وكان هذا الحزب الذي انتخب جماهيرياً له عشرين عضواً في البرلمان التركي وقد قدموا استقالاتهم من عضوية البرلمان بعد قرار الحظر وله أكثر من تسعين بلدية قضاء وناحية، وأظهر الحزب وزنه الثقيل بين الجماهير الكردية إلى أن وصل الأمر برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً إلى الإجتماع مع رئيس الحزب احمد ترك للتباحث معه في إيجاد حل للقضية الكردية، كما اجتمع مع الرجل وفي سابقة غير معهودة رئيس الولايات الأمريكية أوباما أثناء زيارته الأخيرة إلى تركية، وقد استبشر الكرد حينها خيراً بهذه اللقاءات والتصريحات التركية بحل القضية الكردية ولكن من جانب واحد أي بدون مفاوضات مباشرة بين الطرفين، حيث ولأول مرة يتفوه الساسة الترك بكلمة كرد بدلاً من أتراك الجبال وأعلنوا بأنهم سيعيدون الأسماء الكردية مرة أخرى إلى القرى والقصبات الكردية التي تم تتريكها قبل الآن.
لكن لم يأت ذلك إلا بنضالات الشعب الكردي ومقاتلي الجبال الأشاوس، ووصول تركية إلى حافة الانهيار جراء هذه الحرب التي تشنها الدولة التركية على كل شيء حي تدب على أرض كردستان الشمالية أو يحلق في سمائها.
ولكن الأكراد طلبوا منحهم حقوقهم عن طريق المفاوضات مع ممثلي الشعب الكردي وتثبيته بالدستور التركي بعد مناقشته والتوقيع عليه في البرلمان التركي وليس منح بعض الحقوق ومن جانب واحد.
لأنه وبدون مفاوضات مباشرة بين طرفين معنيين سيضرب الأتراك هذا الحق بعرض الحائط متى ما أرادوا وهذا ما قلته أيضاً في احدى مقالاتي السابقة حول الموضوع ذاته وهذا ما جرى ويجري اليوم، وتحت ضغط الجهات والتنظيمات التركية الشوفينية المتطرفة مثل دنيز بايكال رئيس حزب (CHP) ودولت بخجلي رئيس حزب الحركة القومية ((MHP تراجع رئيس الوزراء أردوغان عن معظم وعوده لا بل أعلنت المحكمة اللادستورية التركية في خطوة غير سديدة في 12/1/2009م عن حل الحزب الكردي(DTP).
ومن الأمور المريبة أن حل الحزب جاء بعد زيارة أردوغان الأخيرة إلى الولايات المتحدة مما يوحي باتفاق مباشر بين رموز الدولار وأردوغان على خطوة المحكمة التركية، وهذا ما يثبت مرة أخرى عدم استقلال القضاء التركي وعدم نزاهته، كما أظهرت الولايات المتحدة أنها خدعت وتخدع الأكراد حيث أبدى الأمريكان مؤخراً وكما قال السيد مسعود البارزاني تفهمهم للقضية الكردية في العراق.
بينما نراها توغل في العداوة لتطلعات الشعب الكردي في تركية، وهذا هو التفكير بمنطق الدولار والجيب المملوء بعيداً عن ادعاءات الإنسانية وحقوق الإنسان ويبدو أن ليس في عرف هؤلاء حقوق إذا تعارض مع حقوق اليورو والدولار، وبذلك تكون أمريكا قد أبدت نيتها لمناصرة الظلم ومباركتة عبودية الشعب الكردي وإعدام أمة بكاملها.
وقد نسي أوباما ماضي أجداده العبيد هذا الماضي المليء بالآهات والدموع حينما كان الأجداد يسحلون على أنوفهم ممرغين بالتراب إلى مزارع البيض في الجنوب الأمريكي قطعاناً بائسة من بشر أهدرت كرامتهم بشكل فظيع.
نعم، لقد أحدث حظر حزب المجتمع الديموقراطي الكردي ردود فعل خجولة من الإتحاد الأوربي الذي أعلن عن قلقه فقط إزاء المزضوع، بينما أعلن الديموقراطيون الأمريكان بأن ما يحدث هو شأن داخلي تركي، وهذا تضامن واضح مع حكومة المغول الجدد وخداع للنفس وضحك على ذقون الديموقراطية التي استبيحت على قارعة الطريق تماماً.
لكن أليس ما حدث ويحدث في باكستان، أو إيران، أو بنما، أو المارتينيك كانت شؤوناً داخلية ياترى أم أن المنطق الأعوج سيبقى أعوجاً إلى يوم يبعثون…؟ هكذا نقول أن الحكومة التركية تسرعت في خطوتها الجائرة بإغلاقها وحظرها الحزب الكردي الذي يعمل سلمياً، لا بل أنها فتحت باب الجحيم في تركية وكردستان على مصراعيه.
ونرى ومنذ أيام المظاهرات الصاخبة وهي تتوالى في جميع أنحاء كردستان وتركية فكانت هناك قتلى وجرحى في صفوف المتظاهرين، هذه الأمور أدى بالكرد إلى الدعوة إلى عقد إجتماع عام في ديار بكر لاتخاذ موقف موحد مما حدث، كما بدا (مراد قرة إيلان) يهدد الحكومة التركية بالرد الحاسم إذا ما استخدم السلاح ضد المتظاهرين الكرد، جاء هذا التصريح بعد مقتل المتظاهر(آيدن أردم) برصاص البوليس التركي وبشكل متعمد، مما يوحي ببوادر حرب أهلية إذا استمر الوضع هكذا مع طمس حقوق عشرين مليوناً تحت جزمات الجندرمة التركية.
وهذا الأمر المؤسف والمخجل والتي أقدمت عليه الحكومة التركية وبإتفاق مسبق مع الحكومة الأمريكية وبالتشاور مع صاحب جائزة نوبل للسلام، سيؤدي لا محالة إلى الأمور التالية:
1- تقوية روح الحقد والكراهية لدى الكرد ضد الحكام الأتراك والولايات المتحدة ذاتها وخاصة في كردستان تركية.
2- إصرار الكرد أكثر من أي وقت مضى على نيل حقوقهم المشروعة أسوة بباقي شعوب العالم.
3- خلق خالة من الوعي السياسي بين الكرد تدفعهم إلى الإندماج أكثر بالحياة السياسية واشتداد مطالبتهم بحق تقرير المصير، وإن يكن ضمن تركية الموحدة.
4- التحاق عدد كبير من الشبان الكرد بمقاتلي الجبال، وبالتالي دخول تركية في حالة اللاعودة وإراقة المزيد من الدماء، لأنه لايمكن للأكراد وقوات الدفاع الشعبي الكردية أن يقفوا متفرجين إزاء إعدام شعب بكامله بقرار شوفيني جائر.
فالأكراد ليسوا مقطوعين من الشجرة وليسوا بدون أهل كما قال مراد قره إيلان في وقت سابق، وسوف يزيدون إصراراً على التمسك بالجبال وخاصة بعد كل هذه الإساءات والإهانات التاريخية التي لحقت ولا تزال تلحق بالشعب الكردي، وستتحمل حكومة أردوغان والمتطرفون والشوفينيون الأتراك مسؤولية ما سيحدث، ولهذا فما نعتقده هو أن هذه الخطوات غير السديدة بالإضافة على الأزمة المالية في تركية والعالم ستقرب الحق الكردي والقضية الكردية من الحل أكثر من أي وقت مضى.