كتاب «من أسقط التمثال؟- شهادات وحوارات في انتفاضة آذار الكردية 2004 » الحلقة الثالثة عشرة (عبدالحليم حسين*)

كنّا في عام 2004م، في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، مجتمعين في مكتب الحزب، وكان يوم الجمعة 12 آذار عندما انفجر الوضع بين الفريقين في الملعب البلديّ، وخرجنا إلى الشارع وإذا بالشارع ملتهبٌ، ولم يخلُ الأمر من وجود بعض المؤجّجين من القوى القومية الموالية للنظام، وكذلك من القوى القوميّة الكرديّة المتعصّبة وفي يوم 15/3/2004م، تم تجنيد بعض العملاء للنظام وخروجهم إلى الشارع الرئيسيّ يهتفون: (لا عرب ولاسريان بل هنا كوردستان) وكلّ ذلك من أجل إشعال الفتنة الطائفية في البلد وكنت آنذاك سكرتير اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين، ودعوتُ الرفاق أو بالأحرى تمّت دعوتنا إلى اجتماعٍ للرفاق الموجودين في قامشلي وبالتشاور مع الرفاق القياديين خارج قامشلي من أجل إصدار بيانٍ باسم اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين لندين الفتنة الطائفية في المحافظة بين المكوّنات الموجودة من عربٍ وأكرادٍ وسريان وكلدو آشور، وتمّ بالفعل إصدار بيانٍ بعنوان: “لا للفتنة الطائفية” وحمّلنا المسؤولية للمحافظ الذي أمر بإطلاق النار السيئ الصيت المدعو سليم كبول وللأجهزة الأمنية أيضاً، وتمّ إصدار البيان في يوم 16/3/2004م، وتمّ توزيعه بشكلٍ مكثّفٍ وبآلاف النسخ في مركز المدينة وفي الأحياء، وأثناء التوزيع جرى نقاشٌ حادٌّ حول البيان؛ فقد رفض الموالون البيان ووقفوا ضدّه، وقاموا بإيصال بعض النسخ إلى المراكز الأمنية، وفي حوالي الساعة الواحدة من يوم 16/3/2004م وقد كنتُ حينها عند رئيس البلدية وبالمصادفة دخل شخصٌ إليه، وبعد السلام، قال: جئتُ من المكانِ الفلاني؛ لنؤدّب الإكراد، وقال كلاماً بذيئاً، فقمتُ وقلتُ له: ألا تخجل من نفسكَ وأنت تتفوّه بهكذا كلامٍ.. يا سيد هذا عيبٌ، أنتَ تعرف حقّ المعرفة بأنّكَ لا تملك شجاعة الكردي، وعشرة من شباب الكرد يكفون لردّ أمثالك.. أنت َ شخصٌ جبان وتريد إشعال الفتنة بين المكوّنات، عندها تدخّل شخصٌ من أزلام النظام ضدّي وهو موظّف في البلدية، ولكنْ من خارج المحافظة وكنت حينئذٍ أوزّع البيانات.. وفي تمام الساعة الثانية والنصف إذا بعدّة عناصر من الأمن العسكريّ يطرقون باب منزلي بشدّةٍ، وعند فتح الباب أخذوني، وكنتُ بالبيجاما فقط، وكانوا مدجّجين بالسلاح، وساروا بي إلى القبو، وهناك رأيتُ شباباً وطلاباً تمّ اعتقالهم، وكانوا يُضربون بالعصي والكابلات، وسمعتُهم ينادون باسم فلاديمير حسين؛ فعرفتُ أنّ ابن عمّي أيضاً عندهم؛ لأنّه لا يوجد هكذا اسم في كلّ قامشلي سوى اسم ابن عمّي محمود حسين، وضربوني ضرباً مبرّحاً خلال 4-7 ساعات، وقيّدوا يديّ وعصبوا عينيّ وقالوا كلاماً بذيئاً عن أمّي بالاسم، ولكنّني تعلّمتُ في الحزب كيف يجب أنْ يكون الشيوعيّ أثناء الاعتقال أمام الزبانية وكيف يجب التّصرّف؛ فرددتُ على المحقّق: أنتَ كالحذاء في قدمي.. فقال لي: إنّ اليهود أفضل منكم أيّها الأكراد الخونة، فقلتُ: أنا حفيد صلاح الدين ويوسف العظمة وابن معركة بياندور.. أنت صهيونيٌّ وفاسدٌ وناهبٌ للبلد وأنا مهندسٌ يداي نظيفتان..

ومن الطبيعي بعد الجولة الأولى من الضرب أنْ لا أشعر بالألم في جسدي،  ثمّ وضعوني مع ثلاثة شبابٍ في مكانٍ لا يتّسع لشخصين، فقلتُ للشّابين: لا تخافا.. وكان أحدهما ابن مدرس الرياضيات عدنان رمو ووالدته مزكين مصطفى بنت الشيوعيّ القديم أبو زنار من خاناسري، وعندما تكلّمتُ مع الشباب أخذوني مرةً أخرى بهذه الحجّة (الكلام)، وأشبعوني ضرباً مرةً أخرى، وحاولوا إدخال العصيّ في مؤخّرتي، ولكنْ كنتُ بكامل وعيي ولم أفقده، وجاء إليّ أحد عناصر الأمن: أنتَ أنتَ تتصرّف وكأنّك زعيمٌ في البلدية يا ابن..، فقلتُ له: أنا زعيمٌ هنا وفي الشارع أيضاً، فقال: تعالوا وخذوا هذا الـ..، فضربوا رأسي بالحائط وضربوني في خاصرتي وتحديداً على كليتي، وحوالي الساعة الثالثة صباحاً أخذوني إلى التحقيق مرةً أخرى، وأطلعوني على أحد البيانات الصادرة عن الحزب الشيوعيّ الجبهويّ، وقال: هذا بيانٌ مرتّبٌ وليس مثل بيانكم تتهمون فيه الأمن، ثمّ قال: رئيس الفرع العميد خليل يريدك، فقلتُ: ليس لي عملٌ معه ولا أريد أنْ أقابله.. بإمكانكَ أنْ تأخذني، ولكنْ لا أريد مقابلته، ثمّ قدّم لي القهوة، فقلت له: لا أشرب قهوتكم، حينها قدّم لي سيجارةً، فقلتُ: لا أدخّن من سجائركم، فقال: سنوصلكَ إلى البيت بالسيارة..، فرفضتُ ذلك وقلتُ: سوف أنشر ما جرى معي في أقبيتكم للحزب (اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين) وبعد إطلاق سراحي كان ظهري ينزف دماً.

*مهندس وقيادي شيوعي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…