سوريا لن تكون حُرَّة ومُستقرَّة بدون حقوق كوردها

خليل مصطفى
مطالب كورد سوريا (بعد سقوط نظام البعث) ليست بجديدة، بل هي قديمة. فالغالبية العظمى من أبناء شعوب الأُمُّة السُّورية (وتحديداً ذوي الذهنية الشوفينية / عرباً وآخرين أمثالهم): لم يقرؤوا التاريخ الحقيقي لشعوب الأُمَّة السورية وتحديداً المُتعلق بالشعب الكوردي.؟!
ولذا أُعرض للمعنيين (أعلاه) جزئيات من تاريخ سوريا (فترة الانتداب الفرنسي):
أوَّلاً / عملت فرنسا خلال الأعوام من 1920 إلى 1932 على توطيد نفوذها في المناطق الكوردية (باستثناء منطقة كورداغ). ففرنسا قامت بتقسيم سوريا إلى خمس دويلات (دمشق وحلب ودولة لبنان الكبرى /الموارنة ودولة جبل الدورز ودولة العلويين). وبالنسبة للكورد، ففي عام 1920تم اتفاق بين الطرفين (الفرنسي والكوردي) نص على: تعهد فرنسا مبدئياً بتحقيق نوع من الحكم الذاتي في المناطق الكوردية (بقيادة زعماء المللية) مقابل قيام العشائر الكوردية بطرد جندرمة المخافر التركية من المنطقة. فقدمت السلطات الفرنسية الأسلحة للعشائر الكوردية، التي تمكنت من تحقيق المطلب الفرنسي في مناطق الرقة دير الزور والبوكمال والميادين وتقدَّمُوا باتجاه ويران شهر. واستلموا السلطة لأكثر من عام في دير الزور.
ثانياً / وفي عام 1921 قامت فرنسا كجزء من سياسة فرق تسد، باستغلال التركيبة الاجتماعية بتنوعاتها السكانية الاثنية والدينية، من خلال العمل على تجنيد فرق خاصة من القوى المحلية من الدروز الشركس والعلويين والكورد تحت أمرة ضباط فرنسيين، أطلق عليها اسم قوات المشرق الخاصة. أما الكورد الذين كانوا يشكلون ثاني أكبر مجموعة قومية في سوريا (من حيث السكان)، فإن فرنسا لم تمنحهم الاستقلال الذاتي (الذي طبقته في المناطق الخمس)، ولم تلتفت إليهم رغم كونهم يشكلون أكثرية دينية وعرقية في مناطق سكناهم (أي أن فرنسا لم تحقق لهُم ما حققته لغيرهم (الدروز والعلويين)، ورغم تعاون العشائر الكوردية مع سلطة الانتداب الفرنسي ضد تركيا (في بداية قدومها إلى الجزيرة).؟! وبعد تحسن العلاقات بين تركيا وفرنسا (اتفاقية فرإنكلين – بويون في 20/11/1921)، سحبت السلطات الفرنسية الأسلحة التي قدمتها للعشائر الكوردية، وطلبت منهُم التوقف عن محاربة الأتراك.
ثالثاً / إن موقف سلطة الانتداب الفرنسي تجاه حقوق كورد سوريا كان مرتبط بعوامل متداخلة، في مقدمتها رغبة فرنسا بعدم إثارة حفيظة تركيا الكمالية (الرافضة لأي مستقبل سياسي للكورد، ليس في كوردستان سوريا فحسب، بل في بقية أجزاء كوردستان الأخرى). فأخذ الفرنسيون ينظرون إلى الكورد (في سوريا) على أنهم أقلية مفيدة لحفظ التوازن مع باقي الأقليات، كما لم تولي أي اهتمام لوضعهم السياسي والقومي، ولم تسمح لهم حتى بإدارة مناطقهم، أو حتى دراسة لغتهم القومية في مدارس مناطقهم. وعليه: فإن مواقف سلطة الانتداب الفرنسي تجاه كورد سوريا ولَّد النقمة ضد الفرنسيين، فسادت حالة من عدم الاستقرار في العلاقات (الكوردية – الفرنسية)، بل تحولت إلى مصادمات عسكرية في المناطق الكوردية (في الجزيرة وكورداغ)، لذلك تأخرت فرنسا في بسط سيطرتها على منطقة الجزيرة سيطرة كاملة حتى عام 1926، حيث كان نفوذ رؤساء العشائر الكوردية قوياً… فكان الهدف من نضال الكورد ضد الانتداب الفرنسي (من عام 1920 – 1926) هو طرد الفرنسيين، ولم يطالبوا بأي مطالب خاصة بهم (سياسية أو ثقافية أو إدارة ذاتية مستقلة) بسبب تخلف المجتمع الكوردي في كوردستان سوريا (سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً)، إلى جانب ضعف الشعور القومي لديهم.؟
