د. ولات محمد
على الرغم من كل ما تمر به المنطقة من تغيرات وتبدلات ومشاريع، فإن العلاقة بين أطراف الحركة السياسية الكوردية في سوريا لم تشهد تغيراً يتناسب مع التحولات الجارية في المشهدين المحلي والإقليمي، بل ظلت تلك الأطراف ثابتة على مواقفها البينية التقليدية التي كانت عليها قبل الكارثة السورية التي أطلت برأسها قبل أربعة عشر عاماً. هذه المواقف “الثابتة” ـ التي قد تبدو مبدئية للوهلة الأولى ـ تعكس في الحقيقة واقعاً من الجمود لم يعد هناك ما يسوغه في ظل التحديات الحالية والفرصة التاريخية التي تلوح في الأفق.
إن انهيار النظام السوري قبل أيام بصورة مفاجئة ودراماتيكية يضع الكورد أمام تحديات جديدة، إذ باتوا مع قضيتهم أمام لحظة تاريخية ومصيرية حاسمة تتطلب من أطراف حركتهم السياسية التحلي بالكثير من البراغماتية والديناميكية في علاقاتها البينية للاتفاق على مشروع موحد إذا ما أرادت أن يكون لها حضور فاعل ومميز ومحترم على طاولة الحوار السورية القادمة، وأن تحقق شيئاً من طموحات شعبها الذي لا يعول على غيرها وينتظر منها الخطوة النوعية القادمة.
أهمية اللحظة الراهنة تكمن في كون سوريا والمنطقة عامة تمر بمرحلة مفصلية قد تعيد تشكيل الخريطة السياسية الإقليمية في السنوات القليلة القادمة، ما يفرض على القوى السياسية الكوردية (بكل ألوانها وتوجهاتها) التكاتف وتضافر الجهود والعمل ضمن رؤية موحدة تخدم مصالح شعبها وضمناً مصالحها أيضاً؛ فلعبة السياسة لا تعني التمسك بالمواقف ومحاولة إثبات صحتها بأي ثمن، بل فن إدارة الممكن والتفاوض لتحقيق الأهداف التي تخدم المصلحة العامة، حتى وإن كان ذلك على حساب بعض المصالح الذاتية الضيقة، لأن هذه الأخيرة تتحقق آلياً عندما تتحقق الأهداف العامة.
إن توحيد الصف الكوردي اليوم ليس مجرد خيار يمكن اللجوء إليه أو تركه جانباً، بل ضرورة ملحة تفرضها الظروف الراهنة، لأن القوى الدولية والإقليمية التي تتصارع على الأرض السورية والتي قد تدعو السوريين في وقت قريب إلى طاولة حوار (لإيجاد حل لمعضلتها) لن تلتفت لمطالب شعب تمثله أطراف متعددة ومتفرقة ومختلفة لكل منها رؤيته الخاصة ومشروعه المختلف عن الآخر، ولن تستمع لأي مكون مجتمعي لا يمتلك مشروعاً سياسياً موحداً وواضحاً، علماً بأن حالة التشتت الراهنة لا تضعف فقط المسعى الكوردي العام، بل تضعف أيضاً كل طرف سياسي كوردي بمفرده حتى على مستوى مطالبه الخاصة أو مشروعه الخاص به (*).
التغيير أو التحول الذي يدعو إليه هذا المقال (النداء) لا يعني التخلي عن القناعات أو المبادئ أو الأفكار الخاصة بكل طرف سياسي كوردي (لأنها تعبر عن حالة طبيعية)، بل إعادة النظر في طريقة التفكير وأسلوب العمل، بما يتوافق مع الظرف التاريخي الذي وجد السوريون عموماً والكورد خصوصاً أنفسهم أمامه وجهاً لوجه دون أن يكونوا مستعدين له بما يستحق من استعداد. ومثل هذا التغيير في الأساليب والأدوات والمواقف ليس أمراً طبيعياً فقط، بل مطلباً ملحاً وبصفة دائمة في أي عمل سياسي، لأن السياسة ترسمها المصالح المتغيرة، ما يقتضي تغيير الأدوات والأساليب والتحالفات أيضاً.
