إبراهيم اليوسف
عن جريدة المستقبل *
لقد استطاع الإعلام الكردي بفضل الثورة المعلوماتية وانتشار الصورة الإلكترونية, إيجاد مواطئ قدم لنفسه ضمن الخريطة الإعلامية الهائلة, لاسيما الإنترنيتية منها, تدفعه إلى ذلك حاجة كبرى, بل وعطش جمّ لإيصال صوت إنسانه إلى الآخر, بعد مرحلة معقدة كان مجبراً خلالها على التلقي فحسب, مقابل إعلام يكاد لا يخرج عن دائرة الهمس.
ولعلّ عوامل كثيرة جداً كانت وراء هذه الانطلاقة الإعلامية الكردية, يجيء في طليعتها استثنائية القضية التي ترتكز في مصداقيتها واحتلالها موقع الأولوية بين القضايا الأكثر أهمية وحساسية في العالم أجمع, وذلك على اعتبار أن الشعب الكردي ضحية معادلة نجمت عن علاقات بل صفقات ومصالح إقليمية وعالمية سهلة القراءة والتحليل لكل ذي بصيرة.
عن جريدة المستقبل *
لقد استطاع الإعلام الكردي بفضل الثورة المعلوماتية وانتشار الصورة الإلكترونية, إيجاد مواطئ قدم لنفسه ضمن الخريطة الإعلامية الهائلة, لاسيما الإنترنيتية منها, تدفعه إلى ذلك حاجة كبرى, بل وعطش جمّ لإيصال صوت إنسانه إلى الآخر, بعد مرحلة معقدة كان مجبراً خلالها على التلقي فحسب, مقابل إعلام يكاد لا يخرج عن دائرة الهمس.
ولعلّ عوامل كثيرة جداً كانت وراء هذه الانطلاقة الإعلامية الكردية, يجيء في طليعتها استثنائية القضية التي ترتكز في مصداقيتها واحتلالها موقع الأولوية بين القضايا الأكثر أهمية وحساسية في العالم أجمع, وذلك على اعتبار أن الشعب الكردي ضحية معادلة نجمت عن علاقات بل صفقات ومصالح إقليمية وعالمية سهلة القراءة والتحليل لكل ذي بصيرة.
وإذا كنت لا أسترسل هنا وراء سرد هاتيك العوامل, قاطبة, فإن ذلك يأتي نتيجة عدم حاجة هذه القضية إلى المزيد من التنظير، لا سيما وأنه في المقابل تعرت سائر مزاعم القوى التي كانت تطمس حقيقة هذه القضية وتنفي وجودها معولة بذلك على جدوى سياسات إلغاء الهوية الكردية على امتداد خريطتهم زمكانياً.
ولا يحسبن أحدُ أن علاقة الكرد بالإعلام هي ابنة السنوات القليلة الماضية فحسب, وإنما لها جذور موغلة في القدم يمكن تحديد نقطة بداية لها ــ نار نوروز ــ بيد أنه يمكن اعتبار زمن إصدار أولى صحيفة كردية ــ كردستان ــ على يدي مقداد بدرخان قبل أكثر من مئة عام، مولد أولى صحيفة رسمية للكرد, ولن أعرّج على الإصدارات الصحفية الهائلة التي توالت بعدها حتى الآن, فكانت الصحيفة بالنسبة للكردي البندقية الثانية, بل الأولى في أكثر الأحيان.
ومن هنا، فالكردي أمام أي خطأ أو مشكلة صغيرة كانت، أو كبيرة, ولاسيما عندما تنعدم أمامه الحلول، يتوعد كل من يلحق به الأذى: سأنشر كل ذلك في الجريدة…!
أجل, إن علاقة الكردي بصحيفته كانت أشبه بالعلاقة بأي سلاح ناجع يلجأ إليه في مواجهة ظالميه.
