عربي إسرائيلي:

د آلان كيكاني

من بين الطلبة العرب، في هذه الجامعة الأوربية العريقة، يتم تداول اسم وسيم على نطاق واسع.

لا لكرمه ودماثته وحسن سيرته فحسب، بل لأسباب أخرى. سنتطرق إليها في متن هذا النص.

ولكونه صديقاً مقرباً من أحد أقاربي ارتأى الشاب الأنيق أن يدعوني إلى وليمة في مطعم فاخر على ضفة أحد الأنهار.

 

وفي الموعد المتفق عليه اتصل بي يطلب موقعي على نظام جي بي اس، وبعد دقائق حضر بسيارة مرسيدس حديثة، ودار بي المدينة دورتين كاملتين قبل أن يركن سياراته أمام المطعم.

 

يحب وسيم القهوة مثلي، وربما كان هذا هو الشيء الوحيد الذي يجمعني به.

فهو غني.

وأنا لست.

هو فارس المرسيدس

أراه يجوب بها المدينة كل يوم وإلى جانبه حسناء فاتنة.

وأنا فارس قدميّ هاتين

أتجول بهما وحيداً في الأماكن السياحية حتى يصيبهما التورم.

هو يرتدي جورجيو أرماني ولوي ڤيتو ويتطيب بشانيل.

وأنا بالكاد أتستر بسروال وقميص هنديين وتفوح مني رائحة العرق…

هو يتجرع الويسكي والكونياك الفاخرين عندما يريد الانشراح والارتواء وأنا أفتش في شارع العرب عن عرق السوس والتمرهندي لأقتل بهما عطشي، وإذا أردت الاستزادة فالكوكاكولا هي المقصد.

 

لكن الشهادة لله فالشاب رغم هذا البذخ متواضع وطيع وكريم لا يتردد في مساعدة زملائه.

لا عليكم

فقد جلسنا نرتشف القهوة ونتبادل أطراف الحديث، ريثما يحضر الغداء على الطاولة…

والأصح أنه راح يحدثني عن نفسه….

يحدثني وكأنه يجيب عن أسئلة لم أطرحها عليه إنما يتوقع أنها تجول في خاطري وأخجل طرحها عليه… وربما لأن الكثيرين قبلي طرحوها عليه:

 

“أنا من عرب إسرائيل… بعض العرب يستغربون من هذه العبارة… طيب أليس هناك يهود مواطنون في دول عربية؟! … وأنا عربي ومواطن في دولة إسرائيل فما العيب في هذا؟… ”

 

“…بالله عليك دكتور سل كل الطلبة العرب في هذه الجامعة هل تدفع لهم حكوماتهم فلساً واحدا؟ …. أنا تدفع لي حكومتي أقساطي الدراسية، وتحوّل لي ألف وخمسمائة يورو كل شهر كي لا أحتاج إلى أحد. ولهذا كما ترى: ما ان ينتهي الدوام كل يوم في الجامعة حتى ترى الطلبة العرب يتوزعون في المقاهي والمطاعم ليشتغلوا نوادل، أما أنا فأعيش حياتي معززاً مكرماً….”

 

“العدالة الاجتماعية هي الأساس في تعلق المواطن بدولته. والدي مهندس زراعي نشيط، نجح في مهنته في بلدتنا في إسرائيل فاختارته نقابة المهندسين في المدينة نقيباً لها على رأس ماءة مهندس يهودي… في المقابل يقول لي الطلبة من بلدك العربي أن المواطن حتى يتطوع في سلك الشرطة ويصبح شرطيا بسيطاً يحتاج إلى تقييم عرقيّ ودينيّ وطائفيّ وقبلي وسياسي واجتماعي… قبل أن يتم البت في أمره…”

 

” يقول لي قريبك أن راتب الطبيب السوري المختص قبل الأحداث كان لا يتجاوز الثلاثمائة دولار في الشهر…. أرجو المعذرة دكتور، لكن هذا ثمن وجبة غداء لطبيب إسرائيلي في مطعمٍ مثل هذا المطعم في تل أبيب أو حيفا…”

 

