صالح جعفر
ما ميز حزب العمال الكوردستاني PKK عن باقي الأحزاب الكوردية في تركيا عند انطلاقتها هو إعلان الكفاح المسلح لنيل حقوق الشعب الكوردي في ذلك الجزء.
هذا الإعلان جذب الشباب الكوردي لخوض هذا الأسلوب النضالي الشائع حينذاك لدى معظم حركات التحرر الوطني في المنطقة والعالم.
قدم عشرات الآلاف من الشباب الكوردي و من كافة أجزاء كوردستان أرواحهم لتحقيق حلمه في نيل حقوقه في إقامة دولته القومية المستقلة.
بعد التغييرات التي حصلت على المستوى العالمي وانتهاء الحرب الباردة و انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية وتراجع وفشل حركات التحرر الوطني المسلحة في تحقيق أهدافها تخلت الأخيرة عن الكفاح المسلح و لجأت إلى النضال السياسي والجماهيري ومن ثم اللجوء إلى الحوار والمفاوضات لحل قضايا شعوبها عبر الوسائل السلمية.
حزب العمال الكوردستاني بقي متمسكا بهذا الأسلوب، مما أدى به المطاف إلى تصنيفه كمنظمة “إرهابية” و أدرج اسمه على لائحة الارهاب مما سهّل بل و شرعن الكثير من السياسات و العمليات التي استهدفت الوجود الكوردي ليس في تركيا فحسب بل و في اجزاء كوردستان الأخرى من قبل الدولة التركية بحجة محاربة حزب العمال الكوردستاني المصنف ارهابيا . هذه السياسة العنيدة وغير الملائمة للمتغيرات الدولية ألحقت الضرر بالقضية الكوردية و أحرجت أصدقاء الكورد و المنظمات و الهيئات الدولية للتضامن مع الكورد خوفا من اتهامها بدعم الارهاب .
اصرار الكورد بالدفاع عن وجوده و عدم التخلي عن نضاله في سبيل تحقيق حقوقه و بكافة الوسائل تجبر الدول المحتلة لكوردستان و بعد فشل كل محاولاتها العسكرية للتفكير و التخطيط لمواجهة الكورد بطرق أخرى كالمماطلة و التسويف و الادعاء بالرغبة في الحوار لخداع الرأي العام الكوردي و العالمي بغية الهروب من المستحقات الأساسية وتمييع الحل الوطني الحقيقي للقضية الكوردية.
المحاولة الحالية التي تطرح على الساحة التركية تلفت أنظار العالم لما لدور الكورد الهام في معادلات المنطقة الملتهبة على كل الجبهات. هذه المحاولة (المبادرة) رمت الكرة في ملعب حزب العمال الكوردستاني و على رأسه السيد عبد الله أوجلان.
بعد تسارع الأحداث في الشرق الأوسط و الحرب الدائرة بين اسرائيل و محور ايران أتت التصريحات التركية لتطرح العديد من الاسئلة على الساحة التركية و الكوردستانية عموما .
هل التحالف التركي الحاكم جاد في طروحاته للحوار مع الكورد بعد إعلان اوجلان إنهاء العمليات العسكرية و حل الجناح العسكري للحزب؟
هل سيقدم السيد اوجلان على الخطوة التاريخية و يقطع الحجج التركية بمحاربة الكورد بحجة الارهاب و يعلن رسميا بانهاء الكفاح المسلح و التوجه كاملا إلى النضال الديمقراطي السلمي؟
هذا ما ينتظره الرأي العام المحلي و العالمي و عن ماذا سينتج عن هذه التصريحات و ماذا سيكون تأثيرها على مستقبل المنطقة .
لا شك إذا ما حصل هذا الإعلان التاريخيّ من قبل السيد اوجلان سيكون نتائجه كبيرة على الساحة الكوردية و التركية معاً، كورديا سيفسح المجال أمام القوى السياسية بدأ مرحلة جديدة من النضال الكوردي . تركيا سيدعم القوى التركية المؤيدة للحلول السلمية و سيجلب التشيجع والتضامن الدولي لحل القضية الكوردية في تركيا.
إذا، السيد اوجلان أمام موقف و مسؤولية تاريخيّة مهمة لطي صفحة الكفاح المسلح و التخلي النهائي عنه و تسليم المهمة للجناح السياسي لاستكمال المسيرة بالنضال الجماهيري والسياسي والدبلوماسي.
و سيكون من الأفضل عند إعلانه للبيان التاريخيّ في تخلي الحزب العمال الكوردستاني عن السلاح الدعوة إلى مؤتمر كوردي عام يشارك فيه جميع القوى السياسية الكوردية و المثقفين والمختصين لوضع تصور عام لمطالب الكورد في تركيا.
حل القضية الكوردية في تركيا هي مهمة وطنية تركية-كوردية لخلاص تركيا من نزيف الحرب الطويلة التي ألحقت الضرر بالطرفين على مر التاريخ .
تخلي الحزب عن الكفاح المسلح وإعلانه الرسمي العلني من قبل السيد اوجلان سيفتح الطريق أمام تعاطف و تأييد العالم للقضية الكوردية و سيكون عاملا مساهما و دعما للاجزاء الأخرى بل و سينعكس ايجابياً على منطقة الشرق الأوسط عموما.
الحوار هو الحل لتحقيق السلم و الهدوء و الرخاء للكورد و للشعوب المتعايشة معها.