ومن هنا, فالإعلام الكردي لم يكن في يوم من الأيام ترفياً بل متفاعلاً مع هموم وأحلام الإنسان الكردي، وبدرجات متفاوتة, تبعاً للظروف المحيطة به.
إنه وعلى الرغم من أن هذا الإعلام ـ السلحفي ـ إن جاز التعبير، وذلك قياساً إلى فعّالية الإعلام الحالي, لعب دوراً مرموقاً في نشر الوعي القومي رغم انه كان يطبع ويوزع ـ يدوياً ـ وعلى نطاق محدود جداً يكاد لا يقرؤه إلا الكرد، وقلة من أصدقائهم, فيتصادى دويه ضمن هذا الفضاء, وهذا بحد ذاته ما كان يخلق هلعاً في نفوس أعدائهم أنى كانوا, فيتم ملاحقة جهات نشره وكتابه، بل وقرائه, فتنزل بهم ـ أجمعين ـ أقسى العقوبات إلى درجة تم فيها ذات مرة تعذيب أحد موزعي مجلة أدبية كردية، عبر المكبس الكهربائي فأصيب عموده الفقري بأذى بليغ, وهذا ليس إلا غيضاً من فيض…!
وإذا كان الإنترنيت يشكل الآن تحدياً كبيراً لهذه الصحف الكردية, بل لأقل المنشورات الكردية على نحو أدق, حيث حاول الكثير منها تبديل جلدها, بل وتسعى محاولة تطوير خطابها، ليغدو أكثر انسجاما مع روح العصر, إذ ترتب على المؤسسات التي تصدرها أن ترفع من سوية خطابها لتحافظ بذلك على ذلك الخيط الذي تربطه بقرائها, قواعد حزبية, بل ومؤسسات مقابلة منافسة في آن واحد, فانه ـ أي الانترنيت ـ ليشكل مأزقاً مضاعفاً لكل الرقابات أيضاً بمعنى أنه إذا كانت الرقابة تتوجس المحظورات عادة, فان المحظور الكردي لأشد هولاً لهذه الرقابات، وأكثر تحطيماً لأسوارها العتيدة, وأبلغ دكاً لحصونها وقلاعها العتيدة.
أجل إنه الانترنيت رجع صدى “الجان” الذي كان مدعاة لارتعاد الفرائص كما في الأسطورة المتحولة إلى واقع, ها هو يؤازر الكرد , يوصل رسالتهم إلى العالم برمته، يصفع وجوه أعدائهم بسوء صنيعهم, يواجه الأضاليل بكواكب الحقيقة, دونما مواربة, فتبدو الأضلولة عزلاء مرتعدة, قبيحة, قميئة, ليس لها ما يشفعها وينتشلها, لا سيما أن لاسطوة تحول دون مجاهرة الإنترنيت بهذه الرسالة, فهي لا تكترث بأية صوى أو أسوار أو جدران أو معابر أو حدود, فهي تصل إلى متلقيها دون أية أية تأشيرة.
وبدهي أن إعلام الزيف هو الآخر يحاول أن يشوش بكل ما أوتي من دهاء وبهلوانية ومكر وخديعة لينفث سمه الزعاف, يطلق أضاليله, عساها تعلق ـ وعلى الطريقة الغوبلزية ـ بذهن أحدهم, فيصدقها.
ومن هنا, فإن مهمة جديدة تبرز فجأة أمام المتلقي الكردي, تتعلق بضرورة تصديه لما هو مضلل, مؤسّس على فكرة تقويض كل ما يخدم هذه القضية الأسمى، مرتدية قناع الوطنية, متسلّلة عبر مشاعية حرية الرأي, باستعادة حصان طروادة كردياً، مؤدية بذلك دوراً في منتهى القذارة من خلال الاستعداء على الأقلام الكردية وبأقلام مدسوسة وبطرق مختلفة شتى.
