إبراهيم اليوسف
تعيش منطقة الساحل – بحسب ما يردنا من معلومات شحيحة – حالة حصار كبير، بدءاً من قطع الماء والكهرباء والإنترنت، إلى إغلاق الأسواق التي تعرضت محالها للنهب، وصولاً إلى إطلاق نيران القناصة العشوائي على المارة، وهو ما شهدناه سابقاً في منطقة الجزيرة، بل في المناطق الكردية خلال فترة الانتفاضة الآذارية2004، التي حلت ذكراها يوم أمس، بعد أسبوع كامل على ذلك، وتحديداً منذ يوم الثامن من آذار، عندما أُطلقت أيادي السفاحين المجرمين من عناصر وقيادات الفصائل الإرهابية بحق أبناء الساحل السوري، في استهداف واضح للعلويين، الذين طُُمئنوا بعد عملية الاستلام والتسليم ووصول القيادة الجديدة إلى سدة السلطة في دمشق، من قبل حكومة تصريف الأعمال. كما بتنا نسمع عن استهداف أهلنا المسيحيين – أيضاً – في هذه المناطق، رغم حالة التعتيم الإعلامي التي تزيد من فداحة المشهد في ظل العتمة الواقعية! وهذا ما يستوجب تحركاً عاجلاً من الجهات الإغاثية الدولية والمنظمات المعنية، للحيلولة دون الإجهاز على من نجا من المجازر الستين التي ارتُكبت، رغم وصول وفود التحقيق.
لابد من التوضيح – هنا – قبل تناول موضوع من أُطلق عليهم اسم “الفلول”: لا أحد على امتداد خريطة سوريا ينسى أن كثيرين من أبناء الساحل مارسوا التشبيح في أبشع وأحط أشكاله، منذ وصول الطاغية حافظ الأسد إلى سدة السلطة وإلى لحظة سقوط النظام بفرار نجله الأهبل، ولاسيما بحق المتظاهرين السلميين من\ أول الثورة السورية، وأُطلقت أياديهم في ظلم السوريين. ولعل عريفاً من الساحل السوري كان يتحكم بضابط أو قائد قطعة عسكرية، كما أن ملازماً من الساحل كان قادراً على مواجهة عقيد أو عميد في الجيش. ناهيك عن أننا وجدنا موجهاً في مدرسة – واسمها حطين – كان يحمل شهادة الصف الخاص، لكنه كان يتحكم حتى بمدير المدرسة! وقد واجهت هذا الرجل شخصياً، ذات مرة، لن ينساها، عندما عاقب ابناً لي رفض الانتساب إلى منظمة الشبيبة، وكان لي موقف معه لا يزال بعض الزملاء يتذكرونه. إلا أننا لا ننسى أيضاً أن هناك شبيحة من أبناء محافظات أخرى، أساؤوا كما أساء غيرهم، بل ربما فاقوا في إجرامهم، وصبوا جام غضبهم على الكرد في مناطقنا، و-بالأخص- في منطقة الجزيرة. أي أن “الفلولية”، إن كان منبعها القصر الجمهوري برئاسة الأسد الأب ثم الابن من بعده، فإن منطقة الساحل كانت دعامته من خلال رفد سلطة الأسد بطوابير الشبيحة. ومع ذلك، فإنه لا يمكن إنكار أن أمثالهم من أبناء مختلف المناطق السورية ارتكبوا الجرائم بحق السوريين أيضاً، وإن كانت مرتبتهم الثانية تجاه الأولين، إلا أن جرائمهم لم تكن تقل عن جرائم الأولين، وإن كان التشبيح أو “الفلولية” درجات، ومن هنا، فقد يكون بعض شبيحة اليوم يثأرون من شبيحة الساحل لأنهم كانوا في مرتبة أدنى منهم سابقاً، لكن الأذى الذي ألحقه الطرفان بالمواطن السوري- لاسيما الكردي- كان واحداً!
