إلى الفنان المبدع مكسيم خليل

خالد ابراهيم
 نقف لك احترامًا وتقديرًا على موقفك النبيل الذي يشبه وقفات الرجال الأحرار في زمن عزّت فيه الأصوات التي تجرؤ على قول الحق. كلماتك الدافئة تجاه الكورد ليست مجرد مجاملة، بل موقف يعيد بعض الأمل في أن هناك من يدرك الحقيقة ويرى الصورة كاملة بعيدًا عن التشويه والتزييف. لكن دعني أرد عليك وأخاطبك بلسان هذا الشعب الذي ذاق من المرارات ما لا يحتمله بشر. إن الكورد، يا صديقي، أبناء هذه الأرض التي طالما حافظوا عليها بدمائهم وعرقهم، دفعوا أثمانًا مضاعفة بسبب سياسات التهميش والتمييز وزرع الفتنة بين مكونات الوطن. نحن لسنا أقل سورية من أحد، وليس لنا وطن غير هذه الأرض التي نحمل ترابها في قلوبنا. القضية اليوم أن الكثيرين يتخذون “الكردي” تهمة جاهزة لمجرد أنه كردي، وكأن اسمه يختصر في كلمة “انفصال”، وكأننا خُلقنا ومعنا خطيئة لم نرتكبها. وهنا يتسابقون ليلفّقوا الاتهامات ويلووا الجمل، ويجعلوا من حزب العمال الكردستاني شماعة يُعلّقون عليها أحقادهم ومخاوفهم، مُختزلين شعبًا بأكمله في حزب أو جهة سياسية. فليغرب هذا الحزب عن سوريا، هذا الوطن الذي نحن، عربًا وكوردًا، أول المدافعين عنه. لا نريده بيننا، لأنه لم يقدّم لنا سوى مزيد من التعقيد والخذلان، وهو لا يُمثلنا نحن أبناء هذه الأرض. وأما أولئك الذين صمتوا خوفًا من سطوة الجولاني وأمثاله من المتطرفين الذين حوّلوا مناطق سورية إلى إمارات ظلامية، أو من أولئك الذين باعوا مواقفهم وتحوّلوا إلى مجرد متفرجين، فليعلموا أن الصمت اليوم خيانة. الصمت ليس حيادًا بل هو طعنة في خاصرة الوطن الذي يئن من الألم. ثم أين هم من الأتراك الذين يقتطعون جزءًا من الشمال السوري خطوة خطوة، قطعة قطعة، دون أن يتجرأ أحد على الكلام؟ الأتراك اليوم يفرضون واقعًا جديدًا على أرضنا، يقتلعون هويتها وجغرافيتها، ويستبدلونها بأسماء وخرائط تُفصّل على مقاس مشاريعهم. بينما الجميع صامت كأن الشمال السوري ليس جزءًا من هذا الوطن الذي نتباكى على وحدته. نحن، الكورد، يا صديقي، لسنا شعبًا يهرب من معركة الوطن إلى “جنة أوروبا” كما يظن البعض. نعم، قد تكون الحياة هناك أسهل، لكننا أبناء هذه الأرض، أرض الدماء والتضحيات، وسنعود إليها ولو مشينا على الجمر والدم. إذا كُتب علينا أن نبقى معارضين، سنبقى. وإذا كُتب علينا أن نمشي فوق دمائنا، سنفعل ونعود لنقف على ترابنا الذي لا يساويه تراب. هذا الغبن الذي نعيشه، هذا الإنكار لصوتنا وحقوقنا، هذا التجاهل لما يُرتكب بحقنا وبحق جميع السوريين، لن يجعلنا نركع. بل سيجعلنا أكثر صلابة في مواجهة مشاريع الاقتلاع والتقسيم التي تُفرض علينا بصمت العالم وتواطؤ البعض. أشكرك مرة أخرى لأنك رفعت صوتك حين اختار الآخرون الصمت، لكننا نريدك أن تكون صوتًا أعلى، وأن تذكّر الجميع أن الكورد جزء أصيل من سوريا، وأن قضيتنا ليست تهمة أو شماعة نُعلق عليها فشل سياسات الآخرين. إننا في هذه المعركة الوطنية الكبرى، نحتاج لكل حرٍّ مثلك، ليقف معنا في وجه الظلم والخذلان والاحتلال. دمت صوتًا للحق وصوتًا لوطن لا يفرّق بين أبنائه. كل الاحترام، ابنٌ من هذا الشعب الذي لا ينحني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حين هدأ لهيب حرب الخليج الثانية، وانسحبت القوات العراقية إلى مناطق الجنوب والوسط وكردستان ذات الحكم الذاتي الصوري، اندلعت شرارة الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت جنوب ووسط العراق وكردستان، وفي غضون أيام قليلة، نجحت سلطات النظام العراقي بقسوة بالغة في إخماد هذه الانتفاضة، حتى وصلت وحشيتها إلى دفن آلاف المتظاهرين من جميع الأعمار وهم أحياء في شقوق تحت الأرض،…

شكري بكر في مستهل تعليقي هذا أقول بأن القارئ والمتتبع للشأن السياسي الكوردي في سوريا يرى بأنه في غاية التعقيد ، لأن أفرادا وأحزابا يرفضون الأطر السياسية والأطر السياسية بدورها الأطر الموجودة ترفض تلك الأفراد والأحزاب . مع إحترامي للجميع فرادا كان أم أحزابا . فمع بدايات الثورة السورية كان المجلس الوطني الكوردي هو الإطار السياسي الشرعي في تمثيل…

منذ بداية الأزمة السورية، استهدفت الدولة التركية سورية والأراضي السورية بأنواع مختلفة من الاعتداءات، وارتكبت قوى الاحتلال مختلف الخروقات والانتهاكات لمجمل القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، اثناء الغزو والاعتداء للعديد من القرى والمدن في الشمال والشمال الشرقي من سورية، الذي تم على كل من: ريف حلب الشرقي والشيخ مقصود والاشرفية والشهباء ومنبج وكوباني ” عين العرب” والرقة وريفها والطبقة وريفها…

إبراهيم اليوسف منذ عقود، كان الكرد في” روج آفا”، كما في سائر كردستان، على موعد مع معركة مستمرة ضد الأنظمة الاستبدادية التي تحاول سحق هويتهم وثقافتهم. كانت تلك المعركة في البداية محلية، لكنها سرعان ما تحولت إلى ساحة لصراع أوسع، حيث جرت محاولات لاستغلال الكرد وتحويلهم إلى أدوات في صراعات سياسية لا تتعلق بمصالحهم الحقيقية. مع ظهور حزب العمال الكردستاني”…