عبداللطيف محمدأمين موسى
إن جملة المستجدات المتسارعة على صعيد الحرب الإسرائيلية وحزب الله والمليشيات وكالة عن إيران ولاسيما اتفاق وقف اطلاق النار في الجنوب اللبناني يضع المتتبع للتطورات السياسية والاستراتيجية في المنطقة امام جملة من التساؤلات من أهمها مدى السقف الزمني الممنوح لنتنياهو في تغير الشرق الأوسط, وعن الدور الإيراني في التوصل لهذا الاتفاق, وعن مدى توافر الظروف لصمود هذا الاتفاق لوقف اطلاق النار في الجنوب اللبناني, وعن مصير سلاح حزب الله وعن المستجدات المقبلة على الساحة السورية و لاسيما بعد تهديد نتنياهو الأخير والعلني للأسد وعن اللعب بالنار على حد قول نتنياهو, وكذلك جملة التغيرات على الساحة العراقية ولاسيما بعد تهديد الحزب الله العراقي بعدم تقيده بالاتفاق وموصلته لما تسمى عمليات المقاومة من العراق, وكذلك تهديدات مستشار الخامنئي بالتحضير الإيراني لرد موجع وشيك ضد إسرائيل, وكذلك تهديد نتنياهو عقب الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف اطلاق النار بأنها بداية التغير في الشرق الأوسط من خلال التفرغ لإيران ولتهديداتها. أن جملة التغيرات التي عصفت بالشرق الأوسط بعد عملية السابع من أكتوبر في إسرائيل وما نتج عنها من تبعات وظروف ملتهبة عبرت عن مصالح الدول والمحاور الإقليمية المجسدة للصراع على تنفيذ أجنداتها في التغير الممكن لبعض الخرائط في المنطقة بالتالي أن هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية أمريكية لوقف اطلاق النار في لبنان بعد 13 شهرا من الصراع في المنطقة جاء ليعبر ويخدم جملة من الاستراتيجيات والأجندة للدول الراعية والجهات المنخرطة في الصراع ,وبالنسبة لإسرائيل جاء هذا الاتفاق ليخدم ثلاث نقاط اساسية تتمثل في التهرب من الضغوط الأمريكية المتزايدة ولاسيما الإدارة المنتهية ولايتها والتي وضعت أو عرقلت عملية أمداد إسرائيل بالكثير من الصواريخ والذخائر والتي عبر عنها نتنياهو بضرورة ملئ المستودعات من جديد والاستعداد من جديد في حال تم منحه المزيد من التفويض في توسيع دائرة العمليات ضد إيران ,والأمر الثاني وهو تفكيك البنية التنظيمية الاساسية للهيكل القيادي التنظيمي لحزب الله والأمر الأخر والأهم بالنسبة لإسرائيل يعد انجاز كبير برأي نجح نتنياهو في افراغ حزب الله من مهمته الاساسية في التشكيك بتبنيه شعارات المقاومة وعدم الجدوى الحزب بالنسبة لإيران وإعادة تقيم مهمة حزب الله بالطبع عملية أبعاد حزب الله عن التماس المباشر مع الحدود الإسرائيلية قد تسقط أحد أهم ازرع إيران في المنطقة ,وكذلك سيفقد الحزب المكانة الأهم في تبني شعارات المقاومة والممانعة ,وبرأي هذا الأمر أعطى نتنياهو إحدى الورقتين المهمتين الأولى بتفريغ الحزب من قاعدته ومهمته عبر أبعاده عن التماس عن الحدود،والثانية والأكثر خطورة عن مصير سلاح الحزب وخطره على الشعب اللبناني, ولربما الأمر الذي سيضع لبنان أمام فتنة داخلية في ظل عدم قدرة الدولة اللبنانية عن نزع سلاح الحزب وكذلك تزايد التوترات بين البيئة الشيعية للحزب النازحة والتي استولت بمنطق القوة على الكثير من غير مناطقها الطائفية والتي ستشكل القنبلة الموقوتة في لبنان وتهديد التركيبة الطائفية في لبنان. بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية هذا الاتفاق يعتبر نصر يقدمه نتنياهو للإدارة المنتهية ولايتها والتي عملت جاهدة طيلة