زاكروس عثمان
دستور ينسف مبدأ المساواة
يظهر الاعلامي فيصل القاسم في مقطع فيديو قديم وهو يعلق على صدور دستور في عهد النظام السوري السابق، يخال المرء ان التعليق موجه إلى الاعلان الدستور الجديد الذي اعلن عنه ابو محمد الجولاني رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية، نظرا للتطابق التام بينه وبين الدستور الذي وضعه نظام الاسد، يقول القاسم( من هو ابن الـ 60 الف مغفل الذي سيقول نعم للدستور السوري الجديد الذي تم تفصيله على مقاس الرئيس وليس مقاس الشعب السوري، هل قدم السوريون كل هذه التضحيات العظيمة ليحصلوا على دستور يمنح الرئيس صلاحيات لا يحلم بها لا آلهة الاغريق ولا السلاطين، هل يعقل ان الرئيس السوري يحتكر بموجب الدستور الجديد كل شيء في شخصه، لقد نسوا ان يصيغوا مادة تقول: ان الرئيس رضي الله عنه يحي ويميت) صحيح بموجب الاعلان الدستوري حصل الجولاني على صلاحيات مطلقة اكثر من صلاحيات حافظ الاسد صدام حسين وبشار الاسد مجتمعة، ولا غضاضة لدى السلفيين في امتلاك امير الجهاد سلطة مطلقة كونه يحتاج اليها من اجل بسط سيطرته وتمكين امارته ومن ثم إعادة الغزوات “الفتوحات” لاحتلال بلدان الغرب والشرق وإعلان دولة الخلافة الإرهابية.
وعلى ما يبدو فان الجولاني مستعجل في امر الانطلاق بمشروعه التوسعي، ولن يستطيع التحرك ما لم يزيل من امامه عقبات تواجهه في سوريا، الكورد الدروز والعلويين، فجاء بالإعلان الدستوري كي يضفي على خطواته القادمة صفة الشرعية، فقام و فصل الدستور على مقاسه، فجاء بدستور سلفي عنصري طائفي قروسطي، قائم على التمييز بين القومية العربية والقومية الكوردية، بين المسلمين وغير المسلمين، بين السنة وبقية المذاهب، ويجد الجولاني في الكورد الدروز و العلويين عقبة كداء تقطع طريقه ليناصبهم العداء، عدا في دستوره المتخلف الذي ينطق بمنطق الغلبة والسيف ويلغي حقوق الجميع سوى السنة، انه دستور يراد به دولة عروبية ـ سلفية مستبدة لا مكان فيها للكورد والعلويين والدروز والاديان الاخرى، فما هو مصير هذه المكونات في ظل دستور يمنح الشرعية لطاغية ارهابي مستبد مطلق الصلاحية، هل يتخلص منهم بعمليات الصهر الاضطهاد التهجير ام بالمجازر كما يحدث الآن في منطقة الساحل حيث يباد العلويون.
شعب بلا مجلس شعب
ان اخطر ما ورد في الاعلان الدستوري هو صورة طبق الاصل من مجلس الشعب “برلمان” النظام السابق، حظيرة يبرك فيها قطيع من الجواميس والابقار والتيوس والاغنام لا شغل لها ولا عمل، مسموح لها بالشخير او التصفيق ممنوع عليها اصدار اي صوت اخر، برلمان مكسور الجناح، النواب لا يأتون من صناديق الاقتراع بل من الولاءات ومن رضا فروع الاستخبارات وتزكية كبار المسؤولين، او الرئيس بسلامة راسه هو بنفسه يعين كمشة نواب، فاذا كان كل النواب جايين بالتعيين شي من الرئيس شي من وزير شي من زعيم شيشاني فهل بمقدورهم اداء دورهم كنواب للشعب، لا و الأضرب من ذلك هو ان دستور افندي جرد البرلمان من حق مساءلة ومحاسبة رئيس الجمهورية او الحكومة او الوزراء، يعني المهمة الوحيد للبرلمان هو تلقي التعليمات و الاوامر وتنفيذها، فاذا فقد البرلمان دوره يُفتح باب الاستبداد والفساد ويفقد الشعب المنبر الذي عبره يوصل صوته إلى الحكومة، وما يسهل نمو الاستبداد هو منع اية جهة حكومية محاسبة الرئيس، وانه هو الذي يعين اعضاء المحكمة، هذه المواد تعيدنا إلى العصور الوسطى الاوروبية حيث كانت تسود نظرية الحكم المطلق (حق الملوك المقدس) حيث كان الملك حر التصرف وهو خارج حدود المساءلة، هذه النظرية تطابق نظرية الحكم لدى السلفيين الجهاديين الذين يحصرون السلطات بيد الامير ويمنحونه سلطة مطلقة و طاعة عمياء، و الجولاني في طريقه إلى ان يصبح طاغية بالقانون، اية قانون، ذاك القانون الذي اكله الحمار.
