الاعتقالات الأخيرة من الدلالات إلى الاستحقاقات

  افتتاحية نشرة يكيتي *

الأمر اللافت في الاعتقالات التي جرت خلال الأشهر القليلة الماضية, أنها طالت عدداً من الرموز القيادية الكردية في سوريا, وتكاد تكون من تيار سياسي واحد مشعل التمو, مصطفى جمعة, سليمان أوسو, إبراهيم برو, أنور ناسو, سعدون شيخو, محمد سعيد عمر, وقبلها محمد موسى ونصر الدين برهك وفيصل نعسو..

وغيرهم.

واللافت أيضا أنه لم تصدر بيانات الإدانة من جانب قسم من الأحزاب الكردية, وهو أضعف الإيمان كما يقال, رغم الدلالات الخطيرة لهذه الاعتقالات, ورغم معرفتنا بأن بيانات الإدانة هذه لا تقدم ولا تؤخر في التأثير على موقف النظام, طالما أن النظام يدرك حجم الهوة الحقيقية بين هذه الأحزاب, ويدرك مدى قدرتها على التضامن الفعلي, ولكن تبقى لها قيمة معنوية ومعنى سياسي لأن رفض الاعتقال السياسي يعني رفض منهج القمع في التعامل مع الحراك المدني الديمقراطي.

 يفسر البعض عدم صدور بيانات الإدانة من بعض الأحزاب الكردية, بأنه يعكس وجود ارتياح لدى هذا الفريق من الأحزاب, من الاعتقالات التي تطال هذا التيار السياسي, وكأن لسان حاله يقول أن تصفية هذا التيار السياسي, قد يترك له الميدان واسعاً لإعادة تسويق منهجه السياسي, بعد أن كاد يفقد ما تبقى من رصيده السياسي والجماهيري, تحت وقع الحراك الذي حققه هذا التيار وبالتضحيات.

فإذا كان ثمة من يقيس الأمور فعلا, اعتبارا من هذا الافتراض، فلاشك أنه مجرد وهم ساقط يستمد مبرراته من سقوط صاحبه في شرك نزعات حزبية أنانية مريضة, يدفع بصاحبها إلى عدم رؤية الحقائق والمعطيات أبعد من رأس انفه المجدوع بالقمع والإذلال السلطوي, وهو إذا ما كان يعكس أمراً فهو يعكس حجم اللامسؤلية التي وصل إليها هذا الفريق من الأحزاب الكردية, أو بالأحرى حجم اهتزاز البوصلة الوطنية لديه.

حيث لا يوجد ما يبرر هذا الصمت, وحملة الاعتقالات هذه تطال أعلى المستويات القيادية, وتؤشر لمرحلة خطيرة جداً في تعاطي النظام مع الحركة الكردية, لن يكون أحد بمنأى عن تداعياتها, إذا بقي النظام على هذا التصعيد, وبقي متمسكاً بالسياسات العنصرية, وخصوصاً المرسوم التشريعي رقم (49) والقرارات والتدابير اللاحقة السرية منها والعلنية, الأمر الذي سيعني الاستمرار في عزمه على تنفيذ سياسة تطهير عرقي مكشوفة, ودون أي غطاء يستعجل من خلالها تفريغ المنطقة الكردية من أغلبيتها الكردية, قد يكون استعداداً لاستحقاقات قادمة بشأن الملف الكردي, يعمل على تجاوزها بأقل الخسائر.
وبما أننا نقول أن هناك تصعيداً عنصرياً على الأرض, فمن المنطقي أن يترافق هذا التصعيد في السياسات الشوفينية, بحملة قمع أيضا, لضمان تمرير هذا التصعيد بأدنى ردود الأفعال, أو على الأقل لتليينها, وخفض مستوى استعداد الأحزاب الكردية للمقاومة والمواجهة.

ولكن وبقليل من الحكمة السياسية والتبصر المتحرر من قيود ثقافة الخوف المزمن سنكتشف أن النظام رغم إيحائه بأنه يمتلك ناصية القوة, ورغم كل القمع والتصعيد, إلا أنه في الواقع لايمتلك الكثير من عناصرها التي تؤهله لخوض مواجهة مفتوحة مع الشعب الكردي, وتصفية قواه السياسية, وذلك لأسباب كثيرة أهمها: أنه لا يعيش حالة انفراج مع المجتمع الدولي كما يتوهم البعض, بل كل ما هنالك هو بعض الزيارات الاستكشافية  لمسؤلين أوربيين وأمريكيين تأتي في إطار إعادة تقييم النوايا لا أكثر ولا أقل, ولا توجد مؤشرات حتى الآن تفيد بأن هذه الزيارات ستؤدي إلى انفراج دائم في علاقات النظام مع المجتمع الدولي, وخاصة إننا نعرف حجم الطلبات الأوربية والأمريكية الموجه له في بعض الملفات الإقليمية, وفي مجال حقوق الإنسان وغيره, ونعرف كذلك مدى القدرة الفعلية للنظام للاستجابة لهذه الطلبات,الأمر الذي يعني أن سلوك النظام سيخضع في هذه المرحلة لمجهر الرقابة الدولية في أدق تفاصيلها, وهو يعرف ذلك جيداً, ولذلك عندما يلجأ إلى القمع والتصعيد فهو كمن يبلع السكين على الحدين, وهذا بعينه مؤشر على درجة إرباك النظام وضعفه وحجم الضغوطات التي يتعرض لها, طالما بقي عاجزا عن تعزيز قدراته على المقاومة والصمود عبر الإنفتاح على الجبهة الداخلية وإرضائها من خلال الاستجابة لدعواتها في الحرية والديمقراطية ولقمة العيش الكريم.