وهنا تحضرني أسماء مستعارة ، باتت تستغل شساعة الفضاء الإلكتروني, تحاول بين الفينة و الفينة التشكيك بقامة كردية عالية, نضالياً أو فكرياً أو ثقافياً, مجافية الحقيقة, وهذا فعلاً ما ترومه عادة الأنظمة الشوفينية المعادية لكل ما هو ثوري كردي او تنويري عام.
وإذا كنت أرى انّ التقنع باسم مستعار حالة مفروضة احترازية، نتاج مرحلة قمعية اضطررنا جميعا إثرها لكتابة آرائنا وأفكارنا والإسهام بوساطته في حوارات عديدة تذود عن قناعتنا وتعزّز من رؤيتنا في مجمل القضايا على نحو إنساني لمقارعة (آلة القمع) التي كانت تجابهنا, إلا أن مسوّغات الكتابة نفسها لما تزل محافظة على ديدنها, وإن كانت تبدل ثيابها بين حين و آخر، كي تبدو بذلك مقبولة, إلا أن محاورة الآخر, الكردي ,متوارياً وراء اسم مستعار بغرض اكتساب “بعض الشجاعة” وبالأدوات نفسها التي يلجأ إليها لمواجهة الرقيب، و لا سيما أن هذا الند -الآخر- على اختلاف موقعه، ودرجة رؤاه, لا يستدعي ولا يسوغ التقنع أثناء محاورته على الطريقة السالفة التي ينعدم فيها التكافؤ, حيث طرفان متناقضان: مقموع و قامع!.
وان إدراك ان الحوار سيغتني مع هذا الآخر، الكردي، بأكثر حينما، يتم مثل هذا الحوار في غرفة مضيئة يقرأ كل منها ملامح الآخر.
نحو ميثاق إنترنيتي ـ كردي
ومن هنا، إزاء مواجهة استشراء الإساءة وبأسماء مستعارة، فإنني أرى ضرورة أن يكون هناك ـ ميثاق إنترنيتي ـ لدينا جميعاً, كقيمين على المواقع الإنترنيتية لقطع الطريق أمام أصحاب الضغائن, والأحقاد , لمجرّد أن هذا الآخر لا يفكر على غراره.
وهي بالتاكيد سوءة مكتسبة من عقلية رعوية بدائية, لا تنسجم مع المرحلة, لا سيما وأننا جميعاً وجدنا في الآونة الأخيرة من بات يتسلل إلى الفضاء الإنترنيتي بعقلية ثأرية، كيدية، سادية, لنكون بالتالي أمام قطاع طرق انترنيت, لا يتورعون عن تلويث كل ما لا يكون نسخة كربونية عن بنات أفكارهم, ناهيك عن بعض المغرضين والدخلاء ممن غرضهم الرئيس الإساءة إلى الرموز الكردية في سائر الميادين (طبعاً أشير مرة أخرى أنني أتحدث هنا عما يتعلق بشخصيات كردية وطنية، لا عما يكتب بأقلام مستعارة حول أنظمة ومؤسسات قمعية جائرة)، من خلال إثارة القلاقل والشنشنات المتهافته, وافتعال الأجواء العكرة التي لا يمكن لدسائسهم أن تعيش بعيداً عنها.
أجل ، إنه وإزاء مثل هذه الإشكالية المحرجة، تتضاعف مسؤولية القيم على الانترنيت، حيث عليه وبعيداً عن الوصائية أن يكون قارئاً نبيهاً لكل ما يرد إلى موقعه، من بريد يومي هائل, يجيد غربلته على أحسن ما يرام, عاملاً على محاولة قطع الطريق أمام كل قاطع طريق مسخر مدسوس, من شأنه أن يشرذم العاملين في حقل الإعلام الكردي لئلا يتمّ التركيز على القضية الرئيسة التي تشغلهم جميعاً.
