استعادة القرار السياسي الكردي السوري

حسن شندي
بعد سقوط الأسد المجرم، بات واضحاً، كما هو الحال دائماً، أن الأحزاب الكردية التقليدية منها والمستحدثة كأمر واقع مفروض بالقوة، فقدت مصداقيتها في تمثيل مصالح الكرد السوريين، ولم تستطع التلاحم مع الثورة والتضامن والعمل المشترك مع قواها، واتخاذ الموقف السليم في تبني شعارات وأهداف الثورة الوطنية، بل أنها بسبب مواقفها الموالية للنظام، أو المحايدة ألحقت الضرر بالكرد أولاً، وبالقضية السورية عموماً، نستطيع أن نؤكد بأن الإرادة الكردية السورية تم سلبها على مدى أربعين عاماً، فكانت التبعية دائما لقنديل بحكم دعم غير محدود من نظام الأسد لتنظيمات حزب العمال الكردستاني، وفي الوقت ذاته كان هنالك تبعية لأربيل والسليمانية في ظل الخلافات السياسية بين الأحزاب الكردستانية. فكانت ساحتنا الكردية في سوريا صراعاً بين أحزاب كردية سورية مسلوبة الإرادة، مرجعيتها الاستخباراتية الدائمة هو نظام الأسد، وبالأخص للمجرم علي مملوك. ومن تابع الانتفاضة الكردية عام ٢٠٠٤ ضد الأسد وأحداثها بدقة والتقارير المسربة من قبل منشقين عن الأمن السوري، سيجد أنه لم يكن أبداً للأكراد السوريين يوماً إرادة سياسية حقيقية، بل محاولات نضالية ، وكل من حاول استعادة هذا القرار، وحارب نظام الأسد كان يصطدم بأحزاب تابعة للأحزاب الكردية التركية، أو العراقية ومصيره الحتمي هو الاغتيال، يمكنني أن أذكّر السوريين بالعديد من القيادات الكردية التي استشهدت على طريق استعادة القرار الكردي السوري الوطني والخلاص من هيمنة أحزاب الاستقطاب الكردي، حيث أكد الجميع أن قضيتنا وطنية، وعلينا أن نوجه بندقيتنا لإسقاط الأسد، وأن تركيا دولة جارة. أستطيع أن أقول أن أشهر الشهداء في أهم مراحل التغيير كان الشهيد القيادي الكردي الذي طالب بإخراج حزب العمال الكردستاني من سوريا “حميد زيباري” في عفرين عام ١٩٩١، ومطالبته بمحاربة الأسد بدلاً من محاربة تركيا، وأيضاً “كمال شاهين” الذي انشق عن حزب العمال الكردستاني ليوجه بندقيته نحو دمشق، وتم اغتياله عام ٢٠٠٤ في السليمانية، وأيضاً “مشعل تمو” الذي أعلنها صراحةً أننا أكراد سوريون، ويجب إسقاط الأسد، وحل القضية الكردية في دمشق، ولا علاقة لنا بتركيا، وتم اغتياله في القامشلي عام ٢٠١١.
إننا اليوم نعاني من هيمنة هذه الأحزاب صراحة، والتي واضح أنها تجمعت في قسد ومسد، حيث أن مايتم الحديث عنه من اتفاق كردي_ كردي،… ما هو الا  استمرار لوصاية الأحزاب الكردستانية و فرض أمر واقع للشمال السوري، لكن لأول مرة بدون راعيهم الأساسي المجرم بشار الأسد،  وهذه الأحزاب صراحة لايهمها كم تابوتاً يُرفع، وكم طفلاً يُقتل، وكم كردياً يتم تشريده، ولم يعد يهمها عفرين وغرب الفرات، وباقي الكرد السوريين في أرجاء سوريا. فهم بالنهاية يبازرون على حساب قضيتنا ومظلوميتنا الحقة، لذلك لاحظنا في الفترة الأخيرة أنهم يدفعون الشعب السوري نحن رفع أسهم العنصرية وزيادة العزلة في شرق الفرات ، وخلق الانقسامات بين المكونات، وتفخيخ المدن، وتكثيف الاغتيال على الهوية، ودعم الأقليات الأخرى لخلق حروب عبثية، وبالنهاية الخاسر الأكبر هم أبناء شعبنا الكردي الذي لاحول ولاقوة له، لاصوت له. فكم من أصوات فقدناها. مازال الكرد السوريون لا يعرفون مصيرهم. فهو اليوم أسير بندقية قسد، وتصريح من البارزاني أو الطالباني، ولا يستطيع توجيه بوصلته الحقيقية، بل أن أغلبهم، اليوم، يبحث عن قوات الأمن العام ليستنجد بها علّه ينهي مأساته ومشاكله التي اوقعته بها هذه الأحزاب، وفي هذا السياق أؤكد أنه لو أرسلنا لجنة محايدة إلى المناطق الكردية اليوم في كل أرجاء سوريا، عفرين أو ديريك أو عين العرب، وغيرها من مناطق سورية ذات التواجد الكردي، لسوف نلاحظ أن الأغلبية لم يعد همها  الاول كردستان كبرى، ولا دولة كردية، ولا فدرالية، ولم تعد مقتنعة تماما بكل الشعارات الكاذبة التي أطلقتها الأحزاب الكردية منذ أكثر من أربعين عاماً في ظل انقطاع الماء والكهرباء والخدمات، وعبث المسلحين وسرقة الناس ، وفقدان أعز ماتملك من مال وبنين . بل هي في حالة تخبط حقيقي فكري رغم الدعم الكبير للاعلام الكردي .
 إن الشعب الكردي في سوريا يريد الخلاص والعيش بكرامة مع بقية السوريين من خلال استعادة قراره السياسي، والتعبير الحقيقي عن مطالبه عبر استفتاء شعبي، أو انتخابات حقيقية لينتخب قيادته المأمولة، فلم يعد هذا المكوّن مهتماً بالوصاية عليه من كرد الشمال أو الجنوب، ولم يعد يستطيع تقديم المزيد من الأضاحي و الدماء، ولا طاقة له في محارية المكونات السورية الأخرى لأجل شعارات زائفة، والدخول في حروب عبثية. فبعد سقوط الأسد سقط القناع، وبات واضحاً أن البوصلة تتجه نحو دولة العدالة والحرية دون تبعية لأطراف خارجية. فالحاضر والمستقبل بعد إسقاط الأسد لم يعد كالماضي، ولن تهتم الحكومة الجديدة بهكذا احزاب خرجت عن سياق التاريخ فهل تهتم باستعادة الكرد السوريين الوطنيين لقرارهم السياسي ، أيّاً كان شكل الحكومة القادمة فنحن اليوم على قناعة تامة انها ستراعي بشكل اساسي مظلومية المكون الكردي ومطالبهم في الحرية والكرامة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…