فترة الصراع على وقف اطلاق النار وعدم اتساع الصراع والخروج عن السيطر, وكما يعتبر عملية التوصل لهذا الاتفاق بمثابة النصر وهدية نتنياهو والتعبير عن حسن النية والشركة مع إدارة ترامب والتي يحاول نتنياهو و كمبادرة حسن نية تتماشى مع سياسة ترامب في اتباع الطرق السلمية في البدايات الأولى من تسلم ولايته والانتقال الى التصعيد الذي يتمناه نتنياهو في حال فشل الحلول السلمية. بالنسبة لحزب الله يعد الاتفاق أرغماً وبحكم تبعيته اللامحدودة لتنفيذ ما يتم الأملاء عليه من قبل إيران ولا استبعد أن يتم التضحية بالحزب لتحقيق أيران مكاسب بشأن الانفتاح على الدول الغربية في تغير حسابتها بعد فوز ترامب، وكما سيكتفي الحزب ببعض الشعارات في إلهاء بيئته وجمهوره بالنصر والصمود على مدى أشهر القتال، واستغلال هذه الاتفاق لإنقاذ ما تبقى في ظل انقطاع مصادر تمويل الحزب من الأسلحة من سورية وإيران وبل سينكفئ الحزب إلى وضعه الجديد في الداخل اللبناني في ظل مواجهة ملف نزع سلاحه وإنتزاع سطوته على قرار الدولة اللبنانية. في الشأن السوري وتبعاته يعد هذه الاتفاق التأكيد على أن نظام دمشق أمام خيارين أما الاصطفاف مع إسرائيل ضد إيران أم الاصطفاف مع إيران ضد إسرائيل لذا أن وقوف نظام دمشق على الحياد طيلة أشهر الصراع يدل على اتفاق ضمني وبوساطة دول عربية للإنصياع للتهديد الإسرائيلي في تصفية نظامه واستهداف قصوره منذ بداية هجمات السابع من اكتوبر والإنصياع هذا جاء بضغط روسي الأمر الذي لامسته إيران وموقفها الغير علني في عدم الرضا وتكثيف الزيارات الرفيعة لمسئوليها إلى دمشق لمحاولة إعادة دمشق إلى محور المقاومة الأمر الذي قامت إسرائيل بالاستهداف التحذيري لماهر الاسد أشد الموالين لإيران وتوجيه رسالة صارمة له ,ولذا فأن نظام دمشق امام تحدي حقيقي في ظل التأكيد على قطع كل مصادر التمويل وتهريب الأسلحة للحزب من سورية وضرب الإسرائيلي المتكرر للمعابر أو بخلافه سيعبر اللعب بالنار الذي تم تسميته من قبل نتنياهو عقب الإعلان عن اتفاق وقف النار في لبنان. بالنسبة لإيران فأن الموافقة على وقف اطلاق النار يعبر عن حسن النية لتمهيد الأرضية لسياسة حكومة رئيسها الجديد مسعود بزشكيان المنفتح على العالم ,وكذلك فإن فوز ترامب قد غير كل حسابات إيران في ظل شكل وتركيبة عملية إنتقاء فريق ترامب الجديد الذي أدخل الرعب في قلب صانع قرار السياسي والدبلوماسية الإيراني الأمر الذي وجدت أيران نفسها مرغمة لتقديم تنازلات مؤلمة للتضحية بالحزب وحماس وبعض الأذرع الأخرى تماشياً مع سياستها الجديدة في الحفاظ على مفاوضتها النووية وانتهاء سياسية اللين في ظل تغير إدارة بايدن وأطهار حسن النية المؤقت مع ترامب في ظل تهديد نتنياهو المتكرر لضرب رأس الاخطبوط وتغير خرائط الشرق الأوسط .في المحصلة, يمكن القول أن صمود اتفاقية وقف أطلاق النار و احتمالات صمودها خلال ستين يومين سيحدد مدى جدية التفويض الممنوح لنتنياهو لموصلة استراتيجيته في أعادة تغير الشرق الأوسط في ظل الصراع الملتهب, وتهديده المباشر عقب الإعلان عن الاتفاق في لبنان وبعد نجاحه في فصل جبهة لبنان عن وحدة الجبهات ستجعل من إسرائيل متفرغة للتهديد الإيراني الأمر الذي سيضع مدى انتهاء التفويض لنتنياهو لتغير الشرق الأوسط من عدمه مرتبط بمنحة الظروف والمستجدات المتسارعة التي تعصف في المنطقة وإمكانية تدهور المنطقة الى الانزلاق الى تصعيد شامل.