إن تاريخ العمل السياسي مليء بالشواهد التي تثبت أن مَن يستطع أن يتكيف مع المتغيرات دون أن يتشبث بمواقفه “الثابتة” هو الذي ينجح في تحقيق أهدافه. لذلك ـ مثلاً ـ قامت هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني بتعديل خطابها وأهدافها وتحالفاتها وحتى شكلها الخارجي بغية التكيف مع متطلبات المرحلة وتحقيق أهدافها التي ما كانت لتتحقق لو أنها ظلت متشبثة بخطابها المعهود وأساليبها التقليدية وخصوماتها السابقة المحلية منها والدولية.
روسيا وإيران تقدمان مثالاً آخر في هذا السياق؛ فقد دافعتا عن النظام السوري لعقود طويلة ودفعتا في سبيل حمايته أثماناً باهظة، ومع ذلك رأينا أنهما فجأة وفي لحظة فارقة (ومناسبة لهما) تخلتا عن ذلك الحليف الاستراتيجي (“الثابت” في برنامجيهما) عندما وجدتا أن ذلك يخدم شعبيهما وبلديهما أكثر من تشبثهما بمواقف كانت حتى وقت قريب تبدو ثابتة غير قابلة للتغيير. أضف إلى ذلك التحول الذي طرأ على موقف أمريكا والغرب من هيئة تحرير الشام وقائدها الجولاني الذي قد يتحول إلى تغيير جذري وتحويل إلى حد 180 درجة في المرحلة القادمة، نتيجة تغييره لخطابه وأساليبه وتكتيكاته وأدواته، وما عودته إلى اسمه المدني إلا واحدة من مفردات هذه المرونة وهذه البراغماتية أيضاً.
إن هذه الأمثلة التي تكشف التحولات التي طرأت على المواقف السياسية للاعبين الإقليميين والدوليين على حد سواء تعكس حقيقة أن السياسة ليست لعبة مواقف ثابتة، بل إدارة مصالح متغيرة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح: لماذا تبقى القوى الكوردية في سوريا استثناء من هذه القاعدة؟
مقتضيات الوحدة اليوم
الوحدة الكوردية المطلوبة اليوم ليست ترفاً سياسياً بل ضرورة وجودية، لأن التحديات التي يواجهها الكورد في سوريا لا يمكن التغلب عليها إلا بتوحيد الرؤى والمواقف والأهداف. الوحدة لا تعني بالضرورة تطابق وجهات النظر في كل القضايا، لكنها تتطلب الاتفاق على الخطوط العريضة للمشروع السياسي الكوردي. وإذا نظرنا قليلاً إلى الوراء سنجد أن إقليم كوردستان (الذي يشبه دولة اليوم) ما كان له أن يكون موجوداً الآن بهذه الصورة لولا توحيد قواه السياسية خطابهم ومشروعهم في لحظة تاريخية كهذه قبل عقود من الآن، تلك الاطراف التي عاد كل منها ـ بعد بناء الإقليم ـ إلى قناعاته الخاصة، بل هي اليوم في تنافس طبيعي محموم، على غرار كل القوى السياسية في أرجاء العالم.
الفرصة الآن مواتية أكثر من أي وقت لتحقيق (على الأقل) جزء مما يستحقه الكورد في سوريا، ولكن ذلك يقتضي توحيد الصف الكوردي، الموقف الكوردي، الخطاب الكوردي لتقديم مشروع موحد وواضح المعالم يعبر عن تطلعات شعب يعيش على أرضه التاريخية وله مطالب مشروعة في هذه الجغرافيا إلى جانب شركائه الآخرين. ولكن إن لم تُستغل هذه اللحظة، فقد يجد الكورد أنفسهم بعد سنوات يتساءلون بمرارة: لماذا لم نفعل ما كان يجب فعله في الوقت المناسب؟
إن اللحظة التاريخية التي يمر بها الكورد في سوريا تتطلب قدراً كبيراً من الحكمة والواقعية السياسية وتحمّل المسؤولية واتخاذ القرارات الشجاعة؛ فالتاريخ لن يرحم من يُفرّط بالفرص الذهبية التي تتاح لشعبه. وإذا أرادت القوى الكوردية أن يكون لها دور فاعل في رسم مستقبل سوريا، وأن تحقق شيئاً من أحلام شعبها وجزءاً من طموحاته فإن عليها التخلي عن جمود المواقف، والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق تطلعات الكورد في السلام والعدالة والكرامة.
