فلتحمل جميعاً مسؤولياتنا بجرأة

رودوست برزنجي

مما لا شكّ فيه ، أنّ للشريحة المثقفة في أي بلد دورها الكبير في كشف عيوب وانتقاد الظواهر السلبية ؛ بل حتى للتضحية إذا ما لزم الأمر، من أجل الدفاع عن قناعاتها ، والأمثلة كثيرة من التاريخ للعديد من الكتّاب والشعراء والفنانين ، والذين دفعوا حياتهم ثمناً للدفاع عن المسحوقين أو الفقراء أو المظلومين.

وفي واقعنا الكردي في سوريا ، وبسبب ظروف الكرد المحرومين من أبسط الحقوق – الثقافية والسياسية- يصعب على أي أحد، بل لا يحقّ له ، الحكم على فلان هل هو شاعر أو كاتب أو قاص أو فنان، أو أنه لا يستحقّ اللقب ، فبسبب عدم وجود نقابات أو مؤسسات ثقافية تعنى بالثقافة الكردية، يستطيع كل من يكتب أن يذيّل اسمه بكلمة كاتب كردي ، حتى لو كانت كتاباته مليئة بعشرات الأخطاء الإملائية ومثلها النحوية؛ وحتى لو كانت أطروحاته التي يدّعي أنها انتقاديه ، لا تمتّ للكتابة النقدية وأصولها بصلة .
والأهم من ذلك، أن بعض كتابنا وخاصة الذين يكتبون في المواقع الإلكترونية ، قد جعلوا من هذه المواقع  ساحةً للتشفي والانتقام ، سواء من شخصٍ بعينه أو من حزبٍ بذاته ، فحين يكتبون لانتقاد ظاهرةٍ أو موقفٍ أو مشروع ، تخلو كتاباتهم من التشخيص والنقد ، وتقتصر على الرفض دون مبررات مقنعة أو حلول .
فهل مهمة الكاتب في حالتنا الكردية الراهنة ،هي في الرفض فقط دون تقديم البديل ، أو على الأقل العمل والتعاون من أجل التغيير نحو الأفضل ؟
كم مشروع كردي قدّمه مثقفونا الأفاضل حتى الآن للخروج من الوضع الكردي؛ الذي أقل ما يمكن القول عنه أنه غير منضبط أو أنه متخبط ، وليس على مستوى التحديات ؟ .
هل استطاع الكتاب الكرد أنفسهم ، تأسيس إتحاد (غير مرخص طبعاً)  يمثّل رؤيتهم وتشخيصهم للواقع ؟
أم أنّ ما بينهم من شقاق ليس أقلّ مما بين القيادات الكردية
لا يخفَ على أحد واقع الحركة الكردية في سوريا ، ولا يرضِ أحد كم الأحزاب المتواجد على الساحة الكردية ، أو الأحزاب التي نجدها فقط على صفحات النت ، ولكن إلى أي مدى نستطيع التعاون مع تلك الأحزاب للخروج من هذه الحالة ، وهل مازال هناك الأمل في التغيير والنهوض من هذه الحالة غير المقبولة ؟
فإن كان الجواب بالإيجاب ، فعلينا أن نقف بجانبهم عملياً ، فنقدّم لهم الرأي والمشورة كفعاليات ثقافية مؤثرة ، وأن يكون لنا دورنا الرياديّ في التغيير.
أما إذا كان الجواب بالنفي ، فيجب أن نعمل لإيجاد البديل ، عبر تقديم مشروع يكون قادراً على الخروج من الواقع الراهن .
تابعت باهتمام شديد ما كتبته عدد من الأقلام ، حول ما سمي بمشروع المجلس السياسي ، ومن ثم مشروع المؤتمر الوطني الكردي ، فجاءت بعض الكتابات جيدة (برأيي طبعاً) ، ليس لكونها انتقدت أو امتدحت ، بل لما فيها من تشخيص ونقدّ بناء ، كما كتب بعض السادة الكتاب ،         (وليتهم لم يكتبوا) مقالات لم أجد فيها إلا سيل من الاتهامات أو الاعتراضات غير المبررة؛ والأحكام المسبقة، بفشل المشروعين، فقط لأنّ هذه الأحزاب لا أمل في نجاحها
إذاً فهؤلاء من الفريق الذي جوابه هو النفي ، فأين هي مشاريعهم البديلة ، وهل يقبلون هم أنفسهم هذا الدور الذي يقتصر فقط على الرفض المسبق .


