شهران يفصلان خطابي اوباما في كل من تركيا ومصر بعد تتويجه رئيسا للبلد الأعظم في العالم عن الحزب الديموقراطي محل الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش الذي استمر لدورتين متتالتين واذا ما نحينا جانبا المشاعر الانسانية المتعاطفة تجاه الرجل التي ظهرت من متابعي كلماته وتصريحاته المدروسة بدقة في كل من أنقرة والرياض والقاهرة وكانت على الأغلب أقرب الى العفوية المستندة الى تحبيذ لونه وأصوله الافريقية – المسلمة ومفاضلته على السلف على طريقة “ليس حبا بعلي ولكن كرها لمعاوية” مع اكتشاف نوع من المراجعة والتجديد اللفظي في تعابير خطابه السياسي الأقرب الى المجاملات والكلمة الحسنى فاننا سنتوصل لامحالة الى حقيقة أن الرئيس الجديد جيء به أصلا كحاجة ملحة من النخبة الأمريكية ومن البيض قبل السود وانتخب رئيسا لاصلاح ما يعتري مركز الرأسمالية العالمية من وهن اقتصادي في الأزمنة الحديثة وأزمات مجتمعية داخلية
لايوحي المضمون الجوهري لخطاباته وتصريحاته الأخيرة المعلنة بمافيها خطابه بجامعة القاهرة بأي تحول استراتيجي ملحوظ في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والعالم ومهما بلغت درجات تحديث النبرات الصوتية وسرد آيات وأمثلة قرآنية وتوراتية وانجيلية أو التكتيكات الوقتية والمقترحات بشأن قضايا ومشاكل معينة فانها تبقى أبدا ودائما ان رأت النور أو أخفقت في خدمة تحسين شروط تنفيذ الثوابت غير القابلة للتغيير بسهولة في بلد مؤسساتي في غاية التعقيد مثل الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في ظل التشابه الشديد في سياسة الحزبين وتشكيلتهما الطبقية وفلسفتهما الاقتصادية والاجتماعية.
ماقاله من حيث المضمون وليس الشكل في تركيا ومصر ترداد للخطاب الأمريكي التقليدي منذ ولاية بوش الأب تحديدا بخصوص النظام العالمي الجديد والديموقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة والأقليات الدينية والتنمية والأسواق الحرة والسلم الأهلي وسيادة القانون والشراكة الاقتصادية وتوازن المصالح والتعاون في مواجهة الارهاب والعنف ومعالجة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على أساس حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية وكان الرئيس بوش أول من طرحه في اجتماع الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة وقضيتي كوسوفا – البوسنة ودارفور حيث تحررت الأولى بالفزعة العسكرية والطائرات الحربية الأمريكية بعهد الادارة السابقة التي أثارت أمرالثانية أيضا في المحافل الدولية ليبلغ التضامن مع شعب دارفورالمنكوب أعلى درجاته وصولا الى قرار اعتقال دكتاتور السودان من جانب محكمة الجنايات الدولية والاشادة بالمساعدة الأمريكية لكل من أفغانستان والعراق باسقاط نظامي طالبان والبعث المستبدين وهي تمت بفضل الادارة السابقة أيضا وأيضا والمضي قدما كما سلفه في منع ايران من استحواذ الأسلحة النووية وعدم التسامح مع الارهاب اين ما كان ومواضيع أخرى عكست بثقلهاعلى المشهد السياسي بعد تحرير العراق من الدكتاتورية وتوسع الدور التركي وأحداث غزة ونهوض حركة النضال الكردي حيث تناولها الرئيس أوباما بشفافية كاملة في البرلمان التركي داعيا الى ضرورة الحل السلمي للقضية الكردية في تركيا وتحسين العلاقات التركية مع حكومة اقليم كردستان العراق ومسألة مجازر الأرمن والمصالحة التركية الأرمنية أما في الرياض والقاهرة فاتخذ خطابه نبرة الواعظ الروحاني باشاراته المتكررة الى الاسلام وعلاقاته بالغرب وأمريكا تحديدا وتجاوز بذلك موقعه كرئيس دولة علمانية عريقة بل قلد وظيفة الكرسي البابوي في الفاتيكان رغم كونه مسيحيا غير كاتوليكي عندما كان يحاضر في جامعة القاهرة عن تفاهم وحوار الأديان مشخصا أزمة الشرق الأوسط والصراع العربي الاسرائيلي وقضايا لبنان والعراق بصراع الأديان والطوائف والمذاهب قافزا من فوق حقائق تاريخية ثابتة حول المضمون السياسي والاجتماعي للأزمة العامة بما فيها مسألة الارهاب تدور حول القضية الفلسطينية كمسألة قومية ووطنية وديموقراطية لن تحل الا بانتزاع حق تقرير المصير والأمر ذاته ينطبق على لبنان في الصراع بين مشروعين سياسيين حول مستقبل النظام السياسي والعيش المشترك والديموقراطية التوافقية وكذلك في العراق من قضية الدستور في العراق الفدرالي الجديد ومستقبل العملية السياسية وحقوق وضمانات المكونات والقوميات مما حدا بأهم منظمة عالمية ذات المصداقية العالية وهي العفو الدولية – امنستي انترناسيونال – الى اعلان “أن أوباما فوت فرصة مهمة لانتقاد حالة الطوارىء المفروضة في مصر وانتهاك حقوق الانسان في الجزائر وسوريا ومصر ودول أخرى موضحة أن أوباما تحدث عن أهمية حرية الرأي لكنه لم ينتقد اعتقال منشقين وصحفيين وأصحاب مدونات في مصر والسعودية وسوريا وتونس ودول أخرى”.