محظورات شرعية
ما يلاحظ بشكل رئيسي في الدستور الذي يحسدنا عليه الشعب الياباني هو انه توقف في جوانب كثيرة على مسألة تحقيق العدالة والمساواة، ولكنه بنفس الوقت يفرغ هذه المقولات من مضمونها السياسي الاجتماعي والديني، حيث تمنح كل مادة من مواده امتيازات للمكونات السورية على اساس عرقي او ديني، إذ يمنح العرب حصة الاسد على حساب القومية الكوردية و الاثنيات الاخرى، كما انه يقدم المسلمين السنة على اتباع الاديان والمذاهب الاخرى، وما يلاحظ ايضا هو ان كل فقرة تشير الى الحقوق والحريات تنتهي بعبارات ناسفة لهذه الحقوق، عبارات من قبيل ( حسب المحظورات الشرعية) او (الا يخل بالنظام العام)، ان وجود مثل هذه النواهي يبيح تفسير النصوص القانونية وفق مشيئة السلطة الحاكمة مما يسمح لها بقمع المواطن بل حتى قتله بسبب معتقده الديني او آرائه وافكاره، وليس لارتكابه جريمة تهدد امن الدولة او تضر بالمجتمع.
هناك عبارة في الدستور استوقفتني تقول: تلتزم الدولة بمكافحة جميع أنواع (التطرف العنيف) ما المقصود بالعنيف هل يوجد تطرف لطيف و تطرف آخر عنيف وهل هو عنف لفظي معنوي جسدي، ماذا لو عاملني عنصر امن سلفي في جبهة النصرة بتطرف، باي معيار سوف يقاس هذا التطرف ان كان خفيفا ام عنيفا، اظن ان من دحش هذه الفقرة في الدستور حسب حساب اعتداء السلفيين ـ احباب الحكومة ـ على الناس، كان يقوم واحد منهم بضرب امرأة لأنها رفضت الامتثال لأوامره بوضع البرقع، حينها تقام دعاوى قضائية ضد المعتدي ولان القاضي غير مستقل فسوف يمتثل للأوامر الصادرة اليه ويحكم بان تطرف المعتدي لم يكن عنيفا ولا يستعدي العقوبة و ينصح المرأة ان تضع برقعا، وحين يجد الناس ان القضاء منحاز الى المتطرفين فسوف يرضخون لهم وبذلك يتم سلفنة المجتمع.
يتحدث الدستور العتيد عن حرية الاعتقاد واحترام الدولة لجميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يُخل ذلك بالنظام العام، هنا نجد لغمين، الاول هو ان الدولة تحترم فقط الاديان السماوية، طيب ماذا ستفعل بالأديان غير السماوية هل تحتقرها ام تمنعها ام تجبر اتباعها على تركها ام على دفع الجزية او الرحيل ام تقوم بقتلهم باعتبارهم وثنيين، هل يعني هذا ان الدستور يقفز من فوق حقيقة ان سوريا زاخرة بالأديان غير السماوية ومنها الإيزيدية التي يعتنقها عدد غير قيل من الكورد ماذا يكون مصيرهم اذا ما قرر صاحب الامر تطبيق القانون المستخرج من الفقه الاسلامي الذي ينص حرفيا على منح اصحاب الاديان غير السماوية!! واحدة من ثلاثة خيارات اما اعتناق الاسلام واما القتل او الرحيل, و هذا يأخذنا الى اللغم الثاني هو المحظورات الشرعية ويقصد بها تقنين وتحديد وحصر حق المسيحيين واليهود والمسلمون من غير المذهب السني في اقامة شعائرهم، لنصبح امام مشكلة اخرى وهي طالما ان التشريع الاسلامي مصدر للدستور فانه يلزم فرض ضريبة الجزية على اهل الذمة المسيحيون واليهود، من الواضح ان الدستور يناقض نفسه إذ كيف ينص على ان المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب، وفي موضع آخر يقيد حرية مواطن ويفرض الجزية على مواطن دون آخر، فاين نحن من مواويل الجولاني وزمرته السلفية حول العدالة والمساواة، وقد ابقى دستوره اسم الدولة كما هو (الجمهورية العربية السورية) رافضا إزالة كلمة العربية منه، إذ كما يصر الدستور على منح امتيازات عنصرية للمسلمين فأنه يجد القومية العربية متميزة عن القوميات والاعراق الاخرى في البلاد، وحين يمنحون الدولة هوية عروبية فانهم يحصرون ملكيتها بالعرب وحدهم، و ينكرون هوية باقي القوميات خاصة القومية الكوردية، وما يترتب على ذلك من انكار حقوقهم القومية والسياسية، في هذه الجزئية تتماهى حكومة جبهة النصرة مع سياسة حزب البعث في الغاء القومية الكوردية ومن ثم تعريضها لعمليات التعريب والصهر القومي، بكلمة اخرى دستور الجولاني يعبر عن عقيدته الفكرية والسياسية، دستور الغائي كهذا يناقض الهوية السورية الجامعة الشاملة التي تعبر عن كافة المكونات القومية والدينية السورية، الجمهورية السورية حاف تصلح ان تكون هوية للكوردي والعربي والتركماني …الخ، اما الجمهورية العربية السورية مع الزائدة الدودية فأنها لا تعبر إلا عن الهوية العربية.