“أتخيل أحيانا ما ستؤول إليه أوضاعنا نحن عرب إسرائيل لو هزمنا الدولة وألقينا اليهود في البحر…. لست علام الغيوب لكني على يقين أننا سننخرط في حروب أهلية بين فتح وحماس حتى لا يبقى حجر على حجر. وحينها سأبحث عن بلم يهربني إلى دولة أوربية لأن الجواز الفلسطيني لن يدخلني حتى على رام الله… بينما الآن هذا الجواز الإسرائيلي يسمح لي بحرية التنقل بين كل دول العالم دون عائق. بل إن موظفي الهجرة في المطارات يحيونني ويرحبون بي، لأننه أحمله، وخاصة في البلاد العربية التي طبعت مع إسرائيل…”

 

” البعض يتحدث عن الكرامة والوطنية، أما أنا فأرى الكرامة والوطنية في راحة البال ووفرة المال والأمن والأمان وضمان المستقبل. فأينما توفرت لك هذه النعم فثمة موطنك. ما رأيك دكتور؟…”

“حين يتم الحديث عن الوطنية يقول أبي: لا أدري عم يتحدثون كنا تحت العثمانيين فجاء الإنكليز والفرنسيون وتحرشوا بنا وساعدونا على طرد الاتراك وفي اليوم التالي قسموا هذه البلاد بينهم بالمسطرة وقلم الرصاص والممحاة… ثم بالله عليك يا دكتور: اسرائيل لا تحتل بلدك فهل كرامتك مصونة هناك؟”

 

فيلسوفٌ هذا الولد.

يضعني في مواقف حرجة.

وحتى أنا هنا في هذا البلد الأوربي، في هذه القلعة الحصينة من الحرية والديمقراطية أخشى من الحيطان أن تسمعنا.

فألتزم الصمت.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

في عالمنا الحالي، تبدو السياسة وكأنها تخلت عن المبادئ الأخلاقية التي كانت تدّعي تمثيلها، ودخلت مرحلة ما بعد الحداثة التي يمكن وصفها بالسريالية. إذ تتسم هذه المرحلة بالانهيار الأخلاقي حيث تتداخل المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي بطريقة تفضح عمق التناقضات في المشهد الدولي. في هذه الساحة الغرائبية، يتماهى الغرب وروسيا، وتتراجع القيم الإنسانية لتصبح ضحية للسعي وراء السلطة والمكاسب.

السقوط الأخلاقي…

إبراهيم اليوسف

يعود الرئيس الأمريكي السابق رونالد ترامب إلى صدارة المشهد السياسي الدولي، مع إعلان نتائج الانتخابات الأميركية فجر اليوم، ويعود معه ملف معقد وحساس لطالما كان جزءاً من لعبة المصالح الدولية: الملف الكردستاني. في سياق تتأرجح فيه السياسة الدولية بين الدوافع الاقتصادية والتوازنات الجيوسياسية، لتصبح قضية الكرد، قضية أكبر شعب بلا دولة، إحدى الأوراق التي يعاد استخدامها في المفاوضات الدبلوماسية…

صلاح بدرالدين

صديقي الإعلامي المصري الكبير المعروف د حافظ الميرازي المقيم في أمريكا ويحمل جنسيتها كتب على صفحته البارحة انه سينتخب ( الرئيسة ) أي المرشحة الديموقراطية – كامالا هاريس – وان مراكز استطلاعات الراي تؤكد فوزها ، فاجبته : لاتستعجل الأمور ياصديقي العزيز واصبر قليلا واكاد اجزم ان – ترامب – هو الفائز ، واليوم أرسلت له – تعزية –…

عزالدين ملا

يتراءى لدى الجميع، أن منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو تحولات جغرافية وسياسية جذرية، قد تكون على أسس وقواعد جديدة بما يتماشى مع متطلبات شعوب المنطقة من جهة ومصالح سياسية واقتصادية وتجارية وحتى عسكرية من جهة أخرى، مما يضع المنطقة في قلب الصراع العالمي والإقليمي.

إن الصراعات المستمرة، والوجود العسكري الفاعل لإسرائيل بدعم من الولايات المتحدة ودول الغرب، يعكس تغييرات استراتيجية…