العلاقات الاجتماعية في سوريا: بين التقاليد والتحديات المعاصرة

خالد بهلوي

 

تُعَدّ العلاقات الاجتماعية جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان، إذ تلعب دورًا جوهريًا في بناء شخصيته وتشكيل نظرته إلى الحياة. فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين، مما يجعل هذه العلاقات ضرورية لتحقيق التوازن النفسي والعاطفي. ورغم دورها الإيجابي، فإن للعلاقات الاجتماعية جوانب سلبية قد تؤثر على الأفراد والمجتمعات بطرق مختلفة.

في سوريا، تتميز العلاقات الاجتماعية بروابطها القوية التي تعكس الترابط والتماسك المجتمعي، حيث تقوم على تقاليد متوارثة تعبّر عن القيم والعادات الأصيلة. من أبرز هذه القيم احترام كبار السن والمشاركة في المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والتعازي، حيث يسود الشعور بالتكاتف بين أفراد العائلة والأقارب، بمن فيهم الأعمام، والأخوال، وأبناء العمومة. ورغم التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المجتمع، لا تزال هذه الروابط قائمة، ولو أنها تأثرت بفعل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة.

مع اندلاع الأزمة في سوريا، تعرّضت العلاقات الاجتماعية لتغيرات كبيرة، حيث أدى النزوح واللجوء إلى تفكك بعض العائلات وتباعد أفرادها جغرافيًا. ومع ذلك، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في الحفاظ على الروابط الإنسانية رغم البعد، خاصة بين الأجيال الشابة التي باتت أكثر استقلالية بسبب اضطرار الكثيرين للسفر أو البحث عن فرص عمل بعيدًا عن محيطهم الاجتماعي المعتاد.

في الأرياف، لا تزال العشائرية تحظى بأهمية كبيرة، إذ تلعب دورًا في حل النزاعات واتخاذ القرارات، مما يمنح الأفراد المنتمين إليها دعمًا اجتماعيًا قويًا. أما في المدن، فقد تزايد الاعتماد على شبكات التواصل الحديثة لتعويض المسافات وإيجاد بدائل للحياة الاجتماعية التقليدية.

العلاقات الاجتماعية ليست محصورة بالعلاقات الأسرية فقط، بل تشمل أيضًا صداقات العمل وعلاقات الزمالة التي تنشأ في بيئات العمل والخدمة الإلزامية. ورغم أنها غالبًا ما تكون مؤقتة ومحددة بظروف معينة، فإنها توفر للفرد الدعم النفسي وتشجعه خلال الأوقات الصعبة. إلى جانب ذلك، تشكل الصداقات القوية عنصرًا أساسيًا في حياة الفرد، إذ تمنحه الراحة العاطفية وتساعده في تلبية احتياجاته الشخصية.

في المقابل، قد تؤدي بعض العلاقات إلى التبعية الزائدة، خاصة في ظل النفوذ السياسي أو الاقتصادي، حيث يجد بعض الأفراد أنفسهم معتمدين كليًا على أرباب العمل أو المسؤولين، مما يحدّ من استقلاليتهم وقدرتهم على اتخاذ القرارات. كما أن العلاقات المزيفة تُشكّل خطرًا على الأفراد، إذ قد يتعرضون للاستغلال العاطفي أو الاجتماعي، مما يؤدي إلى الإحباط والمشكلات النفسية.

تلعب العلاقات الاجتماعية دورًا محوريًا في دعم الأفراد وتعزيز نموهم الشخصي والمهني، حيث تتيح لهم فرصًا لاكتساب مهارات جديدة والتعرف على ثقافات مختلفة. ومع ذلك، فإن تحقيق التوازن ضروري لضمان الفائدة من هذه العلاقات دون الوقوع في مشكلات التبعية أو الاستغلال. يجب على الفرد أن يكون قادرًا على التمييز بين العلاقات الإيجابية التي تعزز ثقته بنفسه، وتلك السلبية التي قد تعيق تطوره.

تشكل سوريا، بتنوعها، نموذجًا فريدًا من التعددية القومية والثقافية والدينية والمذهبية. لكن هذا التنوع يواجه تحديات كبيرة في هذه المرحلة نتيجة غياب ثقافة التسامح، وقيام بعض الجهلة والمتعصبين، عديمي الإنسانية والأخلاق، بممارسات قتل وخطف وحرق بعض المنازل، مما خلق حالة من الرعب داخل الطائفة العلوية بحجة انتمائها إلى النظام البائد، في تجاهل لحقيقة أن كثيرًا من العلويين كانوا أيضًا ضحايا للظلم والبطش من قبل النظام الأسبق.

هذه الممارسات غريبة على تقاليد وثقافة المجتمع السوري الذي تعايش عبر التاريخ بتنوعه الجميل، والذي يضيف إلى المجتمع غنى وثراء. إذًا، الطائفية تحثّ على الكراهية والفتنة، وتمهد لإشعال نزاعات قد تصيب الجميع وتهدد السلم الأهلي، ما لم تتم معالجتها بحكمة ووعي.

لا بد من احترام حقوق جميع القوميات، والطوائف، والعرقيات، والمذاهب الدينية، لتحقيق الأمن والأمان والسلام في البلاد. فرغم التحديات التي فرضتها الأزمة السورية، لا تزال العلاقات الاجتماعية تشكل عنصرًا أساسيًا في بنية المجتمع، حيث تجمع بين التقاليد العريقة والتأثيرات المعاصرة. ويظل التكافل والتعاون من القيم الراسخة التي تمنح المجتمع السوري القدرة على التكيف مع التغيرات والاستمرار في بناء روابط إنسانية متينة تعزز استقراره ومستقبله.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…