ما هو مطلوب من السوريين: الاستجابة لنداء الوئام وإعادة بناء سوريا المكونات كلها

إبراهيم اليوسف

 

منذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011، عاشت البلاد فترة عصيبة من الحروب والصراعات التي أثرت في الشعب السوري بكل مكوناته. هذه المرحلة الثقيلة يجب أن تكون دافعاً لكل السوريين، من مختلف طوائفهم وأديانهم، للكف عن الإقصاء والتفرقة، والتوجه نحو بناء سوريا جديدة تحتضن جميعهم وتضع مصلحة الوطن أولاً. لقد مرّت سوريا بالكثير من الأنظمة التي سعت لتثبيت ثقافة الاستبداد والتسلط، كل وفق استطاعتها، ولكن يجب اليوم تجاوز هذا الماضي المظلم من أجل تأسيس دولة لكل السوريين. التحديات التي واجهتها سوريا في العقود الماضية كانت سبباً في الكثير من الانقسامات، لكنها في الوقت ذاته تفتح أمامنا فرصة لإعادة البناء على أسس جديدة من العدالة والمساواة.

تاريخ سوريا والمساهمة الكردية

عندما نتحدث عن تاريخ سوريا، لا يمكننا إغفال دور الكرد في تأسيس هذا الوطن. إذ بدأ هذا الدور منذ فترة ما قبل الاستقلال، وصولاً إلى اليوم، حيث لعب الكرد دوراً محورياً في معركة “بياندور” ضد الاستعمار الفرنسي، التي قادها الأبطال الكرد في مناطقهم في سوريا. في هذه الفترة، كان نضال الكرد جزءاً لا يتجزأ من النضال ضد الاستعمار، وقدموا تضحيات كبرى في معركة الحرية. ومن بين القادة الكرد الذين لعبوا دوراً كبيراً في هذا السياق، نذكر إبراهيم هنانو، الذي قاد المقاومة ضد الفرنسيين. لكن الدور الكردي في نضال سوريا لا يقتصر على هذه الفترة فقط؛ فقد شهد التاريخ الكردي في سوريا محطات متنوعة، منذ انطلاق الثورة السورية الكبرى بقيادة الأعيان والمجاهدين، وصولاً إلى المعارك ضد الاحتلالات المختلفة.

إنه من المهم كذلك أن نذكر المحطات التي مر بها الكرد في تاريخ سوريا المعاصر، خاصة عندما نلقي الضوء على الشخصيات الكردية التي سعت لبناء وطن متنوع يتسع لجميع مكوناته. فقد ضمت سوريا العديد من الشخصيات الوطنية مثل محمد علي العابد (1895 – 1974)، أول رئيس للجمهورية السورية، الذي كان له دور بارز في تأسيس الدولة السورية الحديثة. كان العابد، الذي ينحدر من عائلة كردية، أول من تولى رئاسة سوريا بعد الاستقلال، وهو رمز للكرامة الوطنية، وساهم في تعزيز فكرة سوريا الموحدة بعد نيلها استقلالها من الاستعمار الفرنسي.

من الإقصاء إلى الاعتراف

للأسف، مرّ الكرد بتجارب مؤلمة من التهميش والإقصاء، إذ تعرضوا لمحاولات التهميش و التعريب والتذويب، ولم يُمنحوا حقوقهم الثقافية والسياسية. ومع ذلك، ظلوا جزءاً أساسياً من النسيج الوطني السوري، حيث قادوا المقاومة ضد مشاريع التقسيم في الأربعينات، رفضاً للمخططات التي كانت تهدف لتقسيم سوريا. وعلاوة على ذلك، عانى الكرد في سوريا من سياسة الاضطهاد والملاحقة التي كان يمارسها النظام الحاكم، والتي بلغت ذروتها في الفترة التي سبقت اندلاع الثورة السورية، عندما تم منع تدريس اللغة الكردية واعتقال العديد من الناشطين السياسيين الكرد. ومن بين الشخصيات الكردية التي بذلت جهداً كبيراً من أجل سوريا وحقوقها، كان يوسف العظمة (1905 – 1941)، الذي يعتبر رمزاً للمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي. فقد استشهد في معركة ميسلون، حيث وقف في وجه القوات الفرنسية، مضحياً بحياته دفاعاً عن استقلال سوريا. تذكر سوريا يوسف العظمة بوصفه أحد رموز الوحدة الوطنية السورية التي تجمع بين مختلف الطوائف والمكونات، بما في ذلك الكرد الذين شاركوا في مقاومة الاستعمار الفرنسي إلى جانب بقية السوريين.