وحين أقول مثل هذا الكلام, فأنا لست ضد نشر الآراء المتناقضة، ما دامت ضمن الإطار الوطني، ولكن بعد أن تشفع هذه الآراء بالأسماء الحقيقية لأصحابها، لا بل ولا مانع من أن تخفى هذه الأسماء من قبل هذا القيم على الموقع الانترنيتي على نحو مدروس، إن تطلب الأمر، لأن هذا من شأنه أن يمنع الوجه السلبي لفوضى النشر, ويجعل الكاتب مسؤولاً عن أية مادة موقعة باسمه, الأمر الذي سيعطي المصداقية لكتاباته, ولعل من المعروف أيضاً أن موادّ كثيرة موقعة بأسماء وهمية يتجرأ أصحابها على تجاوز كل حدود، لاسيما إزاء قضايا شخصية بيد أن هذه الكتابات تفتقد مصداقيتها لأنها تعتمد على جرأة اصطناعية، فلا تنال احترام المتلقي, بل تتسبب في التلويث البصري له, وتخلق هوة واضحة بين المرسل والمرسل إليه في هذا الحقل, في الوقت الذي نحن أحوج فيه إلى نص يخدم القضية الكردية.
ويبدو أنه في ظل هذا الواقع الضبابي يظهر ان بعضهم تتخلخل المقاييس النقدية لديه, ويلجأ إلى لغة “ضارية”، أجل ضارية، كيدية , مسعورة، مع ما لا يتفق مع منظومته الفكرية.
ففي عالم النقد تتشكل لديهم لغة لا تعرف إلا منحيين إثنين فقط: أولهما مدائحي, إطرائي مضلل; والثاني عدواني تكفيري! وعلى سبيل المثال يستوي في المنحى الثاني من يصحح لهذا “الناقد” فكرة خاطئة غير متبلورة لديه- وبكل رفق- مع أي سفاح أو مجرم أو ممزق لخريطة الكرد!
ان النقد الحقيقي هو ذلك النقد الذي يعيد للمعايير حرمتها وجدواها, ويسهم في تكوين حالة خلاقة تطور طريقة تفكيرنا, وتخلص خطابنا التنويري مما علق به، نتيجة سطوة بعض المؤثرات غير الصحية, وهّذا ما سيعزز خطابنا بأكثر, ويقطع الطريق أمام حالات إقصائه عن أدائه للوظائف المنوطة به, لاسيما ونحن نشهد الآن انعدام تلك الحدود التي كانت تعيق من قبل إيصال حتى أصداء مثل هذا الخطاب إلى الحيّز الكوني.
وهناك بدهية، يبدو أن بعضهم لا يكترث بها, وهي أن في عالم الإعلام الموضوعي أيضاً ثمة ثوابت تستدعي ألا يتم المساس بها, بل لا بد أن تكون نواة أي سياسة إعلامية, بيد أنه في المقابل ثمة متحولات ينبغي تأطيرها والتعامل معها ضمن فضائها الحقيقي دون أي تضخيم.
إذ كثيراً ما نجد الإعلام الاستهلاكي يعتمد على التهويل، لا سيما في خصوص قضايا صغيرة، معتمداً على تأثيرات البريق الذي يمكن أن تتركها الصورة الالكترونية في حواس المتلقي وتحديداً في حاسة واحدة هي: الرؤيا, وتضخيم الجانب الانفعالي في النفس، مقابل تجميد الجانب العقلي الأكثر أهمية, وهذا بالتأكيد لا يأتي اعتباطياً مجانياً, بل على حساب تلك الثوابت الأساسية, التي تتم التعمية عن رؤيتها, وهي قضية في منتهى الحساسية والخطورة، ينبغي الاهتمام بها، وإيلاؤها الاهتمام الكافي للمساواة بين أطراف معادلة دقيقة بهذا الخصوص , لاسيما وأن واقع القضية الكردية كحالة تكاد لاتشبه أي حالة أخرى موجودة، تفرض على كل من يعمل بإخلاص ضمن الحيز الإعلامي المكرس لتناولها, التعامل بمنتهى المسؤولية معها، لاسيما و نحن نرى أن الصراع الحالي في العالم- وبغض النظر عن الأسطون الاقتصادي فيه- هو إعلامي قبل كل شيء… وبنظرة دقيقة إلى كتاب – الحرب و الحرب المضاد ة– الحفاظ على الحياة في القرن المقبل –( الفن وهايدي توفلر– ت.
