زينه عبدي
قدمت الأمم المتحدة، في خطتها الاستراتيجية بشأن خطاب الكراهية، تعريفاً شاملاً نوعاً ما يقول :”أي نوع من التواصل بالقول أو الكتابة أو السلوك، يهاجم أو يستخدم لغة تحقير أو تمييز فيما يتعلق بشخص أو مجموعة على أساس هويتهم، بمعنى آخر، على أساس دينهم أو انتماءهم الاثني أو جنسيتهم أو عرقهم أو لونهم أو نسبهم أو جنسهم أو أي عامل هوية آخر”، والذي لايزال قيد النقاش بالإضافة إلى غياب تعريف واضح وقانوني لخطاب الكراهية في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
نشوء خطاب الكراهية ضد المرأة عبر التواصل الاجتماعي
جميعنا يلاحظ اليوم أننا نمر بمرحلة انفتاح كبيرة جداً عبر الثورة التكنولوجية الهائلة التي غزت العالم، حيث بات كل شيء متاحاً لنا من أفكار وموضوعات ومعلومات وآراء بطريقة غير مسبوقة من خلال منصات التواصل الاجتماعي التي أفسحت المجال للكثير بنشر ما يريدونه من خطابات وخاصة تلك التي تزيد من الكراهية بالنسبة لبعض الفئات وعلى وجه الخصوص النساء، حيث تضاعفت الأصوات الإلكترونية المتبنّية لخطاب الكراهية الموجه للمرأة وزاد انتشارها والتفاعل معها بنسبة غير معتادة، الأمر الذي خلق شعوراً بالتخوف والخوف من العواقب الممكنة أو المؤكدة لنشوء هكذا خطاب تحريضي ضد فئة ما.
منذ السنوات العشر الماضية وتكذيب وتشويه الحقائق وعدم تقبل وقبول الآخرين بكامل اختلافاتهم تعد من التعاريف الأبرز لمفهوم خطاب الكراهية حسب ما نشاهده الآن في المجتمع والذي أفقد المجتمع تماسكه وأصبح ضعيفاً منتشراً فيه التطرف والتناحر المذهبي والديني والانقسامات غير المعدودة بين كافة الفئات المجتمعية لذلك لا بد أن تستند شبكات التواصل الاجتماعي بشكل أساسي على مستوى المستخدم التعليمي والاجتماعي.
بغض النظر عن الفائدة التي قدمتها مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي إلا أنها في الوقت ذاته اتسمت بتعابير تحريضية على الانقسام والاستقطاب الذي يرفع من شأن خطاب الكراهية وممارسة الاضطهاد والتنمر ضد الآخر وازدادت بذلك موجة العنف والكراهية ضد النساء بأساليب عدة كاستخدام العنف اللفظي في تعبيرهم عن الاستهزاء والأحقاد الموجهة لهن وباتت تلك المنصات منابراً تخدم الأفكار المتطرفة ضد النساء آخذةً بذلك دور الإعلام والصحافة من خلال فرض أجنداتها، مؤثرةً بالشكل السلبي على الحضور والآداء الإعلامي في ممارسة دوره على اعتبار أنها سلطة رابعة، بالإضافة إلى التأثير والتلاعب بالرأي العام وتوجهاته الذي بدوره لم يعد يفرق بين السمين والغث.
الخطاب الذي تمارسه مواقع التواصل الاجتماعي ضد النساء ضمن هذا الإطار الرقمي غير المحدود بات مستقطَباً يثير الكثير من الجدليات المتباينة ما بين مؤيد ومعارض، لذلك لا بد من وضع معايير وضوابط قانونية لمضامين ما يُنشر على المنصات كلها للحد من نشر خطاب الكراهية الممارس والموجه ضدهنَّ، وكذلك العنف المتزايد والمتصاعد بحقهن ومعرفة من يتبناه ومدى تأثيره عليهنَّ ومحاولة فهم الرسائل المباشرة وغير المباشرة المبطنة والمتمثلة بالترويج ل هكذا خطاب من خلال الأساليب المستخدمة للتأثير في الرأي العام وحرف توجهاته وجعله منحازاً بما يتناسب مع الأعراف والعقلية الذكورية في مجتمعاتنا.
