أمريكا والكرد من الخصام الى الوئام

صلاح بدرالدين

  بمناسبة دعوة الرئيس الأمريكي – باراك أوباما – الرسمية قبل أيام لرئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني لزيارة البيت الأبيض وهي الأولى في عهد الادارة الجديدة نستذكر المقولة الشهيرة ” لاعداوات دائمة ولاصداقات دائمة ” التي تنطبق أيضا على سير العلاقات الكردية – الأمريكية فبعد العداء السافر من الدولة الأعظم للطموحات الكردية المشروعة في التحرر والخلاص طوال سنوات حقبة الحرب الباردة التي قاربت نصف قرن بشكل مباشر أو عبر شركائها من أنظمة وحكومات الدول المقسمة لكردستان في أحلاف سعد أباد والحلف المركزي والناتو وحلف بغداد واتفاقية الجزائر التي كانت تتويجا – لخيانة الشعوب المقهورة – من جانب ادارة نيكسون – كيسنجر حسب تقرير عضو الكونغرس – بايك –

عادت الولايات المتحدة المحكومة بمصالحها الى تبديل سياستها الكردية بعد انتهاء الصراع بين الغرب والشرق وتهاوي البلدان الاشتراكية حيث لم تهب لنجدة كرد العراق في هجرتهم المليونية والوقوف وراء استصدار القرار الدولي حول – الملاذ الآمن – فحسب بل تحول الى وسيط لانهاء الصراع الكردي – الكردي في اتفاقية واشنطن عام 1988 بين الحزبين الرئيسيين والراعي الأول لتنظيم المعارضة العراقية ضد النظام الدكتاتوري المخلوع ودعمها حيث كانت كردستان قاعدة استراتيجية لانطلاقتها  .
         من الطبيعي جدا تبدل السياسات الدولية واعادة تعريف المصالح بين حقبة وأخرى فاالنظام العالمي، كما كان في أعقاب الحرب العالمية الثانية انتهى وجرت محاولات وبذلت جهود لصنع نظام آخر يحل محله ونعرف أن عوامل معينة طرأت وتفاعلت في ما بينها لتعجل أيضا بانتهاء ذلك النظام الذي دام أكثر من أربعة عقود بعد توقف الحرب الباردة والبحث عن آليات جديدة لوضع قواعد مختلفة في العلاقات والتعاملات بعضها حدث عن عمد وسبق إصرار وبعضها أثمرته تطورات وتغييرات تلقائية الا أن وصلنا الى مشهد في غاية الغرابة للوهلة الأولى وهو أن حركات التحرر الوطني للعديد من شعوب العالم وعلى سبيل المثال في  (فلسطين وكردستان وجنوب السودان وتيمور الشرقية …) التي كانت حتى الأمس القريب فصيلا مقداما في حركة الثورة العالمية المواجهة للامبريالية الغربية باتت اما في خانة الصداقة أو التحالف مع عدو الأمس والأبواب مشرعة أمامها للاندماج في المنظومة الاقليمية المستجدة خاصة اذا ماتطورت حسب ما يرشح باتجاه تعددي يعيد التوازن ويحفظ حقوق المكونات التي عانت الحرمان والبؤس والاضطهاد وبعيدا عن – الآيديولوجيا – فان المشهد هذا يفسر ببساطة شديدة الحقائق الجديدة والعلائم البارزة في النظام الدولي المتغير .
   تتوفر عوامل وأسباب كثيرة في اللحظة الراهنة لدفع العلاقات الكردية – الأمريكية في الشرق الأوسط عامة والعراقية على وجه الخصوص الى مواقع أكثر رحابة وعمقا ومن أبرزها وبالاضافة الى الضرورات القصوى في توفر العامل الأمريكي الايجابي في المستقبل الكردي بشكل من الأشكال درء للأخطار والتحديات المحدقة من كل حدب وصوب في منطقة مازال سيف الاستبداد والعنصرية مسلطا حاجة الجانب الأمريكي أيضا الى علاقات دافئة مع شعوب الشرق المسلمة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وانكفاء الحل الأمريكي للقضية الفلسطينية وتفاقم الكراهية – الاسلامية – المسيسة بغالبيتها والمصاعب التي تواجه المشروع الأمريكي في أفغانستان ومتطلبات الاستقرار في العراق لانسحاب سلس في الوقت المقرر الذي يلعب الكرد دورا أساسيا في ضمانه بما يمثل ذلك من دعم واسناد وخدمة للأجندة والترتيبات والخطط الأمريكية في سياستها العراقية ومن ضمنها مواصلة وسلامة العملية السياسية الديموقراطية في العراق الجديد مابعد الانسحاب في أجواء تنذر باحتمالات رغبة قوى اقليمية غير مرغوبة في ملىء الفراغ اضافة الى أن التجربة العملية الميدانية خلال السنوات الماضية والتعامل اليومي مع العراق وكردستان خلقت لدى الأمريكيين انطباعا عن وفاء الكرد بالتزاماتهم وخاصة في مواجهة الارهاب وقناعات بجدية وجدوى التجربة الكردية الفدرالية في مجال الاستقرار والبناء والاقتصاد الحر والسلم الأهلي والتعايش الأقوامي والديني المذهبي والحريات الأساسية والانتخابات البرلمانية وسلاسة تداول وتداور السلطة الى درجة اعتمادها كتجربة نموذجية في المنطقة وبالتالي رعايتها وتعزيزها خاصة وأن نشوءها منذ البداية وحتى الآن ولعقدين من الزمن ارتبط باالانفتاح الأمريكي على كردستان العراق.