د صلاح عبد الله – الدار الجماهيرية للنشر – 1995 )– نجد أنه في أولى حرب آنذاك – حرب الخليج الثانية – استخدم فيها الإعلام على نحو غير مسبوق في تاريخ العالم، مثلما لم يستخدم التكنولوجيا فيه بهذه الطريقة لأول مرة, فإنه قد خاض هذه الحرب حوالي 200 – 300 ألف شخص ميدانياً.
إلا أن هذه الحرب اعتمدت على “ذيل” من رجال ونساء بقوا في الولايات المتحدة, وبعضهم عمل في بيته على حاسوب شخصي، هم العنصر الأكثر حسما في المعركة..
وبهذا فإن نصف مقومات الانتصار في أية معركة، إن لم أقل أكثر من ذلك,إنما يعود إلى دور الإعلام الذي ينبغي أن يكون بعيدا عن الاعتباطية!.
ولا يحسبن أحدُ أن علاقة الكرد بالإعلام هي ابنة السنوات القليلة الماضية فحسب, وإنما لها جذور موغلة في القدم يمكن تحديد نقطة بداية لها ــ نار نوروز ــ بيد أنه يمكن اعتبار زمن إصدار أولى صحيفة كردية ــ كردستان ــ على يدي مقداد بدرخان قبل أكثر من مئة عام، مولد أولى صحيفة رسمية للكرد, ولن أعرّج على الإصدارات الصحفية الهائلة التي توالت بعدها حتى الآن, فكانت الصحيفة بالنسبة للكردي البندقية الثانية, بل الأولى في أكثر الأحيان.
ومن هنا، فالكردي أمام أي خطأ أو مشكلة صغيرة كانت، أو كبيرة, ولاسيما عندما تنعدم أمامه الحلول، يتوعد كل من يلحق به الأذى: سأنشر كل ذلك في الجريدة…!
أجل, إن علاقة الكردي بصحيفته كانت أشبه بالعلاقة بأي سلاح ناجع يلجأ إليه في مواجهة ظالميه.
ومن هنا, فالإعلام الكردي لم يكن في يوم من الأيام ترفياً بل متفاعلاً مع هموم وأحلام الإنسان الكردي، وبدرجات متفاوتة, تبعاً للظروف المحيطة به.
إنه وعلى الرغم من أن هذا الإعلام ـ السلحفي ـ إن جاز التعبير، وذلك قياساً إلى فعّالية الإعلام الحالي, لعب دوراً مرموقاً في نشر الوعي القومي رغم انه كان يطبع ويوزع ـ يدوياً ـ وعلى نطاق محدود جداً يكاد لا يقرؤه إلا الكرد، وقلة من أصدقائهم, فيتصادى دويه ضمن هذا الفضاء, وهذا بحد ذاته ما كان يخلق هلعاً في نفوس أعدائهم أنى كانوا, فيتم ملاحقة جهات نشره وكتابه، بل وقرائه, فتنزل بهم ـ أجمعين ـ أقسى العقوبات إلى درجة تم فيها ذات مرة تعذيب أحد موزعي مجلة أدبية كردية، عبر المكبس الكهربائي فأصيب عموده الفقري بأذى بليغ, وهذا ليس إلا غيضاً من فيض…!