دور شبكات التواصل الاجتماعي حول خطاب الكراهية ضد النساء
وكمــا تؤكــد نظريــة التنــافر الفكــري لليــون فسنجر أن طبيعــة الإنسان تسعى للتوافق الفكري دائماً وتبحث عن كل ما يتوافق مع آرائها ومعتقداتها لتقلل من حالات التنافر التي تحدث مع أية آراء متناقضة، لذلك نشاهد الكثير من المتطرفين والمتعصبين يتلاقون عبر حسابات وهمية على الفيس بوك مما سهل عملية الاتصال بينهم لتوحيد أفكارهم ضد هذه الفئة المهمشة (فئة النساء)غالباً ونشر وبث الحقد والكراهية تجاه كل ما يقومون به وبات هؤلاء يستخدمون الفضاء الافتراضي بشكل ممنهج دون رادع كإحدى الأذرع الرئيسية لإعلاء صوت الكراهية الخطر كأن نسمع مقولةً أو مقالة تحرض ضد النساء وتنتقص من قيمتهن وتتناول كافة الجوانب الحساسة التي تمس كرامتهن وبشكل خطير ومبالغ فيه بهدف التضليل والتزييف بكل ما يمسها تماشياً مع عقليتهم وأعرافهم المسبقة التي تم تكوينها.
ولطالما كان هناك العديد من القواعد الضابطة للأساليب التي يتم التصرف بها علناً بين الجميع إلا أنه لا يمكن تطبيق ذلك على التواصل الالكتروني كونه مغاير تماما عن التواصل البشري الطبيعي، لذلك من الأولى بالشركات التي تدير شبكات التواصل الاجتماعي فهم ما يجري بشكل عميق وواضح وتنظيم التواصل وتحسين الخطاب والمحتوى البغيض والضار والمسيء ل النساء والحد منه ومناهضته بالطرق الممكنة أو الحد منه.
انعكاسات خطـاب الكراهيـة ضد النساء علـى منظومـة القـيم المجتمعية
هنا لا بد من الوقوف قليلاً على ما تتعرض لهن النساء من انتهاكات من اغتصاب للحرية الفكرية ورفض وجودهن بالمطلق والعمل على إقصائها من التعبير أو السماح لها بالعمل بمجالات عدة كالسياسة أو الاقتصاد أو الرياضة أو الثقافة وغيرها الكثير التي باتت محتكرة على الذكور فقط بل ويعتبرونها معيبة بحق النساء على الرغم من ممارسة الكثير من الفئات المجتمعية منطق القبول والحوار ولكننا وللأسف لانزال ضمن إطار الخلاف و ليس الاختلاف.
لاحظنا تأجيج الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية والعقائدية وخلق المكائد التي من شأنها صنع خطاب مضاد بمساعدة منصة الفيس بوك خاصةً التي أتاحت فضاءً شاسعاً لطرح الأفكار الإيجابية والسلبية والمختلفة وكذلك المتطرفة ضد المرأة في منطقتنا بل وتنال منها كما تريد، مروجةً وناشرةً بذلك خطاباً ضدهنّ في محاولة لطمس هويتهن كنساء فاعلات وقياديات بل وحتى عدم اعتبارهن كإنسان مثلها مثل الجنس الآخر في الحقوق والواجبات.
في ظل توظيف منصة الفيس بوك في إنشاء خطاب الكراهية والعوامل الداعمة له يفترض الانتباه لمحتوى هذا الخطاب وتأثيراته على فكر المرأة ومستوى تطورها وتقدمها وكذلك على المجتمع وتقاليده وعاداته ومبادئه وقيمه لأن خطورة الممارسات التي باتت تُنشَر على منصات التواصل الاجتماعي أصبحت في ذروتها وأوج تطورها المرحلي إن كانت عبر صور أو فيديوهات أو منشورات مكتوبة أو عبر رسائل إلكترونية (رقمية ) تجاوزت الحد المنطقي المعمول به لا سيما ضمن الدائرة المجتمعية الضيقة.
