وغيرهم.
واللافت أيضا أنه لم تصدر بيانات الإدانة من جانب قسم من الأحزاب الكردية, وهو أضعف الإيمان كما يقال, رغم الدلالات الخطيرة لهذه الاعتقالات, ورغم معرفتنا بأن بيانات الإدانة هذه لا تقدم ولا تؤخر في التأثير على موقف النظام, طالما أن النظام يدرك حجم الهوة الحقيقية بين هذه الأحزاب, ويدرك مدى قدرتها على التضامن الفعلي, ولكن تبقى لها قيمة معنوية ومعنى سياسي لأن رفض الاعتقال السياسي يعني رفض منهج القمع في التعامل مع الحراك المدني الديمقراطي.
فإذا كان ثمة من يقيس الأمور فعلا, اعتبارا من هذا الافتراض، فلاشك أنه مجرد وهم ساقط يستمد مبرراته من سقوط صاحبه في شرك نزعات حزبية أنانية مريضة, يدفع بصاحبها إلى عدم رؤية الحقائق والمعطيات أبعد من رأس انفه المجدوع بالقمع والإذلال السلطوي, وهو إذا ما كان يعكس أمراً فهو يعكس حجم اللامسؤلية التي وصل إليها هذا الفريق من الأحزاب الكردية, أو بالأحرى حجم اهتزاز البوصلة الوطنية لديه.
حيث لا يوجد ما يبرر هذا الصمت, وحملة الاعتقالات هذه تطال أعلى المستويات القيادية, وتؤشر لمرحلة خطيرة جداً في تعاطي النظام مع الحركة الكردية, لن يكون أحد بمنأى عن تداعياتها, إذا بقي النظام على هذا التصعيد, وبقي متمسكاً بالسياسات العنصرية, وخصوصاً المرسوم التشريعي رقم (49) والقرارات والتدابير اللاحقة السرية منها والعلنية, الأمر الذي سيعني الاستمرار في عزمه على تنفيذ سياسة تطهير عرقي مكشوفة, ودون أي غطاء يستعجل من خلالها تفريغ المنطقة الكردية من أغلبيتها الكردية, قد يكون استعداداً لاستحقاقات قادمة بشأن الملف الكردي, يعمل على تجاوزها بأقل الخسائر.
وبما أننا نقول أن هناك تصعيداً عنصرياً على الأرض, فمن المنطقي أن يترافق هذا التصعيد في السياسات الشوفينية, بحملة قمع أيضا, لضمان تمرير هذا التصعيد بأدنى ردود الأفعال, أو على الأقل لتليينها, وخفض مستوى استعداد الأحزاب الكردية للمقاومة والمواجهة.
ولكن وبقليل من الحكمة السياسية والتبصر المتحرر من قيود ثقافة الخوف المزمن سنكتشف أن النظام رغم إيحائه بأنه يمتلك ناصية القوة, ورغم كل القمع والتصعيد, إلا أنه في الواقع لايمتلك الكثير من عناصرها التي تؤهله لخوض مواجهة مفتوحة مع الشعب الكردي, وتصفية قواه السياسية, وذلك لأسباب كثيرة أهمها: أنه لا يعيش حالة انفراج مع المجتمع الدولي كما يتوهم البعض, بل كل ما هنالك هو بعض الزيارات الاستكشافية لمسؤلين أوربيين وأمريكيين تأتي في إطار إعادة تقييم النوايا لا أكثر ولا أقل, ولا توجد مؤشرات حتى الآن تفيد بأن هذه الزيارات ستؤدي إلى انفراج دائم في علاقات النظام مع المجتمع الدولي, وخاصة إننا نعرف حجم الطلبات الأوربية والأمريكية الموجه له في بعض الملفات الإقليمية, وفي مجال حقوق الإنسان وغيره, ونعرف كذلك مدى القدرة الفعلية للنظام للاستجابة لهذه الطلبات,الأمر الذي يعني أن سلوك النظام سيخضع في هذه المرحلة لمجهر الرقابة الدولية في أدق تفاصيلها, وهو يعرف ذلك جيداً, ولذلك عندما يلجأ إلى القمع والتصعيد فهو كمن يبلع السكين على الحدين, وهذا بعينه مؤشر على درجة إرباك النظام وضعفه وحجم الضغوطات التي يتعرض لها, طالما بقي عاجزا عن تعزيز قدراته على المقاومة والصمود عبر الإنفتاح على الجبهة الداخلية وإرضائها من خلال الاستجابة لدعواتها في الحرية والديمقراطية ولقمة العيش الكريم.
لأن خبرتنا مع النظام تقول, أنه كلما شدد من القبضة الأمنية في الداخل, كلما كان ذلك يعكس حجم توتر علاقاته مع الخارج, فهو يلوذ بالتشدد والقمع والبطش والسياسات الرعناء ضد الجبهة الداخلية عندما تكون هذه الضغوطات الخارجية عليه في مداها الأقصى, لأنه قال أكثر من مرة, ومن منطلق ولعه بنظرية المؤامرة, أو هكذا يريد أن يقنع نفسه, بأن الحراك الداخلي ضده هو صدى للضغوطات الدولية, ولذلك نجد حجم التشدد وإطلاق يد أجهزته الأمنية ترتفع هبوطاً وصعوداً مع انحدار وتصاعد الضغوطات الخارجية.
نحن من جانبنا, نتوقع المزيد من التأزم في علاقات النظام مع المجتمع الدولي خلال الأشهر القليلة القادمة, عندما يحين موعد بعض الاستحقاقات, وعندما تتبخر الوعود التي قطعها هنا وهناك.
ونتوقع بالمقابل المزيد من التشديد في القبضة الأمنية في محاولة للإيحاء بأنه ما زال قوياً للامساك بالجبهة الداخلية كما قلنا في السياق, وخاصة إذا انصاعت القوى الكردية لمنطقه, وبدت عليها علامات الخوف والارتباك, ونخشى أن تقع الحركة الكردية في هذا الفخ, لأنه عندها تكون تساهم في استدرج النظام إلى المزيد من القمع والبطش والتصعيد العنصري, لذلك تبدو المعادلة حساسة وتتطلب من يستوعبها على حقيقتها بعيداً عن الأوهام, التي ينتجها العقل المحاصر بالخوف المستديم .
لا شك لدينا, بأننا كحركة كردية نمتلك الكثير من عناصر القوة, وإمكانات حشر النظام واّلته القمعية في الزاوية الضيقة, إذا قررنا مواجهة هذا التصعيد بتصعيد في الحراك الجماهيري الديمقراطي السلمي بأشكاله المؤثرة .وإذا استطعنا أن نتحرر من العقد الحزبية الأنانية المريضة, وقدمنا أداء تضامنياً فعالا, ومتبادلاً, ليس من منطلق رفع العتب, بل من منطلق الإيمان بأن ما يصيب أحدنا يصيب الكل, وعندها فقط سيدرك النظام أن المواجهة مع أي تيار كردي يعني المواجهة مع الكل, ويعني من حيث النتيجة المواجهة المفتوحة مع الشعب الكردي, وقلنا في البداية أن النظام غير قادر على مواجهة مفتوحة من هذا النوع.
* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد (169) ايار 2009