حركة التغيير الكردية، من القمة إلى القاع!

درباس إبراهيم

المقدمة:

في أواخر العام 2006 انشقَّ السياسي الراحل (نوشيروان مصطفى) مع مجموعة من رفاقه عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بسبب الفساد و التخبطات والاستياء من الانقسامات الداخلية الكثيرة التي عصفت بالاتحاد الوطني على حد وصفهم. وبعد خروجه من حزب الاتحاد الوطني تفرغ مصطفى لإنشاء مؤسسة وشه (الكلمة) المعنية بالثقافة والإعلام، والتي أصدرت صحيفة أسبوعية باللغة الكردية، وأصبحت فيما بعد النواة الحقيقية للحركة. وفي بداية العام 2009 أعلن رسميا عن تأسيس حركة التغيير الكردية بغية المشاركة في الانتخابات البرلمانية لإقليم كردستان، والتي جرت في العام ذاته. وفي العام 2010 أصبحت الحركة تنظيما سياسيا رسميا بعد أن منحها حكومة إقليم كردستان الإجازة الرسمية من قبل وزارة الداخلية.

الصعود إلى القمة:

كان نوشيروان مصطفى ورفاقه يحظون بشعبية كبيرة في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، لذلك عندما انشقوا عن الحزب سحبوا البساط من تحت حزب الاتحاد الوطني، الذي خسر الكثير من قواعده الشعبية في السليمانية لصالح حركة التغيير الفتية وقتذاك. ومن أجل ذلك حاول الرئيس العراقي الراحل مام جلال مرارا وتكرارا إقناعهم بالرجوع إلى خيمة الاتحاد لكن مساعيه باءت بالفشل.

لقد تبنت الحركة منذ نشأتها خطاب المعارضة، حيث رفعت شعار محاربة  الفساد، والدعوة إلى توحيد قوات البيشمركة تحت راية إقليم كردستان، وسن دستور للإقليم، كما دعت إلى إصلاح النظام الانتخابي، واستقلال القضاء، والشفافية في إدارة موارد الإقليم،  وتحسين الظروف الاقتصادية، من خلال خلق فرص العمل وتعزيز التنمية المستدامة، والاهتمام بالشباب، وحقوق المرأة.  استقطب هذا الخطاب فئات كثيرة ومختلفة من الشعب الكردي الذي كان ممتعضا من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ضربت الإقليم في ذلك الوقت. لذلك كانت الحركة تلجأ دائما إلى الشارع الذي كان يخرج بأعداد كبيرة للاعتراض على  القرارات الحكومية التي لا تنسجم مع مبادئ الحركة.

إن الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان عام 2009 كانت الاختبار الأول والحقيقي لمعرفة حجم الشعبية التي تمتلكها الحركة في الإقليم. وقد نجحت في هذا الاختبار بامتياز بعد أن جاءت في المرتبة الثانية خلف القائمة الكردستانية  التي كانت تضم حزبي (الاتحاد الوطني، و الديمقراطي)، حيث حصلت الحركة الجديدة على 25 مقعدا في أول انتخابات تخوضها في الإقليم. إن هذه النتيجة كانت تعتبر مفاجأة كبرى، وشكلت صدمة لدى المراقبين للشأن السياسي الكردي، وعززت العلاقة القوية بين الحركة والشارع الكردي الذي بدأ يسير خلف الحركة بثقة عمياء. ثم نجحت في الحصول على ثمانية مقاعد من أصل 325 مقعدا في الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت عام 2010. وانطلقت الحركة بسرعة الصاروخ نحو القمة  في الانتخابات البرلمانية لإقليم كردستان عام 2013، حيث تمكنت من حصد 24 مقعدا، لتصبح الحركة في المركز الثاني بعد الحزب الديمقراطي وقبل حزب الاتحاد الوطني الذي خاض الانتخابات منفردا .  علاوة على ذلك، استمرت الحركة بالصعود في الساحة السياسية العراقية، حيث حصدت 9 مقاعد في الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2014. بلا شك أن حركة التغيير قد كسرت الرتابة السياسية في الإقليم، الذي كان يتكون من حزبين رئيسيين كبيرين هما (الاتحاد الوطني، والديمقراطي)، ومعارضة تقليدية ضعيفة متمثلة بالأحزاب الدينية، إضافة إلى أحزاب أخرى صغيرة وغير مؤثرة في المشهد السياسي الكردي. ببساطة شديدة، أصبحت الحركة رقما صعبا في الساحة السياسية  الكردستانية والعراقية.