يشير الإعلان الدستوري إلى أن اللغة الرسمية للدولة هي اللغة العربية، على ان تكفل الدولة التنوع الثقافي والحقوق الثقافية واللغوية لجميع السوريين، متجاهلا الكوردية لغة ثاني اكبر قومية في البلاد، ناهيك عن لغات باقي الاثنيات، اليس تحديد العربية وحدها لغة رسمية في الدولة اجحاف و تمييز بحق القوميات الاخرى، اليس من المفروض ان تكون الكوردية ايضا لغة رسمية في الدولة او على الاقل لغة رسمية في كوردستان ـ روژئاڤا، لان الكورد شعب اصيل يقيم في وطنه على ارضه التاريخية، وليس جالية وافدة إلى سوريا حتى تكون مجبرة على التعاطي فقط باللعة العربية، ان جعل العربية اللغة الوحيدة المعمول بها في اعمال الدوائر الحكومية المختلفة ولغة السوق والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية المتنوعة امر مناف للمساواة، كونه يمنح افضلية للعربية مقابل تهميش اللغة الكوردية السريانية الارمنية الاشورية والتركمانية، وهذا غبن يخفي تحته دوافع سياسية ترمي إلى تعريب المكونات القومية الاخرى عن طريق اضعاف لغاتها الام وفرض العربية عليهم.
في ذات الاتجاه يستمر دستور بني امية في التعدي على قيم العدالة و المساواة وذلك بتحديد عَلَم للدولة السورية، رموزه والوانه و دلالاته لا تمثل إلا فئة محددة من المكون العربي السني، دون ان يحتوي على رموز تعبر عن جميع المكونات، يبدو جليا ان العقل الذي يضع هذا الدستور الخرندعي مبرمج على جعل كلمة العرب السنة هي الاعلى في الدولة على كل صعيد، وتهميش المكونات الاخرى بما فيهم العرب غير المسلمين او من مذهب غير سني، بخصوص تصميم اعلام الدول قيد التأسيس الدارج هو ان مهندس العملية السياسية يصدر توجيهات إلى مصمم العلم بان يراعي التركيبة الديموغرافية في الدولة و ذلك بوضع رموز تعبر عن كافة مكونات البلد، حتى تجد كل فئة نفسها في علم يلادها، إلا سوريا متعددة الالوان والاديان والتوجهات فرضوا عليها علم لا يمثل إلا فكر ابن تيمية، انا كوردي لن احترم راية ما لم اجد فيها رمزا يمثل هويتي القومية.
ويقر الدستور بالخط العريض عدم المساواة بين الاديان، حين يشترط ان يكون دين رئيس الدولة الاسلام حصرا، وان يكون الفقه الاسلامي هو المصدر الاساسي للدستور، هذا شرط معيب يهين ملايين السوريين من اتباع الاديان الاخرى او الغير ملتزمين بالدين، شرط متخلف رجعي ينثر بذور التمييز العنصري وينفخ في نار الطائفية، تظهر عنصريته من ناحية الايحاء بان الله يفضل المسلمين على غير المسلمين، وما يترتب على ذلك من نيلهم امتيازات سماوية خاصة بهم وحدهم دون غيرهم، وتظهر عنصريته من ناحية ثانية وهي في تقسيم مواطني الدولة إلى شريحة عليا وشريحة دنيا، ما يعطي المسلم انطباع نمطي بانه صاحب اليد الطولى ليقوم باضطهاد الآخرين طالما الدولة ملك له، هذه العنصرية بعينها فالبشر لا يتفوقون في فنون الادارة والحكم تبعا لدينهم، التفوق لا يأتي من دين الانسان بل من جده وعمله وصلاحه وفعل الخير، عوامل التفوق ترتبط بالتربية والتعليم وقدرات فردية خاصة ممنوحة من الطبيعة، بدليل ان انجح رئيس للدولة السورية منذ تأسيس الفرنسيين لها الى اليوم كان المسيحي فارس الخوري، فعلى اي اساس يحتكرون منصب رئيس الجمهورية للمسلمين فقط، هل يرغبون في تصعيد الحساسية العصبية بين المكونات الدينية، من خلال الحاق غبن مستدام باتباع الديانات غير الاسلامية بحرمانهم من حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، قد يكون بينهم مواطنين اكفاء شرفاء موهوبين في قيادة الدولة وادارتها فلماذا نحرمها من هذه الكفاءات ونفضل عليها من هم اقل مستوى لا لشيء انما لمجرد انهم مسلمون .
يتبع ج9