مغامرة تطرق أبواب المستقبل

زيور العمر

المغامرة ليست صفة سلبية بالمطلق , كما يوحي للبعض , و لا هي في الحالة السياسية الكردية في سوريا , على خلفية الأنحدار المريب في الواقع الكردي .

فهي قد تكون في مراحل معينة حاجة ملحة و ضرورة تاريخية تمليها ظروف إستثنائية .

إن الحاجة الى التغيير و التطلع الى المستقبل بأدوات سياسية أخرى , تستدعي الإقدام على مغامرة سياسية على الشكل التالي : طالما ان الأحزاب الكردية في سوريا , فشلت في مهمتها , و عجزت عن القيام بمسؤوليتها التاريخية , و هي قيادة الشعب الكردي في إتجاه تحقيق مطالبه , و تأمين حقوقه القومية الديمقراطية المشروعة في البلاد
فإن إعلان نخبة كردية سياسية شابة , جرئية و كفوءة , عن وفاة الحركة الكردية  الراهنة , المتمثلة في أحزابها السياسية , و إعلان القطيعة مع كل المساعي الداعية الى إصلاح الحركة الكردية من داخلها , أو مع الأصوات التي ترى في تقارب الأحزاب الكردية خروجا ً من النفق المظلم , من شأنه ان يعيد الثقة لأبناء شعبنا , و أن يفتح له أبواب الأمل نحو مستقبل , يحمل إشراقة الحرية و التحرر.
إن هكذا مغامرة , أضحت مسؤولية تاريخية , إنسانيا ً و أخلاقيا ً , باعتبارها تتعلق بمصير شعب , و قصية عادلة و مشروعة , كالقضية الكردية في سوريا , التي بقيت دون ما حل , جراء تعنت النظام الشمولي في دمشق , و ممارساته و سياساته العنصرية و الشوفينية  بحق الشعب الكردي من جهة , و عجز الأحزاب الكردية عن الإرتقاء بمسؤولياتها في التصدي لهذه السياسات من جهة أخرى .

فالإنشطارات التي طالت أول حزب قومي كردي في سوريا منذ عام 1957 , و التي إستمرت على إمتداد عقود مضت , جراء العقلية العشائرية , و النزعة الإنتهازية , و السلوك الأناني لدى قيادات الأحزاب الكردية , جعلت من كل مسعى لتوحيدها , ضربا ً من الخيال , و عملا ً عبثيا ً لا طائل منه , سوى مضيعة الوقت , و إلهاء الجمهور الكردي , بغية حرف أنظاره عن التناقض الأساسي الذي أثبتت الأيام عجز هذه الأحزاب عن مجابهته , و إعداد العدة له .

فكل التحالفات التي ظهرت في الساحة الكردية كان هدفها تجسيد حالة الإنقسام و التشرزم , بعكس إدعاءات أصحابها , لذلك فإن المساعي الجارية من هذه الأحزاب بهدف تحقيق تحالف , مجلس سياسي أو أي شكل أخر , هي بمثابة تكريس للنزعات الفئوية و الحزبوية التي تهيمن على سلوك و ممارسات قيادات الأحزاب الكردية , و ليس الهدف منها إمتلاك وسائل القوة و التمكين .


كما أن الدعوات المطالبة بإصلاح الحالة الداخلية في الأحزاب الكردية , و ترتيبها بالشكل الذي يتلائم مع متطلبات حل القضية الكردية في سوريا , و يؤدي إليه , إنما هي من قبيل حرمان الأجيال القادمة من شعبنا , من رؤية البديل الديمقراطي الحقيقي .

فالهياكل السياسية ( الأحزاب الكردية الراهنة ) المتآكلة لا يمكن إصلاحها , كما أن القيادات الفاسدة و المستسلمة و الفاقدة لإرادة إمتلاك القرار الحر و المستقل , لا يمكن أن تقود شعبنا الى مسيرة الحل , لأن ما يهمها ليس الحل و مصير الشعب و الأجيال القادمة , و إنما بقاءها و إستمرارها في قيادة هياكلها و دكاكينها السياسية , بل أن ديمومتها تستلزم بالضرورة , أن تكون أحزابها ضعيفة معزولة مغلوبة على أمرها.


فالنظام الشمولي في دمشق لم ينجح فقط في العزف على أوتار التناقضات الإقليمية , و الإستفادة منها لصالح إستمرار حكمه فحسب , و إنما إستطاع أيضا ً القضاء على كل أشكال الممارسة السياسية و المجتمعية , من خلال إختراق التنظيمات القوية و تفكيكها الى تنظيمات ضعيفة , و عملت من أجل إستمرار بقاء تلك التنظيمات الصفيرة الضعيفة .

كما أنه قام بكل ما يملك من إمكانات من أجل تفكيك النسيج الوطني السوري , و جعله منقسما ً , فعمل على بث التفرقة بين أبناء الشعب السوري , وضرب بعضها ببعض , حتى بات الكردي لا يثق بالعربي , و لا العلوي بالسني , و لا المسيحي بالمسلم .

لذا فإن أي محاولة في إتجاه تشكيل تنظيمات سياسية قوية , تمتلك القاعدة الشعبية , و تفهم ناصية السياسات السلطوية و آلاعيبها , ان تهدد النظام القائم , و في حالة الشعب الكردي تبدو هذه المهمة ملحة , أكثر من أي وقت مضى , لان مشروع الحل السياسي للقضية الكردية لا يمكن أن تكون نتاج أحزاب ضعيفة مخترقة مكشوفة تقودها قيادات جبانة , حتى لو تقاربت من بعضها , و شكلت أطر في هذا الشأن .


إن قوة سياسية تنظيمية جديدة , تقود مسيرة الشعب الكردي الى الحل , عليها كي تنجح , أن تحلل طبيعة النظام القائم و بنيته , و تعري مفاصله الأساسية , و تكشف  نقاط ضعفه و قوته .

كما أن عليها أن تعيد قراءة التجربة السياسية السابقة , و تضع يدها على مكامن الخلل, و تفضح جميع المؤامرات و الخيانات التي أرتكبت بحق شعبنا , و التي أضحت مع مرور الوقت نهجا ً سياسيا ً على مستوى الأحزاب , و ثقافة عمت على المجتمع الكردي .

لذا فإن مكافحة النهج التأمري, و تعطيل آليات تأثيره على شعبنا , و فضح أصحابه و رموزه و هياكله, من أولويات البديل الكردي المرتقب .

فلكي نجني محصولا ً جيدا ً لابد أولا ً من تنظيف الأرض و إقتلاع النباتات الضارة منها و تقليبها و تعريضها لأشعة الشمس, قبل أن نزرع فيها البذرة.

14/06/2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…