صلاح بدرالدين
العنوان العريض للتطورات الإقليمية المرتقبة بعد فوز الرئيس ترامب ، والانتصارات العسكرية الاسرائلية:
(شرق أوسط متجدد – تجاوز مرحلة الحروب بالوكالة – إعادة ” الورقة ” الفلسطينية الى الحضن العربي الرسمي – إعادة تفعيل الدورة الاقتصادية من بوابة اعمار ماتهدم في غزة ولبنان وسوريا – صعود الدور السعودي – تحجيم وإعادة تنظيم الدور الإيراني – توافقات دولية لخفض التصعيد …)
كان ملفتا ان تحرك النظام العربي الرسمي بمبادرة من – المملكة العربية السعودية – بخصوص فلسطين جاء بعد اكثر من عام على الحرب الدائرة بين كل من إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية – حماس – ، وبعد ان حققت الدولة اليهودية معظم أهدافها العسكرية ، وتكبد مسلحي حماس خسائر جسيمة ، مما انعكس ذلك بطبيعة الحال على تغيير كبير في موازين القوى على الصعيد السياسي ، وحصل الامر ذاته بخصوص لبنان ، حيث فقد حزب الله جميع قادته وكوادره العسكرية ، والميدانية الأساسية ، وتعرضت مواقعه العسكرية ، ومخاذن أسلحته ، ومصانع ذخيرته الى الدمار مع قطع طرق الدعم والتموين الإيرانيين عنه ، وتراجع مقاتلوه الى ماوراء الليطاني تحت الضغط العسكري الاسرائيلي حتى قبل تنفيذ القرارات الأممية او اصدار قرارات جديدة ، وباتت مساحات شاسعة بعرض خمسة كيلومترات من الحدود اللبنانية المشتركة تحت قبضة الجيش الإسرائيلي ، ففي الموضوع الفلسطيني هبطت مطالبات وشروط سلطة – حماس – الغزية من شعارات ( تحرير فلسطين من البحر الى النهر ، والدعوة الى الكفاح المسلح ) الى وقف النار والاتفاق والمفاوضات ، اما حزب الله الذي كان يدعو الجيش الاسرائلي الى ( المبارزة في الميدان وحرق إسرائيل ) بات يستغيث ويكلف – نبيه بري – لاتفاق مع إسرائيل حسب القرار ١٧٠١ الذي يرفضه منذ عام ٢٠٠٦ .
النظام العربي الرسمي يترجم النتائج العسكرية الى مشروع سياسي
وهكذا جاء التحرك العربي الرسمي بمساريه المتكاملين : التحالف الدولي لحل الدولتين وإعلان الدولة الفلسطينية ، والقمة العربية الإسلامية بالرياض ، ليحصد نتائج ماحققته إسرائيل طوال اكثر من عام ويترجمها سياسيا على ارض الواقع في عملية واضحة لتقاسم الأدوار من دون اعلان او اتفاق معلن ، بين إسرائيل كقوة عسكرية رادعة والغرب ، والنظام العربي الرسمي في تدمير اهم عقبتين ، والحاق الأذى بالمشروع الإيراني بغية ازالته كليا في قادم الأيام ، والبدء بطي صفحة مرحلة ( الحروب بالوكالة ) التي تغذيها طهران ، وتشرف على ادارتها عبر اذرعها المعروفة في لبنان ، وغزة ، والعراق ، واليمن ، وسوريا .
من الواضح ان النظام العربي الرسمي وبسبب تمزقه وخلافاته البينية ، وضعفه البنيوي والعسكري ، وفساد مؤسساته ، ونظامه السياسي الاستبدادي ، وافتقاره الى عوامل القوة ، وعزلته الشعبية ، لم يكن قادرا على القيام لعقود خلت ماحققته إسرائيل بغضون اشهر في هزيمة الإسلام السياسي العسكرية بشقيه السني والشيعي المتعاونان عبر حلف الممانعة ،
عوامل ودوافع تحرك النظام العربي الرسمي
بواعث التحرك العربي في هذا التوقيت بالذات عديدة ومتشعبة منها – قومي عام باعتبار القضية الفلسطينية هي المسالة المركزية للعرب بحسب نظام الجامعة العربية ، وتحديات مواجهة الاسلام السياسي وخصوصا الاخوان المسلمون ، والحركات الجهادية من دون ان ننسى الضغط الشعبي الذي يتعرض له الأنظمة الحاكمة حول التقصير بشان محنة شعب فلسطين والذي أدى بدوره الى اختطاف تلك القضية المشروعة من جانب ايران ثم استغلالها ابشع استغلال ، هذا بالإضافة الى الصراع الإقليمي حول النفوذ ومسائل النفط والغاز ، وطرق المواصلات البحرية في الخليج والبحر الأحمر ، والاهم من هذا وذاك هو طي صفحة الحروب بالوكالة ، والانتقال الى مرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية والدولية خصوصا بعد انتخاب – ترامب – رئيسا للدولة الأعظم ، ومايحمل من مشاريع بشان القضايا الاقتصادية ، والنزاع في الشرق الأوسط ، والمشروع الابراهيمي ، وملفات أخرى في غاية الأهمية .
