البدائل المفروضة على السوريين …

فرحان كلش
عقد ونيف من السنوات العجاف عاشها السوريون، طُبقت عليهم رؤى بعثوية مزيجة بين القومية والطائفية والسطوة الأمنية والمزيد من الفساد والإفساد، وتكيف السوريون مع حالة الإدعاء التي تقمصها النظام السابق والمتمثلة باستكمال الربط والتقييد الداخلي بخط خارجي موازٍ متمثل بفكرة المقاومة، هذه الفكرة التي أرهقت المجتمع السوري اقتصادياً وأمنياً.
ولم تكن ثورة 2011 إلا رد فعل على جملة التهدمات الاقتصادية والمجتمعية، هذه الثورة التي خرج حاملها الاجتماعي من تحت عباءة النظام السابق، فمارس نموذجه في التسلط والفساد وغموض الرؤى المستقبلية بالنسبة لعموم الشعوب السورية.
والآن في أواخر 2024 سقط النظام تحت ثقل الصراع المستدام كل هذه السنوات، ولم يعد حلفاؤه يمتلكون قدرة مواصلة الدفاع عنه، فسقط في تجربة القتال الأخيرة، ففُتحت أبواب دمشق لحكام بموروث إسلاموي متشدد، فهل التجربة السياسية الحالية تمثل طموح السوريات والسوريين؟؟
وهل هذا البديل فعلاً مختلف عن النظام السابق؟
هكذا تم قلب صفحة ديكتاتور، لتظهر صفحة السلطة الدينية، وبذلك انقسم السوريون إلى تيارين رئيسيين:
تيار منسجم مع الذي حصل، لأن السلطة الجديدة تمثله معرفياً، هذا التيار ربما يشكل الأكثرية السنية، والذي طرح فعلياً منذ البداية شعارات في هذا المنحى، وممثلوه السياسيين في الهياكل المعارضة تبنت هذه الرؤية من خلال اعتبارها جبهة النصرة وحتى الدولة الإسلامية في العراق والشام جزءً من الثورة، على اعتبار انتصار حتى هذه القوى الراديكالية سيعتبر انجازاً لأهداف الثورة في النهاية.
أما التيار الآخر من الشعب السورية فلديه تخوفات حقيقية حول الذي حصل خلسة من الثورة التي يتخيلونها هم، وهذا التيار متمثل أساساً في ما تُسمى اصطلاحاً بالأقليات تمايزاً عن الأكثرية السنية، رغم أن جزء من هذه الأقليات كذلك هم سنة ولكن ربما برؤى مختلفة إلى الدين والشريعة.
هذا الكتل المجتمعية تتصارع الآن حول شكل الدولة القادمة وشكل النظام السياسي، ورغم أن اللوحة فيها من الوضوح ما يكفي لوضع تقييم موضوعي لما قد يحصل بالأخير، لكن وبسبب جملة تدخلات اقليمية ودولية من الأجدر أولاً تفكيك البنية الفكرية للقوى المستحكمة في إدارة البلد وتسليط جزء يسير من الانتباه إلى احتمالات مفاجأة قد تحصل هنا وهناك.
وبالعموم الصراع في سوريا لم يُحسم بعد، وربما الثورة المنشودة ستجد من يتبناها من جديد، ربما بأدوات مختلفة ولكن برؤى أوضح، وبذلك يمكن الاصرار على مقولة الثورة المستمرة طالما هذه المحطة لن ترضي طموح السوريين كلهم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
لزبير عبدالله
لزبير عبدالله
10 شهور

متى يفهم الناس ، بان الدين يجب ان لايخرج من أماكن العبادة .وعندما تخرج من الجامع او الكنيسة اولالش..انت مثل غيرك تخضع للأنظمة والقوانين الموضوعة خارج هذا الدين اوذاك…دستور مدني ليس لموسى وعيسى ومحمد اي اثر عليه…وغير ذالك ندور في نصف القطر لدائرة اقل مساحة…

اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…