مقاومة الكرد ضد الاستعمار والفتنة

لعب الكرد دوراً مهماً في التصدي للاستعمار الفرنسي، وكانت معركة “بياندور” خير مثال على شجاعة الكرد وتفانيهم في الدفاع عن وطنهم. كان الكرد في تلك المرحلة على الجبهة الأمامية للمقاومة ضد الاحتلال الفرنسي. لكن ما يُذكر أيضاً هو نفي المئات من الشخصيات الكردية البارزة إلى أماكن نائية، ويحضر في بالي بناء على سردية معروفة في الوسط الذي عشته فيه: الشيخ أحمد خزنوي وكان يرافقه صديقه الشيخ إبراهيم شيخ يوسف- انطلاقاً من موقف ديني- وقد التحق بهما لمؤازرتهما البطل: ملا حسين قرطميني، سيراً على قدميه من قرية معشوق إلى دير الزور، مغامراً بحياته، وهو والد الشاعر ملا محمود ملا حسين قرطميني. ومعذرة عن عدم ذكر أسماء كوكبة المنفيين بل من استشهدوا على أيدي فرنسا كما إعدام محمد آل عباس آغا، بتهمة ملفقة، أو من سجن وحوكم كما حالة حاجو آغا – ومن ثم أطلق سراحه بعد تسوية أوضاعه- بسبب مواقف هؤلاء الرجالات: ثواراً ووجوهاً عشائرية أو دينية من الحكم الاستبدادي وسياسات الاحتلال. وإن كانت تركيا عبر قائمقام نصيبين إسماعيل قد شجعت هؤلاء وكال لهم الوعود، هذا النفي كان جزءاً من محاولات طمس الهوية الكردية، لكنها لم تزد الكرد إلا عزيمة وإصراراً على المضي في طريق الحرية.

إن سوريا لن تقوم على الإقصاء أو العنصرية. سوريا يجب أن تكون وطن الجميع السوريين، بمن فيهم: العرب والكرد والمسيحيون والعلويون والدروز وكل مكونات سوريا الأخرى. وإذا كانت سوريا في الماضي قد شهدت العديد من المحاولات لتهميش الكرد وفرض سياسات التفريق، فإنه حان الوقت اليوم لكي نؤكد على أن سوريا يجب أن تكون لجميع أبنائها، حيث يتعاون الجميع على بناء وطن مشترك تحت ظل العدالة والمساواة.

إيقاف أصوات الفتنة

اليوم، ونحن نقف على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخ سوريا، يجب أن نعمل معاً لإيقاف أصوات الفتنة التي تدمّر النسيج الاجتماعي السوري. إن هذه الأصوات النشاز التي تروج للانقسامات بين العرب والكرد، أو بين الطوائف الأخرى، يجب أن تتوقف، لأنها لا تفيد سوى أعداء الوطن. يمكن لهذه الأصوات أن تشوّه الحقائق وتضعف من فرص بناء دولة عادلة ومستقرة، ولهذا فإن العمل على تعزيز الوحدة والتفاهم بين جميع مكونات الشعب السوري هو من أولويات المرحلة المقبلة.

الدعوة للوئام

إن سوريا لن تقوم على الإقصاء أو العنصرية. سوريا يجب أن تكون وطن جميع السوريين، بمن فيهم من كرد وعرب ومسيحيين وعلويين ودروز وكرد إيزيديين وكل مكوناتها الأخرى. سوريا المستقبل هي سوريا لكل أبنائها، حيث يتعاون جميعهم على بناء وطن مشترك، تحت ظل العدالة والمساواة. يجب أن ننظر إلى التنوع الثقافي والعرقي في سوريا باعتباره مصدر قوة بدلاً من مصدر تفرقة، وأن نؤمن بأن بناء دولة حديثة عمادها: القانون. لا يكون إلا من خلال الاحتكام إلى قيم الحرية والكرامة الإنسانية، بعيداً عن أي أشكال من التمييز أو التفوق على الآخر.

إن الكرد كانوا وما زالوا جزءاً أساسياً من تاريخ سوريا، وقد قدموا الكثير من أجل الحفاظ على وحدة الوطن في أصعب اللحظات. لذلك، يجب أن نعترف بدورهم البارز في بناء سوريا الحديثة، ونؤكد على ضرورة بناء سوريا لكل السوريين، بعيداً عن ثقافة الإقصاء والتهميش. علينا أن نعيش في وطن واحد معاً، بسلام ووئام، بعيداً عن الفتن التي تهدد وحدة الوطن. إن فرصة بناء سوريا جديدة، مزدهرة وعادلة، تتطلب منا جميعاً أن نتوحد في مواجهة التحديات، وأن نغلب مصلحة الوطن على كل ما عداها.

