غربي كوردستان أولاً*

ريبر هبون

 

غربي كوردستان كانت  وظلت ساحة استقطاب لكافة القوى الكوردية في الشمال والجنوب وغرفة عمليات تحرير شمال وجنوب كوردستان، هذا الموقع جعل كورد هذا الأقليم يتمايزون عن سواهم بذكائهم ووعيهم القومي وعندما حانت الفرصة أي بعد قدوم  تلك الهبات الشعبية للمنطقة ووصولها  إلى سوريا  استفادوا من هذا الصراع الطائفي بين جماعة الأخوان المسلمين وآل الأسد لتقوية اقليمهم والتركيز على حماية وجودهم، بعيداً عن هذا النزاع الطائفي بين النظام السوري وخصمه اللدود المتمثل بتلك التنظيمات المنبثقة من فكر الأخوان المسلمين ، فاتخذوا خطاً وسطياً معتدلاً علمانياً وعبّروا عن ثورتهم وفق خصوصيتهم إذ يعتبر 12 آذار 2004 بداية الثورة السورية التي وقف غالب معارضي ما بعد 2011 وقتها مع النظام السوري ضدهم، وليس ما حدث في بداية 15 آذار 2011 إلا استكمالاً لنزاع قديم بين الأخوان وآل الأسد واستغلت القوى المفتتة للمنطقة من تلك العدوات القديمة والمستحدثة لتعديل اتفاقية سايكس بيكو  في سوريا وإعادة ترسيمها بما يتوافق وحاجات راسمي الخرائط الجديدة، وبما لاشك فيه فإن غربي كوردستان هو بوصلة  حل القضية الكوردية ليس ضمن اقليمها فحسب وإنما في شمال كوردستان وكذلك شرقها والذي سيعبد الطريق لجنوبها بتأسيس دولة مستقلة، إذ كافة الدلائل تؤيد أن  ترسيم المنطقة مجدداً يتم بتسارع خصوصاً بعد هروب بشار الأسد وسقوط نظامه وفتح الطريق برعاية دولية اقليمية أمام زعيم النصرة

سابقاً أبو محمد الجولاني والذي أعاد اسمه الحقيقي أحمد الشرع للواجهة ليكون رئيساً انتقالياً لسورياً

وقد هيمنت تركيا على سوريا بشكل غير ودي حسب تعبير الرئيس الأمريكي دونالا ترامب وباتت تتحكم بمفاصل القرار السوري وراحت تركز بشكل مباشر على تدمير مكتسبات الكورد في غربي كوردستان، إذ أن بقاءها يهدد بتفكيك تركيا الحالية لاسيما وأن النية الاسرائيلية في تغيير المنطقة بعد عملية طوفان حماس مستمرة إذ لم تتوقف عن حدود تدمير  حماس وحزب الله ومقترح إخراج الفلسطينيين من غزة وتوزيعهم على الأردن سوريا ومصر والسعودية  وإنما رأت في هيمنة تركيا على سوريا بواسطة جماعة جهادية استقدمتها الأخيرة إلى دمشق خطراً على أمنها فراحت تعلن أن جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح ولن تكتفي بذلك فإن قلق الدولة التركية العميقة بادٍ من أن إسرائيل والغرب يبيتان النية في الانقضاض على إيران وتركيا على حد سواء وإبراز الكورد كلاعب جديد في المنطقة، ولا شك بأن هدف تركيا من وراء عملية السلام التي أطلقتها في بداية سنة 2025 هو  أن تتخلى قوات سوريا الديمقراطية عن سلاحها مقابل إجراءات لم توضحها تركيا حتى الآن بمعنى أنها تفرض الاستسلام على الكورد مجدداً وتحاول دون نية حقيقية منها في إقناع الكورد بضرورة عدم الانخراط لما تبيته اسرائيل والغرب في تغيير المنطقة وبالفعل لم يتأخر رد حزب العمال الكوردستاني على نداء أوجلان بعقد كونفرانس والإعلان عن حل حزب العمال الكوردستاني ورمي السلاح  ، فكان الرد هو ترحيب حذر ومطالبة بتهيئة تلك الأجواء من الجانب التركي وبضرورة إخراج أوجلان ليتولى عملية الحل بنفسه.

لقد أرادت تركيا من هذا أن تأخذ الشرعية الدولية باجتثاث الحزب على طريقة نتنياهو بما فعله إزاء حماس، بيد أنها لن تكون بمعزل عن رياح التغيير فيما لو أصرت على مواصلة حربها ضد الكورد وتجربتهم في غربي كوردستان بدعوى مكافحة الإرهاب، فقد رحبت كافة الأطراف الاقليمية والدولية بنداء أوجلان إلا أن تركيا ستظهر بموقف المخرّب لتلك العملية إذا ما استمرت في التعنت والتعامل مع المبادرة من منظور أمني دون الاعتراف بوجود القضية الكوردية.

إن غربي كوردستان يعيش في يقظة وحراك قومي في توقيت مفصلي يستلزم من كافة الأطراف السياسية الكوردية التحلي بيقظة تراعي أهمية المرحلة التي تمر على المنطقة ، تراص الصف سيحقق للمنطقة السلام ، إذ تعلق كافة مكونات المنطقة من مسيحيين ودروز  وعلويين على وفاق الكورد ومتانة تنظيمهم ، إذ أن التوحد الكوردي في غربي كوردستان مصلحة لتلك المكونات التي تتعرض لخطر الإبادة والتهميش من من قبل حكومة الشرع السلفية وتنظر الأطراف العربية العلمانية والمعتدلة لشمال شرقي سوريا كمنطقة آمنة سوى من التدخلات التركية وإصرارها على تدمير تلك التجربة بذريعة وجود عناصر لحزب العمال الكوردستاني داخلها.
إن تحرر اقليم غربي كوردستان  وشمال شرقي سوريا من صنوف الهيمنة والوصاية خارج الاقليم وسوريا يمثل تحدياً وبحرية هذا الجزء  وتحرره من الاملاءات الخارجية فإنه بإمكانه أن يمد قنواته الدبلوماسية نحو العالم بغية الحصول على شرعية تمكنه من تثبيت مكتسباته على الأرض ولاشك أن ذلك لن يتحقق إلا بالمرور  فوق جسر من التعب والتحديات المتعددة.

 

*من كتاب (نقد السياسة الكوردية غربي كوردستان)

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…