الجولاني في دمشق والكرد في مفترق طرق

حوران حم

منذ سقوط النظام البعثي في دمشق، دخلت سوريا مرحلة جديدة من التحولات السياسية والميدانية، حملت معها فرصًا وتحديات لكل المكونات. من أبرز هذه التحولات كان بروز أحمد الشرع الملقب بـ”الجولاني”، كلاعب محوري ضمن توافقات إقليمية ودولية هدفت إلى إزاحة النظام الأسدي. وقد نجح هذا المشروع، على الأقل في تغيير الواجهة السياسية للنظام.

بعد وصول الجولاني إلى قصر الشعب، شرع بتنفيذ سلسلة من الترتيبات الداخلية رغم ما شابها من نواقص بنيوية. إلا أن تحركه الخارجي كان لافتًا، حيث التقى بقيادات إقليمية وخليجية وأوروبية، وكان أبرزها لقاؤه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي اعتُبر نقلة نوعية في الاعتراف الدولي بالواقع الجديد في دمشق. هذا اللقاء تُوّج برفع بعض العقوبات عن سوريا، ما اعتُبر إنجازًا سياسياً لصالح الجولاني ومعسكره.

كردياً: أزمة بنيوية وعُقد لم تُحل

على الجهة الأخرى، لا يزال الوضع الكردي في سوريا يعاني من تعقيد بنيوي عميق. فمنذ سنوات، لا يكاد يخلو أي اجتماع كردي من نقاشات حول القضية الكردية وسبل حلها، لكن دون نتائج حقيقية. الأحزاب الكردية تعاني من خلل داخلي في الرؤية والتنظيم، وهو ما عرقل تقدمها في بلورة مشروع سياسي جامع.

رغم ذلك، وبضغوط مباشرة من الرئيس مسعود البرزاني ومبادرة أطلقها  عبدالله أوجلان بشأن مستقبل حزبه، عُقد مؤتمر وحدة الصف الكردي، بمشاركة رمزية لباقي الأطراف. تمخض المؤتمر عن اتفاق مبدئي لتشكيل هيئة تفاوضية موحدة تتوجه إلى دمشق، في خطوة يُفترض أنها تمثل الكرد بشكل جامع.

لكن حتى اللحظة، لم يتم تشكيل هذه الهيئة التفاوضية، ما يعكس خللًا في الإرادة السياسية والتنظيم لدى القوى الكردية. الأخطر من ذلك، هو ما يُلاحظ من تراجع في السقف السياسي للمطالب الكردية، إذ تشير اللقاءات الجارية بين قيادات الطرفين الرئيسيين إلى تنازل ضمني عن مطلب الفيدرالية، وتوجه نحو صيغة “اللامركزية الإدارية”.

اللامركزية… فخ السياسة الناعمة؟

قد تبدو اللامركزية خيارًا مقبولًا في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها تراجعًا عن جوهر القضية الكردية في سوريا، لا سيما بعد سنوات من النضال والدفع باتجاه الاعتراف الدستوري بخصوصية الشعب الكردي. إن التركيز على اللامركزية بدل الفيدرالية، دون ضمانات دستورية واضحة، يُعد خطرًا استراتيجيًا، لأنه يفرغ القضية من مضمونها القومي والسياسي، ويحولها إلى مجرد مطلب إداري قابل للتلاعب.

في الوقت الذي يتحرك فيه الجولاني بسرعة لفرض وقائع جديدة على الأرض، يحبس الكرد أنفاسهم في انتظار توافق داخلي يبدو أنه بعيد المنال. وبينما يسابق البعض الزمن لحجز موقع في المشهد السوري الجديد، لا تزال الحركة الكردية تتعثر في تناقضاتها الداخلية. وإن لم يتم تدارك الأمر، فإن اللحظة السياسية الراهنة قد تتحول من فرصة إلى تهديد للمشروع الكردي في سوريا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…