رمزية الوقع السوري في مهنة الدباغة

عزالدين ملا
لفت نظري في أحد مشاهد سلسلة مسلسل (وادي الذئاب)، حيث كان يتحدث مراد علمدار مع العم عمر حول وقوعه ضمن مستنقع الجريمة والمخدرات، في حوار يعكس الكثير من العمق الفلسفي والاجتماعي لمجتمعنا السوري، حيث يعبر عن واقع مرير في الحياة الإنسانية والمجتمعية لواقعنا السوري. حيث يقول مراد علمدار: أنا الآن أعيش ضمن أوسخ مكان في العالم، فيرد عليه العم عمر بعد اصطحابه إلى مكان دباغة الجلود.
هناك يقول لـ مراد علمدار بحقيقة مفادها أن هذا المكان ليس فقط مكانا ملوثا بالأوساخ والروائح الكريهة، بل هو أيضا رمز للعمل الجاد والجهد الذي يتطلبه الوصول إلى نتائج عظيمة. فالدباغة تمر بمراحل معقدة، تتضمن الكثير من التلوث، لكنها في النهاية تفضي إلى إنتاج الجلود الفاخرة التي يتم تصنيعها لتصبح موادا ذات جودة عالية تُصدر وتُباع إلى جميع أنحاء العالم.
إن هذا المشهد، وإن بدا بسيطاً في ظاهره، يعكس بوضوح استعارة رمزية لفهم أعمق للوضع السوري بشكل عام والوضع الكردي بشكل خاص في سياق الأزمة السورية.
 كما نعلم أنه في بداية عملية دباغة الجلود، يتم معالجة الجلود الخام الملوثة والكريهة الرائحة بمواد كيميائية وعملية ملوثة. هذه المرحلة قد تكون هي الأقرب إلى الحالة التي يمر بها الشعب السوري في السنوات الأخيرة، حيث تشهد البلاد دماراً شاملاً في البنية المجتمعية والتعليمية والأخلاقية، ونزاعات مسلحة، وصراعات سياسية، وفقدان للأمان. هذا الوضع الكارثي يشبه الأوساخ التي يتعامل معها العمال في المدابغ. يعبر مراد علمدار عن هذه الحالة بقوله: أعيش في أوسخ مكان في العالم، وهي صورة يمكن أن تمثل الوضع السوري الذي يعج بالفوضى والصراع.
   لكن مع مرور الوقت، وعلى الرغم من الظروف القاسية، يستمر الناس في العمل. في الوضع السوري، يعكس ذلك الصمود والتحدي الذي يظهره الشعب في مواجهة القهر والظلم. كما أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي يعاني منها المواطن السوري تضغط عليه في جميع الاتجاهات، مثل الضغط الذي تتعرض له الجلود في هذه المرحلة.
بعد مرحلة المعالجة بالمواد الكيميائية، تبدأ عملية دباغة الجلود في التحول إلى شيء أكثر قيمة. هذه المرحلة تمثل التحدي الذي يواجهه الشعب السوري. على الرغم من الظروف الصعبة، يتعين على الشعب السوري أن يستمر في العمل والنضال من أجل بناء مستقبل أفضل.
وكما يشير العم عمر في حديثه، إلى أن هؤلاء العمال والموظفين يعملون ليل نهار. وهذا يعكس روح العزيمة التي تحتاجها المجتمعات في الأوقات الصعبة. يلمح إلى أن العمل المستمر، حتى في أصعب الظروف، سيؤدي في النهاية إلى نتائج إيجابية.
إن الأوضاع السيئة التي يمر بها الشعب السوري قد تفضي في النهاية إلى تحولات إيجابية. بعد معاناته الطويلة، قد تأتي مرحلة الاستفاقة والنهضة، حين يراجع الشعب حساباته، ويعيد ترتيب أولوياته. في هذه اللحظة، يظهر الأمل، وتبدأ البلاد في التحرك نحو التغيير والتقدم. كما يوضح العم عمر لمراد علمدار في نهاية الحديث أن النتيجة النهائية تكون مشروعة وجميلة، مثل الجلود الفاخرة التي تُصنع من مواد قاسية.
هذه النقطة تتواكب مع ما يعيشه الشعب السوري حاليا. رغم كل ما حدث من دمار وخراب، هناك أمل دائم في النهوض. فقد عاش الشعب السوري تحت ظروف قاسية من قتل وتهجير وفقر، ولكن هذه الظروف لن تدوم إلى الأبد. مثلما تم تنقية الجلود في المدبغة، هناك أمل في أن يتم تنقية الأوضاع السورية في المستقبل، مما يؤدي إلى مرحلة من إعادة البناء والإعمار.
وفي هذا السياق، يعتبر الشعب الكوردي جزءاً لا يتجزأ من النسيج السوري، وقد عانى بشكل كبير في ظل الأحداث السياسية والاجتماعية التي عصفت بسوريا. وكثير من المناطق الكوردية كانت مسرحاً للمقايضات السياسية والمصالحية، حيث تم استهدافها بشكل مستمر من قبل أطراف النزاع. إلا أن ما يميز الشعب الكردي هو صموده وإصراره على البقاء، إذ يمكننا رؤية الصراع الكوردي ضمن هذا الإطار، حيث يعكس مقاومة الشعب الكوردي وإصراره على التعايش ضمن وطنه وحقه في تحديد مصيره.
مع أن الوضع السوري الحالي قد يبدو قاتماً في بعض الأحيان، إلا أن هناك إشارات نحو مرحلة جديدة من التحول.. وهذا قد يكون مشابها لمرحلة ما بعد الأزمة السورية، حيث إن الشعب السوري بكل مكوناته، بما في ذلك الكورد، سيتعين عليه أن يعيد بناء وطنه بعد التدمير الذي طال البنية الاجتماعية والاقتصادية.
وعليه يمكننا القول، ان الأزمة السورية ليست نهاية الطريق، بل قد تكون بداية لتغيير إيجابي بعد معاناة طويلة. الشروط القاسية التي يمر بها السوريون ستؤدي إلى إعادة بناء وطنهم بصورة أفضل مستقبلاً.
لذلك اعتقد، إن المشهد الذي جمع مراد علمدار بالعم عمر في وادي الذئاب قد يعكس بوضوح المراحل التي تمر بها الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في سوريا، ويمكننا أن نرى في هذه المقارنة استعارة للمراحل التي يمر بها الشعب السوري في محنته الحالية.
    في البداية، يعاني الناس من الظروف القاسية، ولكن مع مرور الوقت والعمل الجاد، يمكن أن تتحول هذه الأوضاع إلى فرص لبناء شيء أفضل وأكثر قيمة، من خلال معرفة ذاته ومجتمعه وكيفية التعامل معه. وكما تبرز أهمية الصمود والمثابرة في أوقات الشدة، حيث إن العمل المستمر في نشر التسامح وحب الآخرين والتعايش السلمي قد يفضي في النهاية إلى نتائج إيجابية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…