إن ما جاء هنا ليس رأياً في مقال قد يتفق معه فريق ويختلف آخر، بل نداء يمثل أصوات الملايين من الكورد في كل أنحاء العالم، لا السوريين منهم فقط. ومَن أراد أن يختبر هذا الادعاء فليعلنْ غداً “أن الكرد في سوريا اتفقوا على إطلاق حوار شامل وجاد لإعداد مشروع سياسي كوردي موحد” ليرى كيف سيبتهج الملايين منهم بهذا الإعلان أكثر من ابتهاجهم بسقوط النظام نفسه، وأكثر من فرحهم بتأسيس الهيئة الكردية العليا قبل اثني عشر عاماً؛ فالحدث اليوم أكبر والهدف أعظم والمسافة إليه أقرب بكثير، وإلا فسوف يعود أولئك الساسة أنفسهم بعد خمسة أعوام ليقولوا آسفين: لَو أننا فعلنا آنذاك كذا لكنا الآن كذا. لكن في مثل هذه الحالات “لَو” هي فقط أداة النادمين والمتحسرين على أمسهم لأنهم لم ينظروا إلى غدهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) وهنا يجب أن أذكّر (وأحذر) بأن كل مجموعة من القوى السورية الفاعلة الأخرى قد تستغل حالة الانقسام وتحاول أن تجذب إلى صفها طرفاً كوردياً تقوي به نفسها وتضعف ـ في الوقت ذاته ـ الكتلة الكوردية، فتشتت بذلك مطالبها المفترضة والمشروعة حتى تقضي عليها أو تفرغها من محتواها وجوهرها تماماً.
3 Responses
الوحدة الكوردية مستحيلة،لكن الحل يكمن في:على الاحزاب الاكثر وطنية تأييد مظلوم عبدي ،ودفعه قدر الامكان الابتعاد عن الب.ك.ك،او على الاقل اصدار بيان يتنصل فيه من مجموعات حزبالعمال الكوردستاني المسلحة،.
تركيا تحاول بشتى الوسائل البقاء على الب.ك.ك،وتزويدها بكل يلزم للبقاء طبعا الى جانبها ايران،لأنها مشروعهم الشوفيني للقضاء على تطلعات شعب كووردستان،..
ربما يكون من المناسب وفد من المستقلين الكورد في الداخل ،يلتقي ب مظلوم عبدي ،انا شخصيا اجد فيه مناضلا كورديا….انه اثبت قيادته ،مقبول من الامريكان،والى حد ما مقبول من اربيل…ان زيارة بافل طالباني له بثياب المغاوير،لايدل ابدا بان بافل مقبول منه،بافل جرثومة كوردية للتخريب..مثله مثل قياداة اربيل… الامر لايستدعي التأخير،،ويمكن ان يترأس الوفد الاستاذ حسن ،….لااعرف من يأخذ على عاتقه الاسراع…ولتعلم اربيل ان وقوع غربي كوردستان بيد اردوغان لم يبقوا بمامن،من الذئاب التركية الهائمة المقادة من اردوغان…على ابن كوردستان مسعود ايضا التحرك وبالسرعة…
اسف مثله مثل قيادة قنديل…اعتذر
الوحدة الكوردية مستحيلة،لكن الحل يكمن في:على الاحزاب الاكثر وطنية تأييد مظلوم عبدي ،ودفعه قدر الامكان الابتعاد عن الب.ك.ك،او على الاقل اصدار بيان يتنصل فيه من مجموعات حزبالعمال الكوردستاني المسلحة،.
تركيا تحاول بشتى الوسائل البقاء على الب.ك.ك،وتزويدها بكل يلزم للبقاء طبعا الى جانبها ايران،لأنها مشروعهم الشوفيني للقضاء على تطلعات شعب كووردستان،..
ربما يكون من المناسب وفد من المستقلين الكورد في الداخل ،يلتقي ب مظلوم عبدي ،انا شخصيا اجد فيه مناضلا كورديا….انه اثبت قيادته ،مقبول من الامريكان،والى حد ما مقبول من اربيل…ان زيارة بافل طالباني له بثياب المغاوير،لايدل ابدا بان بافل مقبول منه،بافل جرثومة كوردية للتخريب..مثله مثل قياداة قنديل.. الامر لايستدعي التأخير،،ويمكن ان يترأس الوفد الاستاذ حسن ،….لااعرف من يأخذ على عاتقه الاسراع…ولتعلم اربيل ان وقوع غربي كوردستان بيد اردوغان لم يبقوا بمامن،من الذئاب التركية الهائمة المقادة من اردوغان…على ابن كوردستان مسعود ايضا التحرك وبالسرعة…