السقوط إلى القاع:

يقال إن المحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها. وهذا القول ينطبق إلى حد بعيد على حركة التغيير. فنشوة الانتصارات والصعود إلى القمة لم تدم طويلا وسرعان ما سقطت الحركة نحو القاع بسرعة فائقة.

ولعل السبب الأول الذي أدى إلى هذا السقوط الحاد هو مشاركة الحركة في الكابينة الحكومية الثامنة لإقليم كردستان عام 2014. إن تحويل حركة التغيير دورها من حركة معارضة إلى شريك في الحكم، كان له تداعيات كبيرة على شعبيتها ودورها السياسي في الإقليم. فالحركة كانت قد كسبت شعبيتها من خلال معارضتها الأحزاب الحاكمة داخل الإقليم، وبمجرد مشاركتها في الحكومة مع الأحزاب التي كانت تتهمها سابقا بالفساد، تخلت عن دورها الرقابي و المعارض الشرس للحكومة، وضربت مبادئ وشعارات الحركة عرض الحائط من أجل مكاسب السلطة المغرية. هذه الخطوة صدمت الشارع الكردي، الذي بدأ يشعر أن كل تلك الشعارات التي رفعت في السابق كانت في سبيل الوصول إلى السلطة، والحصول على الامتيازات فقط. من هنا بدأت شعبية الحركة بالتراجع تدريجيا، وتمت معاقبتها شعبيا في الانتخابات النيابية التالية سواء في الإقليم أو العراق، وانخفض عدد مقاعدها النيابية بشكل ملحوظ، وباتت رقما ضعيفا وغير مؤثر في المشهد السياسي داخل الإقليم وخارجه. وأدى هذا التراجع إلى استقالة عدد كبير من أعضاء الحركة.

أما السبب الثاني، فهو وفاة مؤسس الحركة (نوشيروان مصطفى). فبعد وفاته دبت الخلافات أو اشتدت حدتها داخل الحركة التي انقسمت إلى فئتين. فئة أبناء مؤسس الحركة نوشيروان مصطفى، وجلها من كبار السن، الذين فضلوا المشاركة في السلطة. وفئة الشباب المندفع الذي يريد التمسك بقوة بمبادئ الحركة والمعارضة. إن هذا الانقسام كان متوقعا نظرا لارتباط الحركة بشخصية نوشيروان مصطفى. فعندما يرتبط مصير حركة سياسية بشخص واحد، يصبح من الصعب الحفاظ على وحدة الصف بعد رحيله. إن الصراع الداخلي بين الفئتين، زاد من سوء نشاط وأداء الحركة على مختلف الأصعدة.

والسبب الثالث، هو صعود حركة الجيل الجديد بقيادة شاسوار عبد الواحد. حيث إن نسبة كبيرة من الجماهير التي كانت تدعم حركة التغيير في بادئ الأمر اتجهت لاحقا إلى حركة الجيل الجديد الصاعدة، والتي أخذت مكان حركة التغيير. واتضح ذلك جليا في الانتخابات النيابية لإقليم كردستان عام 2024، حيث حصد الجيل الجديد 15 مقعدا، فيما حصدت حركة التغيير مقعدا يتيما لا قيمة له. ولو قارنا هذه النتيجة مع نتيجة أول انتخابات خاضتها حركة التغيير، سنجد أنها فقدت 24 مقعدا.  وهذا مؤشر واضح على تراجع شعبيتها. ختاما نقول إن حركة التغيير الكردية قد دخلت اليوم غرفة الإنعاش، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقد تفارق الحياة السياسية في أي لحظة.

===================

شفق نيوز

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…