التصادم المجتمعي والسلطة

فرحان كلش

 

إن خلق الصراع مع المجتمعات الصغرى المكوِّنة للنسيج الاجتماعي السوري العام، وتغذية هذا الصراع بالسكوت عنه ظاهراً، مع حقيقة تقديم الحطب السياسي والمذهبي كنفخ مقيت في الجمر قضية بالغة الخطورة، و الإدارة في دمشق تتغافل خباثة عنه لضرورات اشغال الناس بقضايا خارج سياق ما تخطط له وما تستهدفه هي، بلى، أن ذلك جزء من تكتيكاتها ضمن ثنائية الصراع والتمكين(إلهاء الجميع بالجميع، وبسط اليد على الجميع)، إن هذا ليس إلا منطلق هش ومدمر لبناء الدولة ذاتها.

ما نشهده من هجوم متعدد الجبهات والعيارات من قبل حاضنة الجولاني ضد كل مكونات الشعب السوري لا يبشر بالخير، ويدل على أن الرجل يريد تدمير كل ما تبقى من البلاد، ثم صياغة تفاصيل البُنى وفق رؤيته، حقيقة كل شيء يمكن غربلته وإعادته إلى عناصره الأولى، ثم التركيب وفق ما يلائم، ولكن اللعب على الصراعات داخل المجتمع وتفتيته كارثة لا يحمد عقباها، وإعادة هيكلة المجتمع (أي مجتمع) لا تتم وفق برمجيات معدة مسبقاً، والوصفات عادة تستغرق عقوداً حتى يمكن تخليص المجتمع من الثارات التي عاشها وأخذت جزء من حياته، لذلك ما تقوم به إدارة دمشق يشكل لعباً بالنار.

إن فتح الجبهات على الشريك الوطني، مرة بالبندقية، حيث لم تتوقف حرب الفصائل على الكُرد، هذه المجموعات المرتزقة التي من المفترض أنها قد اندمجت في الجيش السوري وباتت تابعة لوزارة الدفاع، بل وتم ترفيع قياداتها في سلم الرتب العسكرية، وبمساعدة موجه بوصلتهم من الأتراك، عدا ذلك تعج وسائل التواصل الاجتماعي بالصراخ والتهديد والدعوة إلى إنهاء الكرد، وإنكار أي حقوق لهم في سورية ما بعد الثورة، كل ذلك يدفع بالبلاد إلى المزيد من المآزق والخصومات.

إن استخراج الدفين من الأحقاد ضد الكرد، وكل المكونات السورية الأخرى، مشروع سياسي هدفه ترهيب الكرد خاصة و إجبارهم على التخلي عن مصادر قوتهم، فاتهام قسد بما ليست فيها من نعوت وتهم و كذلك فض الحاضنة السياسية(الإئتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة) التي آمل الكرد أو جزء منهم على الأقل منها أن تساهم في رسم سورية المستقبل، ونشر الأكاذيب حول تاريخ وحاضر الكرد، العناوين الرئيسة في سلسلة محاولات إضعاف الكرد والسير منفردين إلى القيام بالخطوات اللازمة لتكريس سلطتهم في دمشق.

وفي الوقت نفسه علينا ألا ننسى أو نتناسى أن المجتمع الكُردي يعيش أزمة سببتها قواه السياسية والحزبية له، تتجسد في عدم قدرته على التعبير بما يراه خارج صندوق ما رُسم له من أفكار ورؤى منذ نصف قرن، أنه مكبل حقيقة بثنائية (الحزبي – المستقل) التي عطلت روح المبادرة خارج التحزب، بل لكي يمكنك أن تبادر إلى طرح فكرة عليك تأسيس حزب وتنضم لهيكل استحزابي لتكون مالكاً لجزء من شرعية التعبير عن ذاتك.

إن ولادة سوريا جديدة تتطلب تكاتفاً مجتمعياً شاملاً، فكما كان الجميع حواضن للثورة وفق خصوصيات وإمكانات كل طرف، من المفترض أنه بعد سقوط الديكتاتور البحث عن الجوامع السياسية والوطنية بين الجميع والبناء على أسس من التوافق الجمعي لا الاستفراد بالسلطة، وإعادة تدوير ديكتاتورية البعث تحت عناوين أخرى.

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…