سوريا على مفترق طرق.. من أطلق النصرة من قمقمها؟

إبراهيم اليوسف

 

السؤال الذي يتكرر:

ماذا وراء هذا المخطط؟

تحمل الأحداث التي تتسارع على الأرض السورية سمات العبثية والسوريالية في آن معاً، حيث يتكرر مشهد سقوط المدن والمواقع في يد “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) بسرعة خاطفة لا تعكس سوى تواطؤ مفضوح أو غياب استراتيجي متعمد من القوى الكبرى. هذه التحركات تبدو وكأنها جزء من مسرحية متقنة الإخراج، تقوم فيها الأطراف المتنازعة بأدوار محسوبة لتحقيق أهداف غير معلنة، تتجاوز حدود سوريا نفسها.

إذ إن روسيا، التي لطالما روّجت لنفسها أنها حامية للنظام، تقف- حتى الآن- متفرجة أمام هذا الانهيار المتسارع. المشهد يشبه إلى حد بعيد ما جرى في الموصل2014 حين سلمت لداعش ضمن خطة لإعادة تشكيل المنطقة وإضعاف خصوم بعينهم. وحقيقة لايمكن النظر لهذا التحول بالانقلاب السياسي إلا من خلال ما بات  يجري في مرحلة ما بعد غزة2024، حيث يبدو أن خريطة الشرق الأوسط تخضع لإعادة رسم، كي تؤدي الفوضى المنظمة دوراً أساسياً في تنفيذ استراتيجيات طويلة الأمد، بعد تركت الأنظمة الدكتاتورية الحبل على غاربه في قضايا وملفات كثيرة ومن بينها: محاولة تذويب الكرد في بوتقة  الخرائط التي ابتلعتها، ناهيك عما جرى لشعوب وأمم أخرى في الشرق الأوسط جرى تزوير هوياتهم وجغرافيتهم؟!

ما الذي تريده إسرائيل من سوريا؟

إسرائيل، التي استفادت من تآكل الدولة السورية وضعف نظامها. النظام الذي خدمها حوالي نصف قرن، وكانت وراء عدم انهياره لأجل ديمومة أمنها المكفول منذ زمن حكم الأسد الأب و حتى الآن، في مستنقع زمن الأسد الابن الضال ، تبحث عن استمرار هذا الوضع الهش لتحقيق أهداف عدة. فهي من ناحية، تريد الإبقاء على سوريا ضعيفة ومجزأة كي تستمر خارج حسابات المواجهة الإقليمية المباشرة. ومن ناحية أخرى، فإنها تسعى لتوظيف فصائل من المعارضة المسلحة التي تحتل أجزاء واسعة من الأراضي السورية كأدوات ضغط وابتزاز سياسي وعسكري.

تكرار اسم إسرائيل ودورها في المعادلة السورية ليس مصادفة، بل يأتي في سياق إستراتيجية مدروسة لتأمين مصالحها، سواء أكان ذلك عبر توسيع نفوذها أو ضمان تحييد أي قوة قد تهددها مستقبلاً. ورغم أنها تظهر كأنها تراقب من بعيد، فإن بصماتها واضحة في تهيئة الأجواء لاستمرار” الحرب في سوريا” كجزء من مشروع أكبر لتغيير خريطة المنطقة.

الكرد وإسرائيل:

هناك من يدعي أن إسرائيل تحاول دعم الكرد في المنطقة، وهي دعوى تتكرر في سياقات مختلفة، وكأنها محاولة لتشويه مطالب الكرد المشروعة أو تصوير نضالهم بأنه قائم على التحالفات الخارجية. لكن، إذا ما أمعنا النظر في الواقع، نجد أن هذا الادعاء يفتقد إلى أي سند عملي حقيقي، فلو كانت إسرائيل قد دعمت الكرد فعلياً في أي مرحلة من المراحل، لما كان حال الكرد في المنطقة على ما هو عليه، خاصة في ظل نظامي الأسد الأب والابن، وحتى اللحظة الراهنة؟!

إن إسرائيل، التي تُعتبر واحدة من أقوى الدول نفوذاً وتأثيراً على مراكز القرار الغربي، تمتلك القدرة على تغيير مسارات الأحداث الدولية، حيث استطاعت مراراً فرض إرادتها على الساحة العالمية. إذا كانت إسرائيل تملك هذا النفوذ الواسع، فلماذا لم تسعَ بشكل جدي لدعم الكرد وتأمين حقوقهم القومية؟أجل، وقد يتم طرح السؤال كرد على من يرفعون هذه الورقة في وجه الكرد:

ترى لماذا لم تُفعّل قوتها السياسية والدبلوماسية لتحريك عجلة الاعتراف بالكرد كأمة تستحق دولتها المستقلة؟

الواقع يشير إلى أن المصالح الاستراتيجية هي التي توجه سياسة إسرائيل ذاتها في المنطقة، وليست القضايا الإنسانية أو الحقوقية. أي دعم مزعوم للكرد كان في أحسن الأحوال مجرد أوراق ضغط مؤقتة، يتم استخدامها ضمن لعبة الموازنات الإقليمية. الكرد، رغم كل ما واجهوه من مظالم، ظلوا بمفردهم في مواجهة سياسات الإقصاء والتهميش، دون أن يكون لإسرائيل أو غيرها من القوى الكبرى- حتى الآن-  دور جاد في تغيير واقعهم.

