العرب والإسلام والنفط: ثلاثية الاستقطاب في النظام العالمي الجديد

خالد دقوري  
لطالما أردت الكتابة عن موضوع “العرب والإسلام والنفط”، نظرًا لعمق تأثيره على التحولات السياسية والاقتصادية العالمية. كان هذا الموضوع حاضرًا في النقاشات خلال الحرب الباردة، عندما انقسم العالم إلى نظام ثنائي القطب بين الرأسمالية والاشتراكية. لم يكن تفكك الاتحاد السوفييتي دون حرب مباشرة مجرد مفاجأة للعالم، بل مثّل أيضًا نقطة تحول في ديناميكيات النظام العالمي. 
الحرب الباردة وسقوط الاشتراكية 
خلال الحرب الباردة، فرض الصراع الأيديولوجي بين الرأسمالية والاشتراكية سيطرة كاملة على العالم، مما دفع الدين والقومية إلى الخلفية، حيث تراجعت هذه القوى تحت تأثير الهيمنة الاشتراكية التي ظهرت مع ثورة أكتوبر 1917. ومع ذلك، فإن انهيار الاشتراكية أعاد تفعيل هذه الديناميكيات، إذ برز الدين والقومية كأدوات جديدة للصراع، وشكّلا تحديًا للنظام الرأسمالي والمسيحي الغربي. 
كان تفكك الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا مثالًا حيًا على تصاعد التناقضات القومية بمجرد انحسار النظام الاشتراكي. وعلى الجانب الآخر، غيّرت المنظمات الإسلامية المتطرفة، التي كانت حليفة للولايات المتحدة أثناء الصراع السوفييتي، مواقفها وبدأت باستهداف المصالح الغربية، مما كشف عن تحول جذري في الأولويات. 
العرب والإسلام والنفط: ثلاثية القوة 
العرب، كقوة سكانية وثقافية، والإسلام، كعامل ديني موحِّد، والنفط، كأداة اقتصادية هائلة، شكلوا معًا ثلاثية متكاملة أثارت قلق العالم الغربي. فالدول العربية، التي تملك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وكونها دولًا مسلمة، أصبحت هدفًا للسياسات الغربية التي تخشى من أن يؤدي اتحادها إلى تهديد المصالح الغربية. 
جهود الوحدة العربية التي قادها زعماء (سقطوا في مستنقع الدكتاتوريات والفساد)  مثل صدام حسين ومعمر القذافي، إضافة إلى محاولات استخدام النفط كسلاح سياسي كما حدث في الحظر النفطي عام 1974، وضعت العالم أمام استقطاب جديد. كان النفط سلاحًا فعالًا، حيث تحول من مصدر للطاقة إلى وسيلة ضغط سياسي، أثارت توترات اقتصادية وسياسية بين الشرق والغرب. 
تصاعد الحركات الجهادية 
مع نهاية الحرب الباردة، تصاعدت الحركات الجهادية، مثل القاعدة وداعش، التي استغلت الدين لتبرير أفعالها وشنّت حروبًا ضد كل ما يتعارض مع فكرها. هذه التنظيمات، التي أصبحت تهديدًا عالميًا، أثبتت أن خطر الأيديولوجيا المتطرفة لا يقتصر على منطقة جغرافية واحدة. 
من الأمثلة الصارخة على ذلك تقسيم الدول العربية والإسلامية مثل العراق وليبيا وسوريا. هذا التقسيم لم يكن عشوائيًا، بل يهدف إلى تفكيك الثالوث: العرب، الإسلام، والنفط. الغرب يسعى إلى تحقيق ذلك، وربما يجد دعمًا غير مباشر من بعض الأطراف الإسلامية. 
لوحة عصرنا ومستقبل الصراعات 
الصورة الكبيرة التي يرسمها المشهد الحالي توضح أن الصراعات المستقبلية سترتكز على محاور الدين والقومية والنفط. القوى العظمى تتابع هذه اللوحة بتمعن، وهي ماضية في صياغة سياساتها بناءً على هذه المحاور. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…