الكورد.. ميزان الربح والضغط في المنطقة

عزالدين ملا

يتراءى لدى الجميع، أن منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو تحولات جغرافية وسياسية جذرية، قد تكون على أسس وقواعد جديدة بما يتماشى مع متطلبات شعوب المنطقة من جهة ومصالح سياسية واقتصادية وتجارية وحتى عسكرية من جهة أخرى، مما يضع المنطقة في قلب الصراع العالمي والإقليمي.

إن الصراعات المستمرة، والوجود العسكري الفاعل لإسرائيل بدعم من الولايات المتحدة ودول الغرب، يعكس تغييرات استراتيجية في طريقة التعامل مع الأزمات الإقليمية.

تعتبر القوة العسكرية لإسرائيل اليوم أكثر تعقيداً وتنوعاً من أي وقت مضى، وتظهر مدى القوة والبراعة في التعامل مع الأحداث، حيث تتعامل مع أذرع إيران مثل حركة حماس وحزب الله بأسلوب يتسم بالتكتيك الذكي والقدرة على المناورة. هذه القوة العسكرية ليست مجرد أدوات ردع، بل تتضمن أيضاً استراتيجيات هجوم دقيقة تهدف إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة. هذا الأمر يجعل من سوريا والعراق بؤرتين ساخنتين ضمن هذا الصراع، إذ تترنحان بين الفوضى والتهديدات العسكرية، وهو ما يضع كلا البلدين تحت ضغط متزايد من جراء الهجمات الإسرائيلية، والتي قد تدفع بجميع أذرع إيران في هذين البلدين إلى إحداث اضطرابات وفوضى بين شعوب المنطقة وإحداث حالة هلع وخوف، لدفعهم نحو الهجرة والنزوح، ما يزيد الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية ودول الأوروبية لقبول التفاوض وإجبار اسرائيل على وقف عملياتها العسكرية بما يتوافق والشروط الإيرانية.

من جهة أخرى، تراقب تركيا عن كثب التطورات الحاصلة في الشرق الأوسط، فهي تعتبر نفسها لاعباً رئيسياً في هذا المشهد وتعمل على فرض سياساتها لكسب المزيد من النفوذ والمصالح. بعد محاولاتها لتعزيز مكانتها الإقليمية من خلال إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع مصر ودول الخليج، وتحاول جاهدة إلى قبول النظام السوري للتطبيع معها. لذا نرى أن تركيا بدأت في إعادة ترتيب أوراقها السياسية بما يتماشى والظروف الحالية، خاصة بعد الدعوات للسلام مع الكورد في الداخل. هذا التوجه يأتي في وقت حساس لمنع وصول رياح الاضطراب والتغيير إلى مضجعها، والهجوم على شركة الفضاء العسكرية في أنقرة الذي تبناها حزب العمال الكردستاني يدخل في خدمة تركيا لتقويض أي جهود تبذل باتجاه السلام والأمن في تركيا ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام وخاصة في الدول التي تتواجد فيها الكورد.

في جانب آخر، يعد إقليم كوردستان مثالاً آخر على التعقيدات الإقليمية، إذ يتعرض لضغوطات من أذرع إيران والفصائل العراقية الموالية لها. إن وجود هذه الجماعات يشكل تهديداً لأمن الإقليم واستقراره، ويجعل من الصعب على الكورد الحفاظ على استقلالهم الذاتي. في الوقت نفسه، قد تُتيح الظروف المتغيرة في الشرق الأوسط للكورد فرصة لتعزيز دورهم في السياسة الإقليمية والعالمية.

اعتقد، من الواجب على الكورد ان يكون لهم دور بارز في المرحلة القادمة في كل من سوريا والعراق وتركيا وإيران. في العراق، قد تسعى القوى الكردية إلى تعزيز نفوذها من خلال التعاون مع القوى الغربية لمواجهة التحديات التي تفرضها الفصائل المدعومة من إيران.

أما في سوريا، فإن الوضع الأكثر تعقيداً قد يُلزم الكورد بالتفاوض مع النظام السوري وداعميه لتحقيق مكاسب سياسية هذا ما لا أتوقعه إن لم يُغير النظام من سلوكياته وقبوله بقرارات جنيف 2254. وفي تركيا، قد يشكل الحوار مع الكورد فرصة لتركيا لتعزيز الاستقرار الداخلي، في حين أن الموقف الإيراني قد يتطلب من الكورد الموازنة بين تحقيق أهدافهم الوطنية والقومية وضغوطات النظام الإيراني إلى حين حصول تغيير في سلوكياتها.

لذلك، تظل منطقة الشرق الأوسط مسرحاً للصراعات والتوترات المتزايدة، مما يعكس تعقيدات التحولات السياسية والعسكرية. في ظل هذه الظروف، يبدو أن الكورد سيستمرون في لعب دور محوري في تشكيل المشهد الإقليمي، لأنهم ورقة الربح والضغط في نفس الوقت، مما يتطلب من الكورد في الدول المتعايشة معه إلى تكييف استراتيجياتهم الداخلية والخارجية حسب مقتضيات كل دول، بما يتناسب مع الديناميكيات المتغيرة على الساحة الإقليمية والدولية والتحديات المستمرة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…