ديكتاتور صغير

د. ولات محمد
الديكتاتور شخص يستأثر بالسلطة ولا يسمح لأحد بالنيل من سلطته أو مشاركته فيها، ويدافع عن “ملكيته” لها بأدوات تتمثل بشكل أساسي في المال والسلاح والمنصب، ويواجه المختلفين معه بالإيذاء جسدياً ونفسياً عبر الاعتقال والضرب والتعذيب والقتل.
هناك ديكتاتور كبير والأمثلة عليه معروفة، ولكن هناك أيضاً ديكتاتور صغير..
الديكتاتور الصغير يحمل في رأسه نفس عقلية الدكتاتور الكبير ومنطقه وأسلوبه، ولكنه لا يمتلك نفس أدواته. الأداة الوحيدة التي يمتلها هي اللغة. لذلك يواجه المختلف معه بكلمة، بعبارة، عن طريق السخرية أو التشويه أو التضليل ضده بغية مصادرة رأيه ووجوده أو إخافته ودفعه إلى السكوت أو تعديل موقفه على أقل تقدير.
الديكتاتور الكبير صاحب سلطة فعلية، ويواجه المختلفين معه بأدوات مادية يمارس بها ضدهم العنف الجسدي.
الديكتاتور الصغير صاحب سلطة موهومة (موجودة في ذهنه فقط) ويواجه المختلفين معه بأدوات معنوية يمارس بها ضدهم العنف اللغوي.
كلاهما (الكبير والصغير) ديكتاتور لا يسمح بوجود المختلفين معه، ولكن كل واحد حسب الأدوات المتوفرة لديه.
إذا صار الصغير يوماً ما محل الكبير وامتلك نفس أدواته المادية فسوف يتخلى عن عنفه اللغوي (الناعم) في مواجهة مخالفيه ليمارس ضدهم نفس أفعال الكبير العنيفة جسدياً.
لا يتحول أحد من شخص ديمقراطي إلى دكتاتور كبير دفعة واحدة فور امتلاكه للسلطة، وإنما كل ديكتاتور كبير كان يوماً ما ديكتاتوراً صغيراً، وكان معارضاً للديكتاتور الكبير في زمنه، وكان يرفع شعارات الديمقراطية والحرية والكرامة وحقوق الإنسان، ليس لأن الصغير كان ديمقراطياً، بل لأنه كان دكتاتوراً صغيراً يطمع في الحصول على أدوات الكبير.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…