأن يُحصر دوره في حماية الحدود والدستور.
لقد آن الأوان كي تنتقل سوريا من مرحلة الصراع على السلطة، إلى مرحلة التوافق على وطن يتشارك في بنائه العرب والكرد والسريان والآشوريون والتركمان وسائر المكونات، على قاعدة الحقوق والواجبات، دون الغلبة اوالوصاية.
سوريا التي نريدها ليست سوريا المنتصر والمهزوم، بل سوريا العقد الوطني الجديد. سوريا الحريات والمواطنة والعدالة والكرامة. التي تطوي صفحة الاستبداد، وتفتح أبواب الأمل نحو دولة وطنية حديثة، تكون نموذجاً للتعايش والسلام في الشرق الأوسط.