وإذا كان الإنترنيت يشكل الآن تحدياً كبيراً لهذه الصحف الكردية, بل لأقل المنشورات الكردية على نحو أدق, حيث حاول الكثير منها تبديل جلدها, بل وتسعى محاولة تطوير خطابها، ليغدو أكثر انسجاما مع روح العصر, إذ ترتب على المؤسسات التي تصدرها أن ترفع من سوية خطابها لتحافظ بذلك على ذلك الخيط الذي تربطه بقرائها, قواعد حزبية, بل ومؤسسات مقابلة منافسة في آن واحد, فانه ـ أي الانترنيت ـ ليشكل مأزقاً مضاعفاً لكل الرقابات أيضاً بمعنى أنه إذا كانت الرقابة تتوجس المحظورات عادة, فان المحظور الكردي لأشد هولاً لهذه الرقابات، وأكثر تحطيماً لأسوارها العتيدة, وأبلغ دكاً لحصونها وقلاعها العتيدة.
أجل إنه الانترنيت رجع صدى “الجان” الذي كان مدعاة لارتعاد الفرائص كما في الأسطورة المتحولة إلى واقع, ها هو يؤازر الكرد , يوصل رسالتهم إلى العالم برمته، يصفع وجوه أعدائهم بسوء صنيعهم, يواجه الأضاليل بكواكب الحقيقة, دونما مواربة, فتبدو الأضلولة عزلاء مرتعدة, قبيحة, قميئة, ليس لها ما يشفعها وينتشلها, لا سيما أن لاسطوة تحول دون مجاهرة الإنترنيت بهذه الرسالة, فهي لا تكترث بأية صوى أو أسوار أو جدران أو معابر أو حدود, فهي تصل إلى متلقيها دون أية أية تأشيرة.
وبدهي أن إعلام الزيف هو الآخر يحاول أن يشوش بكل ما أوتي من دهاء وبهلوانية ومكر وخديعة لينفث سمه الزعاف, يطلق أضاليله, عساها تعلق ـ وعلى الطريقة الغوبلزية ـ بذهن أحدهم, فيصدقها.
ومن هنا, فإن مهمة جديدة تبرز فجأة أمام المتلقي الكردي, تتعلق بضرورة تصديه لما هو مضلل, مؤسّس على فكرة تقويض كل ما يخدم هذه القضية الأسمى، مرتدية قناع الوطنية, متسلّلة عبر مشاعية حرية الرأي, باستعادة حصان طروادة كردياً، مؤدية بذلك دوراً في منتهى القذارة من خلال الاستعداء على الأقلام الكردية وبأقلام مدسوسة وبطرق مختلفة شتى.
وهنا تحضرني أسماء مستعارة ، باتت تستغل شساعة الفضاء الإلكتروني, تحاول بين الفينة و الفينة التشكيك بقامة كردية عالية, نضالياً أو فكرياً أو ثقافياً, مجافية الحقيقة, وهذا فعلاً ما ترومه عادة الأنظمة الشوفينية المعادية لكل ما هو ثوري كردي او تنويري عام.
وإذا كنت أرى انّ التقنع باسم مستعار حالة مفروضة احترازية، نتاج مرحلة قمعية اضطررنا جميعا إثرها لكتابة آرائنا وأفكارنا والإسهام بوساطته في حوارات عديدة تذود عن قناعتنا وتعزّز من رؤيتنا في مجمل القضايا على نحو إنساني لمقارعة (آلة القمع) التي كانت تجابهنا, إلا أن مسوّغات الكتابة نفسها لما تزل محافظة على ديدنها, وإن كانت تبدل ثيابها بين حين و آخر، كي تبدو بذلك مقبولة, إلا أن محاورة الآخر, الكردي ,متوارياً وراء اسم مستعار بغرض اكتساب “بعض الشجاعة” وبالأدوات نفسها التي يلجأ إليها لمواجهة الرقيب، و لا سيما أن هذا الند -الآخر- على اختلاف موقعه، ودرجة رؤاه, لا يستدعي ولا يسوغ التقنع أثناء محاورته على الطريقة السالفة التي ينعدم فيها التكافؤ, حيث طرفان متناقضان: مقموع و قامع!.