صعود الدور السعودي
ومما له دلالته في هذا المجال صعود الدور السعودي بالتناغم مع انتصارات إسرائيل العسكرية ، وفوز – ترامب – ومحاولات تثبيت الزعامة السعودية بعد الانفتاح بعهد الأمير الشاب ، على حساب الامارات وقطر اللذان لهما علاقة وثيقة بمرحلة – الحرب بالوكالة – في عدد من الدول العربية خصوصا سوريا ، واليمن ، والسودان ، كما ان بيانات القمة العربية الإسلامية وتصريحات المسؤولين السعوديين تعتبر نعيا لزوال اخر معاقل الإسلام السياسي السني والشيعي بعد أداء دوره المشؤوم في مواجهة ثورات الربيع وخصوصا الثورة السورية المغدورة ، وهو شكر غير معلن لانجاز إسرائيلي لصالح النظام العربي بإزالة اهم عقبتين والاهانة الناعمة لنظام طهران بعد هزيمته ( وعدم حضور الرئيس الإيراني القمة ؟! ) إشارة واضحة للحنق الإيراني ، فهناك سعي عربي لملئ الفراغ الذي تركته حماس وحزب الله ، والتحضير لمعالجة الوضع في اليمن ، وكذلك في سوريا ، مع إعادة تقسيم مناطق النفوذ على ان يكون العراق من حصة ايران كتعويض للانسحاب الاجباري من سوريا ولبنان مع تنشيط زيارات الوكالة الدولية للطاقة الى طهران ، وابرام صفقة جديدة حول النووي .
كما ان خروج قطر من دور الوسيط هو رضوخ للإرادة الدولية في تجفيف منابع تمويل قسم من جماعات – الحرب بالوكالة – وقبول بالزعامة السعودية المتناغمة مع توجهات إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب – ترامب – .
اما سوريا فتشير الدلائل انها ستخضع لحل وسط متفق عليه بين الامريكان والروس ببقاء التركيبة الطائفية السابقة مع تعديلات طفيفة لمصلحة كبح جماح مابقيت من سطوة النظام وتبديل رؤوسه بعد نفاذ دورها وارتكابها لجرائم لاتعد ولاتحصى ضد الشعب السوري ، وإعادة الاعتبار للتحالف السعودي المصري التركي السني ، مع انحياز الغرب لوجهات نظر تركيا كعضو بحلف الناتو بشان سوريا ، وعلى الصعيد الكردي السوري لن يتحقق أي تطور إيجابي بسبب تفكك الحركة الكردية ، وانعدام وجود الأداة السياسية الموحدة الشرعية ، وفقدان المشروع السياسي قوميا ووطنيا متوافق عليه من جانب الغالبية الشعبية ، وهنا لابد من الإشارة من جديد الى مسؤولية أحزاب طرفي الاستقطاب في هذا الوضع المتردي .
في كل الأحوال تتجه الأمور كما أرى نحو طي صفحة ” أبو عبيدة ، وأبو النار ، والعمشات ، والحمزات ،والآيات ” ، الذين جلبوا الويلات لشعوبهم ، وقسموا الأوطان ، وكذلك ” آبو ” وكل الجنرالات الميليشياوية الذين تخرجوا من فرق الموت والاغتيالات في كهوف قنديل ، وكل من صادر إرادة الكرد السوريين من قبائل حزبية متصارعة ، وعطل طاقاتنا ، وفكك حركتنا ، ورهن مصيرنا لبازار المال السياسي والاجندة الخارجية ، وان صحت هذه التوقعات ( المتشائلة ) فلست استبعد ان تتوجه الأنظار مستقبلا نحو مساءلة وإدانة كل من ساهم فكريا ، وعقائديا ، وماليا ، وعبر الجمعيات الثقافية في التنظير لجماعات الإسلام السياسي ، وأنظمة محور الممانعة ، والميليشيات المسلحة ، واذرع ايران بالمنطقة .