الاثار الناجمة عن انتشار خطاب الكراهية ضد النساء على شبكات التواصل الاجتماعي
رغم التطور التكنولوجي الملاحظ إلا أنه يتم استهداف الفتيات والنساء بنسبة عالية وخاصة عندما تكون لديهن هويات متقاطعة كنساء منتميات إلى أقليات(العرقية والدينية والمذهبية والقومية) أو نساء ذوات إعاقة مثلاً وذلك بأشكال عدة كالانتقام الإباحي أو الابتزاز الجنسي والمطاردة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ونشر المحتوى المحرض على العنف ضدهن والتنمر الالكتروني الذي يهدف إلى الإساءة وكذلك التحرش الجنسي الالكتروني ويكون الضرر الناجم عن هذا الخطاب حقيقي وبحجم كبير جداً متمثلةً بظاهرةٍ متعددة الأوجه ذات تأثير حقيقي على صحتهم النفسية والعقلية والجسدية، وكذلك إلحاق الضرر بمجال عملهن خاصة في حالات النزاعات والصراعات القائمة وتقيِّد من حريتها في التعبير عن رأيها وبالتالي إقصائها عن المشاركة في كافة مجالات الحياة وباتت في الآونة الأخيرة تفرض عليها نوعاً من الرقابة الذاتية وفي بعض الحالات تؤدي إلى نوع من الجرائم متمثلة ب الإبادة أو ما شابه من جرائم ضد الإنسانية. ويشمل العنف الالكتروني أو الإساءة الالكترونية ضد النساء تهديدات بخرق الأمن والخصوصية الرقميين وبالتالي تفاقم واشتداد مخاطر السلامة والأمن.
دور المؤسسات المدنية والإعلامية والنسوية في مكافحة خطاب الكراهية الموجه ضد النساء عبر التواصل الاجتماعي
باعتبار أن خطاب الكراهية ضد النساء يزداد بل وفاق الحد المنطقي والمعقول فلا بد من اتخاذ إجراءات وتدابير تحمي النساء وحقوقهن في المجتمع وهذا بالشكل الأكبر يقع على عاتق وسائل الإعلام بالمنطقة وكذلك المؤسسات المدافعة عن حقوق النساء ومنظمات المجتمع المدني التي من شأنهم جميعاً تدريب وتمكين الصحفيين على مبادئ واستراتيجيات ومنهجيات رد خطاب الكراهية على شبكات التواصل الاجتماعي واستبداله برسائل ايجابية والالتزام بالإجراءات القانونية التي تجرم هذا الخطاب(إن وجدت) أو وضع لوائح تنفيذية بمساعدة صانعي السياسات تمنع التمييز ضد النساء وفكرهن مع ضمان تحقيق التوازن بين خطاب الكراهية وحرية التعبير والرأي، بالإضافة إلى نشر المعرفة حول خطاب الكراهية الموجه ضدهن عن طريق تفعيل مدونة قواعد السلوك للصحفيات والصحفيين على منصات التواصل الاجتماعي والتي تحد من هذه الظاهرة، والعمل على توثيق كافة الحوادث والإحصائيات المتعلقة بخطاب الكراهية ضد النساء والاستفادة من الموارد والجهود المبذولة عن طريق المبادرات التي تسلط الضوء على خطاب الكراهية ضد النساء، وإنشاء مواقع إلكترونية ومنصات تشجع على الحوار الفعال ونبذ خطاب الكراهية، بالإضافة إلى أنه يستوجب قيام كافة المؤسسات المذكورة بجلسات حوارية و ورش تدريبية عن الخطاب والتشبيك بين هذه المؤسسات والسلطات الحاكمة وتكثيف الجهود والخروج بتوصيات للوصول إلى حل يفضي إلى الحد من هذا الخطاب وتعميمها (التوصيات)على شبكات التواصل الاجتماعي ضمن المناطق التي تتواجد فيها تلك المؤسسات وإلزامها بتنفيذها كما يستوجب ويتطلب مع وجود قانون رادع مدرجة بلوائح تنفيذية للعقوبات.