الفيدرالية خير إطار جامع للسوريين

إن الفيدرالية تُعتبر الحل الأنسب لسوريا المستقبل، إذ تضمن وحدة البلاد وتحمي تنوعها الثقافي والعرقي، مما يسمح لكافة مكوناتها بالعيش بكرامة ضمن إطار واحد. هذا النموذج يضمن الحقوق الذاتية لكل شعب ومجموعة داخل سوريا، ويمنحهم القدرة على إدارة شؤونهم المحلية دون المساس بالوحدة الوطنية. في ربيع 2011، قدمتُ أنا واتحاد التنسيقيات الشباب الكرد مشروع الفيدرالية كحل سياسي مستدام لسوريا، وأوضحنا أن هذه الصيغة لا تعني تقسيم سوريا، بل على العكس، تعزز وحدة البلاد وتدعم التنوع الداخلي. تم تقديم نسخ من هذا المشروع لأعضاء ثاني اجتماع عام للمجلس الوطني السوري في إسطنبول، حيث كانت الفكرة واضحة: الفيدرالية ليست سوى ضمان لمستقبل سوريا، الذي يتطلب توازنًا بين حقوق الجميع ضمن دولة موحدة، تفتح أمام الشعب السوري آفاق الحرية والعدالة.

أجل، إن الفيدرالية هي النظام الذي يضمن حرية الشعوب وتوازن السلطة في سوريا المستقبل. فهي تمنع القمع وتوقف الظلم الذي طال العديد من المكونات، لاسيما الكرد الذين ذاقوا مرارة أكثر من اضطهاد، عبر التاريخ. بفضل هذا النظام، يُمنح كل مكون حقوقه السياسية والثقافية والاجتماعية ضمن إطار الوحدة الوطنية. الفيدرالية لا تعني التقسيم، بل هي ضمانة لاستقرار الدولة وسلامتها، حيث يظل الجميع ملتزمًا بوحدة البلاد في حين يحظى كل شعب بإدارة شؤونه الخاصة. هذه الصيغة تحقق العدالة، تحمي حقوق الأقليات، وتمنع أي محاولة للهيمنة أو الاستبداد، ما يجعلها الخيار الأنسب لسوريا التي تحتضن كافة مكوناتها.

المراجع والمصادر:

طالب  حاجو آغا  ووجوه عشائرية وثقافية وسياسية في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي بالحكم الذاتي للكرد في سوريا – في منطقة الجزيرة- وذلك عبر عريضة مدونة باللغة الكردية إلا أن المفوض السامي الفرنسي لم يوافق- من وثائق بحوزة أ. سيامند حاجو أتيح لي وللشهيد مشعل التمو الإطلاع عليها في صيف 2004 في منزله البرليني حين حللنا ضيفين عليه في إطار إقامة سلسلة ندوات في أوربا.

هناك وجوه عشائر كردية كان لها رأي مختلف  مضاد

*خلاصات ونتاج صورة انطباعية و مصادر  ومراجع أنترنيتية متعددة!

شارك المقال :

One Response

  1. لقد كتبت وتعليقا على مقال للك امس ،ان نواف الحسن (العرب كانوا يسمونه ابو بشيت) رئيس عشيرة الملية،عرض على على حاجو اغا قيام دولة كوردية،وانه تلقى وعدا بذالك من الفرنسيين،ولكن حاجولم يوافق ،كون شخصين غير كاف لقيام دولة،ومدح حاجو نواف بانه شاب جيد،…هذا أوثق من وثيقة سيامند ،كونها لرجل عاصر حاجو ونواف وكان حاضرا…وقتل نواف في قريته تل باتي،وربط خلف سيارة الدرك ،بعد ماسموه الحكم الوطني…يمكنك أن ترجع إلى أحفاد سليمان نواف واعتقد له اولاد احياء، الذي كان والدك ملا عنده ،فلهم قرابة..
    نحن لسنا بحاجة الى تبريرات اكي نعيش مثل الآخرين، سوريا أرضنا ولنا الحق العيش فيه بالشكل الذي نريده ،حق الشعوب بتقرير مصيرها….ان المشكلة في الطورانية التركية،التي لم تأتي إلى ذكرها…لان محولات تركيا طمس الهوية الكوردية القصد منه طمس هوية شمال كوردستان…
    لقد سجن والدي في سجن الفرنسيين ،بالحسكة لمدة ثلاثة أشهر واطلق سراحه لعدم اكتفاء الادلة،،مكان التجنيد القديم ووقتها كان السجن ملحقا بالبناء ولم يكن في الحسكة اي من ساكنيه عربا او مسيحيين…وحتى كورد..
    نواف الحسن كان يمنع دخول العرب الى ما فوق صفية،…وهنا حقائق مثيرة ،ربما صفحة weltememe الغراء لايسمح بذالك…من باب اللياقة…
    وإليك حادثة اخرى قال والدي بان سعيد محمد اغا الدقوري،ياخذني معه لعدم ثقتنا بالاخرين،ويقول محمد تعال مع خالك فأنا لااثق باحد.و مرة كان يرافقه وباتو عند حاجو اغا ،هنا قصة اخرى…سارة ياقو بنت عم سعيد اغا جدة والدي..ولها واخوها شرو وأخ اخر لهم قصة تراجيدية..مع عمهم محمد اغا والد سعيد،وهادي محمداغا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…