لأن خبرتنا مع النظام تقول, أنه كلما شدد من القبضة الأمنية في الداخل, كلما كان ذلك يعكس حجم توتر علاقاته مع الخارج, فهو يلوذ بالتشدد والقمع والبطش والسياسات الرعناء ضد الجبهة الداخلية عندما تكون هذه الضغوطات الخارجية عليه في مداها الأقصى, لأنه  قال أكثر من مرة, ومن منطلق ولعه بنظرية المؤامرة, أو هكذا يريد أن يقنع نفسه, بأن الحراك الداخلي ضده هو صدى للضغوطات الدولية, ولذلك نجد حجم التشدد وإطلاق يد أجهزته الأمنية ترتفع هبوطاً وصعوداً مع انحدار وتصاعد الضغوطات الخارجية.


 نحن من جانبنا, نتوقع المزيد من التأزم في علاقات النظام مع المجتمع الدولي خلال الأشهر القليلة القادمة, عندما يحين موعد بعض الاستحقاقات, وعندما تتبخر الوعود التي قطعها هنا وهناك.

ونتوقع بالمقابل المزيد من التشديد في القبضة الأمنية في محاولة للإيحاء بأنه ما زال قوياً للامساك بالجبهة الداخلية كما قلنا في السياق, وخاصة إذا انصاعت القوى الكردية لمنطقه, وبدت عليها علامات الخوف والارتباك, ونخشى أن تقع الحركة الكردية في هذا الفخ, لأنه عندها تكون تساهم في استدرج النظام إلى المزيد من القمع والبطش والتصعيد العنصري, لذلك تبدو المعادلة حساسة وتتطلب من يستوعبها على حقيقتها بعيداً عن الأوهام, التي ينتجها العقل المحاصر بالخوف المستديم .


 لا شك لدينا, بأننا كحركة كردية نمتلك الكثير من عناصر القوة, وإمكانات حشر النظام واّلته القمعية في الزاوية الضيقة, إذا قررنا مواجهة هذا التصعيد بتصعيد في الحراك الجماهيري الديمقراطي السلمي بأشكاله المؤثرة .وإذا استطعنا أن نتحرر من العقد الحزبية الأنانية المريضة, وقدمنا أداء تضامنياً فعالا, ومتبادلاً, ليس من منطلق رفع العتب, بل من منطلق الإيمان بأن ما يصيب أحدنا يصيب الكل, وعندها  فقط سيدرك النظام أن المواجهة مع أي تيار كردي يعني المواجهة مع الكل, ويعني من حيث النتيجة المواجهة المفتوحة مع الشعب الكردي, وقلنا في البداية أن النظام غير قادر على مواجهة مفتوحة من هذا النوع.

* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد (169) ايار 2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين هناك شبه اجماع على ظهور الفكر القومي ، وانبثاق دول قومية بداية القرن التاسع عشر في اوربا ، وقيام الثورة الفرنسية بالدور الأبرز في بلورة الهويات القومية ، وقيام الدول ذات الطابع القومي ، ليس في القارة الأوروبية فحسب بل في مختلف انحاء العالم خصوصا لدى شعوب الشرق الأوسط حيث العديد من بلدانها كانت تحت الانتداب الفرنسي ومن…

د. محمود عباس أخطأت الولايات المتحدة الأمريكية (الجناح الراضخ للدولة العميقة العصرية) في إدارة الملف السوري، حين تجاهلت تعويم القضية الكوردية، ولم تمنح قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المكانة التي تؤهلها لتكون البديل الشرعي والوحيد عن وزارة الدفاع المنهارة بعد هروب بشار الأسد، لتصبح بذلك البوابة الأكثر أمانًا لعبور سوريا نحو الاستقرار والبناء ومواجهة الإرهاب بكل أشكاله، ورجحت كفة الاستثمارات مع…

عبدالرحمن كلو في لقاءٍ تلفزيوني على شاشة روداو، وجّه أحد نازحي شنگال سؤالًا بسيطًا ومباشرًا إلى رئيس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني: لماذا لم تُنفّذ اتفاقية شنگال؟ فجاء جواب السوداني ببرودٍ لا يخلو من استخفاف: هل تعلم ما هي اتفاقية شنگال؟ وحين أجابه الرجل بالإيجاب، قاطعه السوداني سريعًا قائلاً: الاتفاقية تعني التنمية ووجود القوات الأمنية العراقية في القضاء،…

نظام مير محمدي * شهدت إيران خلال الفترة المنصرمة تصعيدًا مروعًا وغير مسبوق في عمليات الإعدام، في ظاهرة خطيرة تكشف عن الوجه الحقيقي لنظام ولاية الفقيه الغارق في وحل القمع والإرهاب. إن هذه الموجة الهائلة من الإعدامات، التي تطال الشباب والنساء والمعارضين السياسيين والمحتجين، ليست مجرد أرقام تُحصى، بل هي صرخة مدوية في وجه ضمير الإنسانية، تؤكد الطبيعة الإجرامية لكيان…