وان إدراك ان الحوار سيغتني مع هذا الآخر، الكردي، بأكثر حينما، يتم مثل هذا الحوار في غرفة مضيئة يقرأ كل منها ملامح الآخر.
نحو ميثاق إنترنيتي ـ كردي
ومن هنا، إزاء مواجهة استشراء الإساءة وبأسماء مستعارة، فإنني أرى ضرورة أن يكون هناك ـ ميثاق إنترنيتي ـ لدينا جميعاً, كقيمين على المواقع الإنترنيتية لقطع الطريق أمام أصحاب الضغائن, والأحقاد , لمجرّد أن هذا الآخر لا يفكر على غراره.
وهي بالتاكيد سوءة مكتسبة من عقلية رعوية بدائية, لا تنسجم مع المرحلة, لا سيما وأننا جميعاً وجدنا في الآونة الأخيرة من بات يتسلل إلى الفضاء الإنترنيتي بعقلية ثأرية، كيدية، سادية, لنكون بالتالي أمام قطاع طرق انترنيت, لا يتورعون عن تلويث كل ما لا يكون نسخة كربونية عن بنات أفكارهم, ناهيك عن بعض المغرضين والدخلاء ممن غرضهم الرئيس الإساءة إلى الرموز الكردية في سائر الميادين (طبعاً أشير مرة أخرى أنني أتحدث هنا عما يتعلق بشخصيات كردية وطنية، لا عما يكتب بأقلام مستعارة حول أنظمة ومؤسسات قمعية جائرة)، من خلال إثارة القلاقل والشنشنات المتهافته, وافتعال الأجواء العكرة التي لا يمكن لدسائسهم أن تعيش بعيداً عنها.
أجل ، إنه وإزاء مثل هذه الإشكالية المحرجة، تتضاعف مسؤولية القيم على الانترنيت، حيث عليه وبعيداً عن الوصائية أن يكون قارئاً نبيهاً لكل ما يرد إلى موقعه، من بريد يومي هائل, يجيد غربلته على أحسن ما يرام, عاملاً على محاولة قطع الطريق أمام كل قاطع طريق مسخر مدسوس, من شأنه أن يشرذم العاملين في حقل الإعلام الكردي لئلا يتمّ التركيز على القضية الرئيسة التي تشغلهم جميعاً.
وحين أقول مثل هذا الكلام, فأنا لست ضد نشر الآراء المتناقضة، ما دامت ضمن الإطار الوطني، ولكن بعد أن تشفع هذه الآراء بالأسماء الحقيقية لأصحابها، لا بل ولا مانع من أن تخفى هذه الأسماء من قبل هذا القيم على الموقع الانترنيتي على نحو مدروس، إن تطلب الأمر، لأن هذا من شأنه أن يمنع الوجه السلبي لفوضى النشر, ويجعل الكاتب مسؤولاً عن أية مادة موقعة باسمه, الأمر الذي سيعطي المصداقية لكتاباته, ولعل من المعروف أيضاً أن موادّ كثيرة موقعة بأسماء وهمية يتجرأ أصحابها على تجاوز كل حدود، لاسيما إزاء قضايا شخصية بيد أن هذه الكتابات تفتقد مصداقيتها لأنها تعتمد على جرأة اصطناعية، فلا تنال احترام المتلقي, بل تتسبب في التلويث البصري له, وتخلق هوة واضحة بين المرسل والمرسل إليه في هذا الحقل, في الوقت الذي نحن أحوج فيه إلى نص يخدم القضية الكردية.
ويبدو أنه في ظل هذا الواقع الضبابي يظهر ان بعضهم تتخلخل المقاييس النقدية لديه, ويلجأ إلى لغة “ضارية”، أجل ضارية، كيدية , مسعورة، مع ما لا يتفق مع منظومته الفكرية.