رابعاً / في عام 1928 أوضحت سلطة الانتداب الفرنسي عن رغبتها واستعدادها لبدء إطلاق مرحلة من الديمقراطية في سوريا، وذلك عبر انتخاب جمعية تأسيسية تضم كافة ممثلي المجتمعات السورية، مهمتها إعداد دستور يتوافق مع رغبات وتطلعات السلطات الفرنسية. وبناء على الرغبة الفرنسية، فقد تم انعقاد مؤتمر الجمعية التأسيسية (بتاريخ 23/6/1928)، وقد حضره ممثلون عن كورد سوريا (مجموعة من الزعماء والمثقفين)، وحينها تقدموا بوثيقة عرضوها أمام أعضاء مؤتمر الجمعية التأسيسية السورية، تضمنت المطالب الآتية:
1 ــ توفير الوسائل الكفيلة للحفاظ على ثقافتهم القومية (كي يصبح كورد سوريا أعضاء نافعين في الدولة السورية).
2 ــ أن يتم استعمال اللغة الكوردية مع اللغات الرسمية الأخرى في المناطق الكوردية (تدريس اللغة الكوردية في مدارس المناطق الكوردية).
3 ــ استبدال الموظفين (غير الكورد) العاملين في المناطق الكوردية بموظفين كورد.
4 ــ تشكيل قوة عسكرية كوردية تكون تحت إدارة سلطة الانتداب الفرنسي لحماية الحدود.
5 ــ تقديم التسهيلات والدعم للمزارعين الكورد في الجزيرة، لاستثمار الأراضي الزراعية.
# تنويه / للعرب المُسلمين (سنة وشيعة) تلك جزئيات من تاريخ كورد سوريا، وعليها:
1 ــ أما آن لكُم لتتمعَّنوا بقول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم. الحجرات 13). والتقوى تعني: الابتعاد عما نهاكُم الله تعالى عن الكذب والبهتان والنفاق والظلم والاجحاف بحق الكورد.
2 ــ أما آن لكُم لتفهمُوا قول رسول الله محمد ﷺ: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). والإيمان يعني: قبولكُم بأن يكون للكورد مثل ما يكون لكُم (بالتساوي).
# أخيراً (من منطلق إسلامي) ثلاثة أسئلة للعرب المُسلمين (سنة وشيعة):
ــ هل تعتبرون كورد سوريا أخوة لكُم.؟
ــ هل ستلتزمون (بما أمر الله ورسوله ﷺ) برفع المظلومية عن كورد سوريا.؟
ــ ما ردَّكُم على مَنْ وصف كورد سوريا بـ الخنازير و رأس الأفعى.؟
الجمعة 10/1/2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم بعد كفاح طويل ومرير ومتشعب من الصراع خاضه السوريون، وإثر ما عرفت بالثورات “الربيع العربي” والتي لا تزال إرتداداتها مستمرة كما هي الزلازل الطبيعية؛ لاحقاً فقد تمت الإطاحة بنظام الحكم في سوريا ٠٠٠ وبما انه لا بد من ملئ الفراغ الذي خلفته الإطاحة العسكرية تلك وتداعياتها في عموم الساحات السورية والكردية خصوصاً؛ فقد بادر اصحاب الفكر الإستباقي…

درويش محما من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا…

أزاد خليل* في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت سوريا منعطفًا تاريخيًا بعد إسقاط نظام الأسد، إيذانًا ببدء مرحلة انتقالية تهدف إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة، بعيدًا عن عقود من الاستبداد والحرب. هذه المرحلة تشكل نقطة تحول نحو تحقيق تطلعات السوريين للحرية والكرامة، بعد أربعة عشر عامًا من النضال والتضحيات. الفرص والتحديات أمام سوريا الجديدة مع إسقاط النظام، باتت…

يبدو أن هناك مرضاً متجذراً في المنظمات الكردية في روج آفاي كردستان، يتمثل في التبعية لمحاور كردستانية وإبراز المصالح الفردية على حساب الروح الجماعية والمؤسساتية. وللأسف، أصبح العمل عكس الشعارات والمواثيق والبرامج التي تعلنها هذه المنظمات ظاهرة واضحة، وكان آخرها ما يُسمى بـ”جبهة كردستان سوريا”. لقد كانت مطالبنا في هذه المرحلة واضحة وصريحة: توحيد الخطاب السياسي الكردي، والاتفاق على حقوق…