رغم التفسير الاشكالي (المتناقض المتأرجح بين الرفض القاطع والمتفاعل) لبعض الأوساط القريبة من جماعات الاسلام السياسي وبعض المثقفين القومويين لخطاب الرئيس الأمريكي وايحاء معظمهم بخروجه على نهج الادارة السابقة وتقديم الاعتذار غير المباشروطلب الرحمة والغفران من المسلمين الا أن المشهد كان بعكس ذلك تماما فقد تمسك بثوابت بلده تجاه القضايا الرئيسية وسار على درب السلف بل عبر عن اعتزازه بما تحقق في أفغانستان والبوسنة والعراق متمسكا بالعلاقة الاسترتيجية مع اسرائيل مطالبا حماس بالكف عن نهجها الذي يعتبره الأمريكييون والغرب ارهابيا مؤكدا عدم التسامح مع الارهابيين أينما كانوا مصمما على الحيلولة دون امتلاك ايران للسلاح النووي مخاطبا قوى وأطراف الممانعة في المنطقة من دون أن يسميهم ومن عقر دار الاعتدال بأن الخيار الوحيد هو تبديل المسار وتغيير النهج والكف عن الأعمال الارهابية والاذعان للعملية الديموقراطية والشرعية والسلام والحوار ومن أجل ذلك ستثابر الادارة الأمريكية في تفعيل الخطوات والتواصل مع الجميع دون استثناء وكان قد صدر عن نفس تلك الأوساط التي أعمتها السياسات المعادية الشخصانية الانتقامية المسبقة للرئيس بوش وادارته مواقف ملتبسة منذ بداية عهده وتحديدا استهداف كبارمستشاريه الذين سموهم بالمحافظين الجدد باعتبارهم مصدر تهديد لشعوب العالم واستقرارها حسب زعمهم ومن بينهم المسلمون في حين أن هؤلاء وحسب قراءة مشاريعهم المكتوبة وأطروحاتهم التحليلية لمستقبل منطقتنا والعالم كانوا أول من ربطوا حل الأزمة بضرور تحقيق اجراء التغيير الديموقراطي الجذري في بلدان الشرق الأوسط عبر الاطاحة بنظمها الدكتاتورية والمستبدة بما فيها الحكومات الموالية تاريخيا للغرب وأمريكا وكانوا في غاية الوضوح تجاه مختلف القضايا ومن دون مجاملات وخاصة حق الشعوب والأقوام والأقليات والمرأة وفي تشخيص الخطر الارهابي الداهم من جماعات الاسلام السياسي وسيسجل التاريخ أن أنشطتهم الفكرية ومبادراتهم الثقافية ودراساتهم المعمقة عبر مراكز البحث والاستطلاع والمؤسسات الرسمية الأمريكية هي التي مهدت وألهمت ادارة الرئيس بوش للمساهمة باسقاط أكثر الأنظمة جهلا وتخلفا وأعتاهم بطشا وارهابا مثل : طالبان وصدام حسين وميلوسيفيش ولولا العوائق الموضوعية في لجم خططها من جانب الأطراف المتضررة من المسار التغييري وما أكثرها لتحققت خطوات أخرى لمصلحة تحرر شعوب المنطقة وخلاصها من النظم الدكتاتورية والتيوقراطية ومن شرور الارهاب.