ففي عالم النقد تتشكل لديهم لغة لا تعرف إلا منحيين إثنين فقط: أولهما مدائحي, إطرائي مضلل; والثاني عدواني تكفيري! وعلى سبيل المثال يستوي في المنحى الثاني من يصحح لهذا “الناقد” فكرة خاطئة غير متبلورة لديه- وبكل رفق- مع أي سفاح أو مجرم أو ممزق لخريطة الكرد!
ان النقد الحقيقي هو ذلك النقد الذي يعيد للمعايير حرمتها وجدواها, ويسهم في تكوين حالة خلاقة تطور طريقة تفكيرنا, وتخلص خطابنا التنويري مما علق به، نتيجة سطوة بعض المؤثرات غير الصحية, وهّذا ما سيعزز خطابنا بأكثر, ويقطع الطريق أمام حالات إقصائه عن أدائه للوظائف المنوطة به, لاسيما ونحن نشهد الآن انعدام تلك الحدود التي كانت تعيق من قبل إيصال حتى أصداء مثل هذا الخطاب إلى الحيّز الكوني.
وهناك بدهية، يبدو أن بعضهم لا يكترث بها, وهي أن في عالم الإعلام الموضوعي أيضاً ثمة ثوابت تستدعي ألا يتم المساس بها, بل لا بد أن تكون نواة أي سياسة إعلامية, بيد أنه في المقابل ثمة متحولات ينبغي تأطيرها والتعامل معها ضمن فضائها الحقيقي دون أي تضخيم.
إذ كثيراً ما نجد الإعلام الاستهلاكي يعتمد على التهويل، لا سيما في خصوص قضايا صغيرة، معتمداً على تأثيرات البريق الذي يمكن أن تتركها الصورة الالكترونية في حواس المتلقي وتحديداً في حاسة واحدة هي: الرؤيا, وتضخيم الجانب الانفعالي في النفس، مقابل تجميد الجانب العقلي الأكثر أهمية, وهذا بالتأكيد لا يأتي اعتباطياً مجانياً, بل على حساب تلك الثوابت الأساسية, التي تتم التعمية عن رؤيتها, وهي قضية في منتهى الحساسية والخطورة، ينبغي الاهتمام بها، وإيلاؤها الاهتمام الكافي للمساواة بين أطراف معادلة دقيقة بهذا الخصوص , لاسيما وأن واقع القضية الكردية كحالة تكاد لاتشبه أي حالة أخرى موجودة، تفرض على كل من يعمل بإخلاص ضمن الحيز الإعلامي المكرس لتناولها, التعامل بمنتهى المسؤولية معها، لاسيما و نحن نرى أن الصراع الحالي في العالم- وبغض النظر عن الأسطون الاقتصادي فيه- هو إعلامي قبل كل شيء… وبنظرة دقيقة إلى كتاب – الحرب و الحرب المضاد ة– الحفاظ على الحياة في القرن المقبل –( الفن وهايدي توفلر– ت.
د صلاح عبد الله – الدار الجماهيرية للنشر – 1995 )– نجد أنه في أولى حرب آنذاك – حرب الخليج الثانية – استخدم فيها الإعلام على نحو غير مسبوق في تاريخ العالم، مثلما لم يستخدم التكنولوجيا فيه بهذه الطريقة لأول مرة, فإنه قد خاض هذه الحرب حوالي 200 – 300 ألف شخص ميدانياً.
إلا أن هذه الحرب اعتمدت على “ذيل” من رجال ونساء بقوا في الولايات المتحدة, وبعضهم عمل في بيته على حاسوب شخصي، هم العنصر الأكثر حسما في المعركة..
وبهذا فإن نصف مقومات الانتصار في أية معركة، إن لم أقل أكثر من ذلك,إنما يعود إلى دور الإعلام الذي ينبغي أن يكون بعيدا عن الاعتباطية!.
* جريدة سياسية غير دورية يصدرها تيار المستقبل الكردي العددان (19_20) أيار 2009