حقيقة، أرى أن إعلام العهد الجديد مقصر في إيصال صورة واقعية عما جرى في الساحل السوري. إذ لا بأس بالاعتراف بأن هناك من أراد مواجهة عناصر الهيئة، من أنفار وحتى مجموعات الفلولة الفارة اللائذة بالجبال، والأحراش، واستدرجوهم إلى كمين وغدروا بهم، بحسب الرواية التي تروج، إلا أن ذلك جاء بعد سلسلة من الاعتداءات التي نُشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسميت بالتجاوزات الفردية، وتم فيها تهديد بعض العلويين أو ارتكاب الانتهاكات بحقهم علناً. لذلك، ينبغي على الهيئة أن تقدم بشفافية تامة إجابات واضحة عن أسئلة مثل: ما أسماء عناصرها الذين غُدر بهم؟ متى استُشهدوا أثناء أداء واجبهم في مواجهة اعتداءات الفصائل كما يُقال؟ ما أسماء “الفلول” الملاحقين التي كان يجب الإعلان عنها؟ كما أن الفصائل كان عليها أن تتعامل مع ذوي المطلوبين بكل مرونة وإنسانية، والتفريق بين المجرم الفعلي وذويه الأبرياء- إن كانوا أبرياء- أو تقديمهم للمحاكم لا تنفيذ حكم الإعدام بحق المئات، من دون محاكمات!؟
إن خطاب الطمأنينة الذي أعلنته الإدارة الجديدة إلى جميع المكونات السورية، ومن بينهم العلويون، كان إيجابياً، لكن ترجمته على أرض الواقع جاءت مشوهة بسبب الجرائم التي ارتُكبت في منطقة الساحل. ولنسمِّ الأمور بمسمياتها فإن: الفصائل المرتزقة ذات السجل الأسود منذ تشكيلها، والتي تدين بالولاء لتركيا أو قطر، هي المسؤولة عن المجازر. ونحن ككرد نعلم مدى وحشية هؤلاء، فقد ارتكبوا الفظائع في عفرين وسري كانيي وكري سبي، التي تفشعر لها الأبدان. لاسيما أن الشريط الزمني الممتد من الثامن من كانون الثاني 2024 إلى الثامن من آذار 2025 شهد حالات راح ضحيتها أبرياء. وقد نشرنا في فيدرالية حقوق الإنسان تقريراً مطولاً حول ذلك. ومن حق السوريين جميعاً أن يطّلعوا على واقع الاشتباكات التي جرت بين الفلول والفصائل: أين وقعت؟ من هم الضحايا؟ إذ إن هناك تعتيماً واضحاً على الطرف “الفلولي”، بينما المواجهات الفعلية تبدو غير مرئية، وضحاياها مدنيون مسالمون في بيوتهم! ومن المؤكد أن من بين الضحايا أسر بعض المطلوبين، لكن أياً كانت أدوارهم في التغطية على ذويهم الفارين، فهذا لا يسوغ إعدامهم ميدانياً عبر مجازر عائلية أو جماعية. لاسيما أن الفيديوهات التي ينشرها عناصر الفصائل الإرهابية تقدم أدلة دامغة ضدهم أنفسهم بلا خجل أو تحسب، بينما نفتقر إلى أي دليل ينفي هذه المعطيات.
من هنا، فإن الإدارة التي أعلنت النفير العام ينبغي أن تكون بين يديها مسوغات قوية لهذا الإعلان. وإلا، فإن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق العناصر المنفلتة التي ارتكبت المجازر، بل على الإدارة ذاتها، لأنها مطالبة بوقف هذه الفصائل ومحاكمة مجرميها، وضمان ألا يتم استهداف أي شخص في الساحل السوري- وفي أية بقعة سورية- لمجرد كونه من أبناء هذه المنطقة أو تلك، بموجب تطبيق قوانين العدالة الانتقائية. بل إننا ندعو إلى توسيع دائرة ملاحقة أزلام النظام داخل الساحل وخارجه، في آن واحد، دفاعاً عن أي ضحية بريئة، سواء كان مدنياً أم عسكرياً، من الإدارة الجديدة أو من أبناء الساحل، مع المطالبة بتطبيق القوانين اللازمة بحق كل من استهدف الاستقرار، خدمةً للمجرم الفار بشار الأسد وزبانيته، الذين فقدوا امتيازاتهم ويحاولون استعادة تجربة فوضى العراق، لإعادة الاعتبار إلى أنفسهم، وإغراق سوريا في مستنقع الدم والضياع، تماماً كما فعل بعض السذج بعد سقوط الطاغية صدام، ممن راحوا يعيدون إليه الاعتبار بوقاحة ومن دون خجل أو مسؤولية أخلاقية!
كما أننا نأمل أن يكون أول إنجاز للإدارة السورية الجديدة هو النجاح في جلب الطاغية بشار الأسد وبطانته من ملاذاتهم في عواصم اللجوء، لمحاكمتهم على جرائمهم البشعة بحق السوريين. من دون نسيان كل من هم داخل البلاد، وكانوا يمارسون الاستبداد والطغيان بحق مواطنينا السوريين، وما أحوجنا إلى قوائم بأسماء هؤلاء الجناة!؟