دموع الفرح وحّدت السوريين

فرمز حسين
 ليس سهلاً البقاء في القمة، مقولة سويدية و تعني أن الحفاظ على البقاء في القمة أصعب بكثير من الوصول اليها. هذا المثل ينطبق حرفياً على هيئة تحرير الشام و الفصائل الاسلامية المسلحة الأخرى التي دخلت دمشق منتصرة. الأسد سقط و زمرته بعد ثورة شعبية دامت أكثر من ثلاثة عشر عاماً شارك فيها الأغلبية الساحقة من السوريين مضحّين في دروب خلاصهم بالغالي و النفيس. لكن لكي نكون منصفين فلابد من الاعتراف بأن الهيئة و على رأسها  الشرع أو الجولاني سابقاً يستحقون الشكر و سوف يسجل التاريخ لهم  بأنهم كانوا أصحاب الضربة القاضية التي أسقطت نظام بشار الأسد و هزمت زبانيته بشكل مباشر و خلقوا فرصة عودة ملايين السوريين من الشتات إلى دريارهم التي شردوا منها عنوة ليعودون إليها اليوم سعداء و مفعمون بالأمل في خلق غد و عهد جديد.
 الآن هناك إرث ثقيل من هدم و تدمير للبنى التحتية و المجتمعية خلفه النظام البائد و كم هائل من التحديات الكبيرة التي على القيادة الجديدة و حكومة تصريف الأعمال التعامل معها تباعاً و قبل كل هذا و ذاك الادارة الجديدة في دمشق مُدِينة للحكومة التركية الدولة الجارة و الاقليمية القوية التي كانت خلف انتصارهم العسكري على الأسد و منظومته القمعية. تركيا تمتلك العديد من المزايا التي تؤهلها لارساء نفوذ طويل الأمد على الداخل السوري مقارنة مع الدور الايراني في عهد الرئيس المخلوع، فالاباضافة إلى أن لها أطول شريط حدودي مع سوريا هناك تناغم أيدولوجي بين المنتصرين من حكام دمشق الجدد و حزب العدالة و التنمية و تركيا لن تكتفي بالتخلص من تحمل  أعباء اللاجئين السوريين من خلال إعادتهم إلى مدنهم و قراهم السورية بل أنها لن ترضى بأقل من تجريد قوات قسد من أسلحتها الثقيلة و الخفيفة و بسط نفوذها على كامل التراب السوري ثمناً للمساعدة التي قدمتها للفصائل المسلحة و على رأسها هيئة تحرير الشام.
تركيا لها باع طويل في اجتياح المناطق الكردية و استباحة سماءها سواء على حدودها مع سورية أو مع العراق لكن ما يعيقها حتى الآن هو وجود قوات أمريكية متحالفة مع قوات سورية الديمقراطية لذلك سوف تستمر في تأجيج الصراع بالوكالة عن طريق دعم الفصائل المسلحة الموالية لها مما يشكل العقبة الأكبر أمام السوريين للعمل معاً من أجل تعافي بلدهم و هي بذلك أي تركيا تهدد السلم الأهلي الذي السوريين بمختلف مكوناتهم بأمس الحاجة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى.
السوريون يجمعهم الألم المشترك الذي عانوه على مدى خمسة عقود من حكم الأسد الأب و الإبن و بلا شك لولا التدخل الخارجي التركي كان من الممكن التوصل إلى توافق وطني سوري يحفظ حقوق كافة المكونات في دستور جديد على اختلاف اثنياتهم  و دياناتهم و طوائفهم في سورية موحدّة. لكن كل الدلائل تشير إلى أن تركيا  لن تدع السوريين و شأنهم و لن تكتفي بعلاقات حسن الجوار مدفوعة برُهاب مزمن تعانيه من وجود الكرد كقوى سياسية فاعلة على تخومها في سورية و على وجه الخصوص إذا كانت هذه القوى السياسية الكردية تمتلك السلاح.
القضية الكردية في تركيا أكبر بكثير من أن تنجح الدولة التركية بزعامة أردوغان من نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية هناك أكثر من خمسة و عشرون مليون  مواطن كردي يعيشون على أرضهم التاريخية في كردستان تركيا بالاضافة إلى ما لايقل عن خمسة ملايين يعيشون في الحواضر التركية، المسألة الكردية قضية شعب و أرض و على حكومة أردوغان الجلوس مع ممثلي الشعب الكردي هناك بدل سجنهم إذا كانت صادقة في سعيها لأن أن تكون دولة إسلام مسالم. ماتفعله تركيا و ادارة حزب العدالة و التنمية هو  استغلال نفوذها إلى أقصى حد ممكن للواقع المتأزم في سورية و ضرب مكوناتها ببعض و اشغال الرأي العام التركي بانتصارات خارج حدودها ظناً منها بأنها بذلك سوف تستطيع كتم أفواه شعب كامل من المطالبة بحقوقه المشروعة.
دموع الفرح بسقوط الدكتاتور وهروبه وحدّت السوريين جميعاً بمختلف فئاتهم و مكوناتهم و ذلك بعد تضحيات جسام قدمها الشعب و على كل معني بالشأن السوري أن يسعى كي تبقى كذلك.
فرمز حسين
ستوكهولم
2024-12-24

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…