“لقاء ترامب – الشرع “

 شيرزاد هواري (عفرين )

اللقاء التاريخي بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأمريكي دونالد ترامب: تحوّل استراتيجي في مسار سوريا الإقليمي والدولي

في لحظة وصفها المراقبون بأنها مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط، شهدت العاصمة السعودية الرياض لقاءً تاريخياً جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك برعاية عربية نشطة قادتها المملكة العربية السعودية، وبدعم مباشر من تركيا وقطر. يأتي هذا اللقاء بعد سنوات من القطيعة والتوتر، ليشكّل نقطة تحوّل في علاقة سوريا مع الغرب، ويبرز نجاح الدبلوماسية السورية الجديدة في الانفتاح على المجتمع الدولي واستعادة الدور السوري التقليدي في المنطقة بعد التعطل الذي أصاب الدور من قبل النظام المجرم 

إعلان ترامب: نحو إنهاء العزلة الاقتصادية

وعشية اللقاء، أعلن ترامب بشكل مفاجئ عن نية إدارته العمل على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، كإشارة واضحة إلى رغبة أمريكية في إعادة بناء جسور الثقة والتعاون. وقد أثار هذا الإعلان ترحيباً في الأوساط السياسية والاقتصادية، كونه يفتح الباب واسعاً أمام إعادة الإعمار والاستثمار، ويخفف من وطأة الحصار الذي أنهك السوريين لسنوات.

عودة سوريا إلى المشهد الدولي

هذا الانفتاح لا يُقرأ بمعزل عن الحراك الدبلوماسي السوري المتسارع، الذي تجلّى بوضوح في زيارة الرئيس الشرع إلى باريس ولقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأمر الذي شكّل سابقة في علاقات سوريا مع أوروبا منذ اندلاع الأزمة  وتؤكد هذه التحركات أن سوريا تمضي بخطى ثابتة نحو استعادة مكانتها الطبيعية إقليمياً ودولياً، بما ينسجم مع تاريخها ودورها المحوري في صياغة توازنات المنطقة.

فرص استثمار وإعمار شاملة

يشكّل الانفتاح الدولي فرصة حقيقية لبدء مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، التي شهدت دماراً واسع النطاق في مدنها الكبرى كـ حلب، دمشق، حمص، حماة وإدلب  وغيرها. وتعمل الحكومة السورية الجديدة على فتح القنوات الاستثمارية والتجارية والعلمية مع الدول العربية والغربية، لإطلاق مشاريع بنى تحتية وتعليم وصحة وطاقة، تسهم في إنهاض الاقتصاد السوري وخلق فرص عمل، بما يعزز الاستقرار ويعيد الأمل للسوريين.

السلام العربي الإسرائيلي: ملف لا يمكن تجاهله

في خضم هذا الحراك، يعود ملف السلام العربي الإسرائيلي إلى الواجهة، مع بروز مقترحات حقيقية لإشراك سوريا ولبنان في الاتفاقيات الموقعة عربياً، ضمن إطار أوسع يضمن حقوق الشعوب العربية ويكرّس السلام العادل والشامل. إن انخراط سوريا في هذه العملية، وفق ثوابت السيادة والعدالة، قد يفتح الأبواب لشراكات استراتيجية جديدة في مجالات الابتكار، الطاقة، والتعليم، تدفع نحو نهضة تنموية حقيقية في المنطقة عموماً وسوريا البلد خصوصاً 

التحديات الدستورية وبناء العقد الاجتماعي

رغم هذه النجاحات الخارجية، تبرز تحديات داخلية لا تقل أهمية، وعلى رأسها الدستور المؤقت الذي أقرّته الحكومة السورية الجديدة. فرغم تضمّنه مفاهيم عامة عن المواطنة المتساوية، إلا أنه لم يرقَ إلى مستوى تطلعات السوريين بمكوّناتهم كافة. إذ لم يُدرج اعترافاً دستورياً واضحاً بحقوق الأقليات القومية والدينية، وعلى رأسهم الكورد، والعلويون، والدروز، في ما يتعلق بالتمثيل السياسي، والهوية الثقافية، والإدارة الذاتية 

وكانت الآمال معلّقة على أن يؤسس هذا الدستور لـ فصلٍ واضح بين الدين والدولة، ويكرّس سيادة القضاء واستقلاله، بما يسمح بمحاكمة من تلطّخت أيديهم بدماء السوريين، سواء من النظام السابق أو من الجماعات التي مارست الانتهاكات باسم الثورة.

ترميم النسيج الاجتماعي: أولوية وطنية

لقد خلّفت سنوات الحرب الطويلة تصدعات عميقة في النسيج الاجتماعي السوري. وقد تعرّضت مكوّنات عدة – خصوصاً الكورد والعلويين والدروز – لانتهاكات جسيمة من أطراف كانت ترفع شعارات “الحرية والكرامة”، لكن ممارساتها حملت طابع الإقصاء والتمييز. إن إعادة بناء المجتمع السوري على أسس العدالة والمساواة والمواطنة الحقيقية باتت ضرورة لا تحتمل التأجيل، ولا بد أن تقترن بإجراءات فعالة للمصالحة الوطنية وجبر الضرر وإحقاق الحقوق.

نحو مستقبل جامع

في ضوء هذه التطورات، تبدو سوريا أمام منعطف حاسم: إما أن تمضي في طريق الانفتاح المستند إلى مشروع وطني داخلي متماسك، أو أن تظل أسيرة تناقضات داخلية قد تعيق انطلاقتها. إن لقاء الرئيس الشرع بالرئيس ترامب، وما رافقه من تحولات دبلوماسية، هو فرصة تاريخية لسوريا كي تعيد تعريف ذاتها كدولة مدنية ديمقراطية موحّدة، تؤمن بالتعددية وتحترم الإنسان، وتستثمر كل إمكانياتها لبناء مستقبلٍ يعيد سوريا إلى أبنائها، وأبناءها إلى وطنهم الأم

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…