   من المتوقع أن يطرح الملف الكردي في العراق وفي جانب آخر في بلدان المنطقة على بساط البحث خلال هذه الزيارة الهامة خاصة بما يتعلق الأمر بالسياسة الكردية للولايات المتحدة الأمريكية بدء بمستقبل الفدرالية والمشاركة في الحكومة الاتحادية والحلول اللازمة للاشكالات القائمة بين اربيل وبغداد حول كركوك والمناطق المستقطعة والنفط والبيشمه ركة وكذلك مدى مساهمة الشركات الأمريكية في مشاريع  الاعمار والاستثمارات وفي جانب آخر وبسبب حضور القضية الكردية كعامل مؤثر في مختلف الساحات والبلدان التي تعني المصالح الأمريكية وخاصة تركيا وايران وسوريا على وجه التحديد من غير المستبعد استعراضها وتبادل الآراء حولها والعمل من أجل ازالة التهديدات المحدقة بالكرد في سوريا التي أشار اليها التقرير الأخير لمنظمة – هيومان رايتس ووتش – وكذلك في ايران حيث تنفذ أحكام الاعدام بحق الشبان الأكراد وفي تركيا حيث تلقت مساعي السلام ضربة موجعة بعد حظر حزب العمل الديموقراطي – الكردي -.

   قد تحتل مسألة العلاقات الكردية – الأمريكية حيزا واسعا في المباحثات ومن الجائز أن يطالب الجانب الكردي محاوره ببيان موقفه بوضوح حول الضمانات والالتزامات المعلنة تجاه الكرد في وضع لانجد فيه أية وثيقة رسمية أمريكية ملزمة بقضايا الشعب الكردي العادلة لافي عهود الادارات السابقة ولا في الادارة الجديدة سوى بعض الدراسات على ضعفها وهشاشتها في مراكز البحث ومقالات صحفية في بعض الجرائد والتي تعبر عن رأي كاتبها فحسب وفي أحيان كثيرة تلحق الضرر بعلاقات الكرد مع شركائهم  من العرب والأتراك والايرانيين خاصة عندما تطرح مواقف غير عملية ومناقضة للاتجاهات العامة في الحركة التحررية الكردية .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…