إن الادعاءات التي تُروج لوجود تحالف كردي-إسرائيلي لا تصمد أمام حقائق الأرض. الكرد اليوم، كما كانوا بالأمس، يكافحون وحدهم لإثبات وجودهم، بعيداً عن أوهام الدعم الخارجي الذي لم يتجاوز مرحلة الشعارات.

من المستهدف؟

السؤال الذي يفرض نفسه: من المستهدف من وراء هذه اللعبة القاتلة؟

رأس النظام السوري، الذي لطالما كان محوراً للصراعات، يبدو وكأنه في مأمن حالياً من تداعيات هذه التحركات. ربما تقتضي المرحلة الإبقاء عليه لضمان استمرار الفوضى الموجهة. أما “هيئة تحرير الشام”، فإنها تؤدي دورها بجدارة، لكنها ستصبح هدفاً للتصفية فور انتهاء صلاحيتها، كما جرى مع تنظيمات أخرى قبلها.

الفصائل المعارضة الموالية لتركيا تبدو أيضاً جزءاً من هذا المخطط، حيث يُعاد تشكيلها وتوزيعها حسب أجندات لا تخدم سوى مصالح القوى الإقليمية. المناطق المحتلة مثل: عفرين، التي شهدت تغييراً ديموغرافياً مريعاً، تُستخدم كمختبر لهذه السياسات، حيث تُهجر شعوب بأكملها لتُزرع مكانها فصائل تابعة، في عملية تبدو وكأنها إعادة تشكيل للهوية الوطنية السورية.

وسط هذه الفوضى، يجد الكرد أنفسهم بين فكي كماشة القوى المتصارعة، ما يجعلهم الأكثر عرضة للتهميش والتهديد. الكرد، الذين لطالما كانوا حراساً للاستقرار في مناطقهم، بل محاربين أشداء عنها، عبر التاريخين: القديم والمعاصر، يعانون من حملات متكررة تهدف إلى إقصائهم وطمس هويتهم، ولا يمكن تجاهل الظلم الذي يتعرضون له، خصوصاً في المناطق التي وقعت تحت سيطرة الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا. إن استمرار هذه الممارسات دون تدخل دولي حازم سيقود إلى كوارث أكبر على المستوى الإنساني والديموغرافي. إن دعم الكرد بات ضرورة أخلاقية واستراتيجية، ليس فقط لإنصافهم، ولكن أيضاً لكونهم طرفاً أساسياً في أي تسوية مستدامة في سوريا.

ما الذي ينتظر الكرد؟

في خضم هذا العبث، يرى بعضهم أن الكرد يواجهون مصيراً مفتوحاً على احتمالات أكثر سوداوية. بعد سقوط دمشق التي طالما سعت لمحو هويتهم وتذويبهم، ويرى آخرون أنهم مرحلة جديدة، لاسيما إن كل مؤهلات تحررهم في جغرافيتهم موجودة، ومهما كانت المآلات أو الاستحقاقات الجديدة، فإن القوى المتنفذة ستواصل في سبيل تقليص دورهم أو استغلالهم كعامل ضغط في المفاوضات الدولية. ورغم أن الكرد أثبتوا مراراً قدرتهم على الصمود والتكيف مع المتغيرات، فإن استمرار تهميشهم في المعادلة السورية يمثل خطراً وجودياً على تطلعاتهم المشروعة في الحرية والاستقلال.

ضرورة طرد الفصائل بسبب الظلم

لا يمكن بناء أي مستقبل لسوريا في ظل استمرار وجود هذه الفصائل التي تمارس أبشع أشكال الظلم والاضطهاد بحق السكان المحليين. طرد هذه الفصائل من المناطق المحتلة مثل عفرين وسري كانيي تل أبيض كما كل مناطق سوريا  هو خطوة ضرورية لاستعادة الحقوق المسلوبة وضمان عودة السكان إلى ديارهم بأمان.

سقوط التحليل السياسي: قراء فنجان الدم

ما يجري في سوريا يكشف عن أزمة أعمق في التحليل السياسي، حيث أصبح معظم المتابعين للأحداث أقرب إلى قرّاء الفناجين، الذين يحاولون تفسير الدمار والتشظي من خلال إشارات مبهمة وأوهام غير مترابطة. التناقضات التي تملأ المشهد، من صمت القوى الكبرى إلى تحركات الأطراف المحلية، تؤكد أن التحليل التقليدي لم يعد كافياً لتفسير واقع تجاوز كل قواعد السياسة التقليدية.

إن من يدّعي فهم ما يجري اليوم دون الاعتراف بالتعقيد والتشابك غير المسبوق في المصالح، هو كمن يحاول قراءة فنجان دم؛ إنه لمشهد يبدو واضحاً ومباغتاً، لكنه يخفي تحته عوالم من الفوضى والخراب. إننا في انتظار التغييرات التي ستتم  سواء أأردنا أم لم نرد. هذا شأن أولي المخططات ذوي المصالح الاستراتيجية التي لا نعمل عليها، حتى الآن؟؟!!

المصادر

متابعات وأخبار عامة في وسائل الإعلام والتواصل

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…