أعتقد أن الحركة الكردية في سوريا ، لا تتحمل وحدها تبعات الحالة المزرية التي يعيشها شعبنا الكردي في سوريا ، وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم بكل جرأة ، فالهوة العميقة التي تفصل بين الحركة والفعاليات الثقافية من جهة ، وثقافة عدم قبول الآخر لدوافع شخصية ، والانسياق نحو المواقف العاطفية ، وفقدان الأمل نهائياً لكل المشاريع المطروحة من جهةٍ أخرى ، كلها خلقت واقعاً سلبياً ، لم يدفعنا بعد لتلمس مدى خطورته والعمل من أجل تغييره.
على الحركة الكردية في سوريا ، وعلى قياداتها خاصةً ، أن تحتضن كل الفعاليات المجتمعية، وعليها أن تعي، أنها لن تكون قادرة لوحدها على تحمل المسؤولية النضالية ، وعليها أيضاً طي صفحات الماضي، وتبني ثقافة العمل الاتحادي، وعليها أن تعي أيضاً، أن السلطة في سوريا لن تكون مستعدة يوماً للاعتراف بها ، وهي بهذه الحالة من الفرقة والضعف.
إنّ مثال الحزبين (الديمقراطي والاتحاد الوطني) في كردستان العراق، لازال في ذاكرتنا ، فحتى المجتمع الدولي لم يقدما العون لهما ، إلا عندما اتفقا، بعد مرحلة طويلة سوداء بل حالكة،  دفع الطرفين فيها ثمناً غالياً .

على كتابنا الكرد في سوريا ، الوقوف إلى جانب الحركة الكردية ، في هذه المرحلة المفصلية والحساسة ، والعمل من أجل إنجاح مشروع عقد مؤتمر وطني كردي في سوريا ، لا يتعارض مع مشروع المجلس السياسي الذي تسعى إليه عدد من الأحزاب الكردية ؛ لأن الفشل في هذه المرحلة ، لن يكون سهلاً بغياب البديل.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس في لحظات التحولات الكبرى، لا يرحم التاريخ أولئك الذين عجزوا عن رؤية الإشارات حين كان بإمكانهم أن يتداركوا المسار، وعلى مفترق المصائر، لا يُقاس القادة بما كانوا يلوّحون به من شعارات، بل بما أنجزوه أو فرّطوا فيه عند الامتحان. اليوم، تقف حكومة أحمد الشرع عند منعطف مصيري خطير، وإلى الآن لا تزال أمامها فرصة حقيقية…

نظام مير محمدي * الجدية والحسم، مطلبان غربيان صارا يفرضان نفسهما على أي حوار أو تفاوض مع النظام الإيراني بشأن برنامجه النووي، ذلك إن هذا الموضوع قد إستغرق وقتا أطول بکثير من ذلك الذي يستحقه ويتطلبه. منذ أن بدأ الغرب بالتفاوض مع النظام الإيراني من أجل معالجة سلمية تضع حدا لظلال الشك المخيمة على برنامجه النووي، فإن الضبابية والغموض کانتا…

ألبيرتو نيغري النقل عن الفرنسية: إبراهيم محمود ” تاريخ نشر المقال يرجع إلى ست سنوات، لكن محتواه يظهِر إلى أي مدى يعاصرنا، ككرد، أي ما أشبه اليوم بالأمس، إذا كان المعنيون الكرد ” الكرد ” لديهم حس بالزمن، ووعي بمستجداته، ليحسنوا التحرك بين أمسهم وغدهم، والنظر في صورتهم في حاضرهم ” المترجم   يتغير العالم من وقت لآخر: في…

شادي حاجي مبارك نجاح كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في روژآڤاي كردستان في قامشلو ٢٦ نيسان ٢٠٢٥ الذي جاء نتيجة اتفاقية بين المجلس الوطني الكردي السوري (ENKS) واتحاد الأحزاب الوطنية (PYNK) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي بعد مفاوضات طويلة ومضنية على مدى سنوات بمبادرات وضغوط كردستانية واقليمية ودولية وشعبية كثيرة بتصديق وإقرار الحركة الكردية في سوريا بمعظم أحزابها ومنظماتها الثقافية…