السياسات الاقتصادية للدول ..!

دهام حسن

إذا كان النصف الأول من القرن العشرين، قد شهد حربين كونيتين، جلبتا للعالم كارثة إنسانية، ففي النصف الثاني من القرن نفسه، لاسيما العقود الأخيرة منه، شهدت  كثير من الدول الرأسمالية المتقدمة، ذات الاقتصاد الحر نموا مضطردا في الاقتصاد، كما شهدت هذه الدول تحسنا كبيرا في مستوى المعيشة، حيث ازدادت الأجور، وشهدت بلدان كثيرة كأمريكا، وكندا، ودول أوربا الغربية، واليابان في شرق آسيا، ثراء ورفاهية، كما اتسعت دائرة الديمقراطية، لتشمل دولا عديدة، بالترافق مع ازدياد الحريات الشخصية…
وكان أهم حصاد ـ بالمقابل ـ في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم، هو تساقط الأنظمة الشمولية، في كل من الاتحاد السوفييتي وأوربا الشرقية، بعد أن دب فيها الوهن، وعانى الإنهاك، وما عادت الشعوب تسوغ لحكامها، أسباب الركود، واستمرار الصعوبات الاقتصادية، وغياب المؤسسات الديمقراطية؛ فقد تنعمت الشعوب بالثراء في النظم الرأسمالية المتقدمة لدرجة كبيرة نسبيا..
 فالأمريكيون عادوا إلى مفهوم سياسة الأمس البعيد نسبيا..

أن لا سبيل للعزلة والانغلاق على أنفسنا، فمثل هذه السياسة ستفضي بنا، إلى خفض في مستويات المعيشة لدى شعبنا الأمريكي، إذن، لابد من الانفتاح الاقتصادي على العالم، إذا أردنا لاقتصادنا النمو والازدهار، ولشعوبنا مزيدا من الرفاه، ولأوطاننا قصب السباق في التقدم؛ هكذا كان لسان حالهم …

تتعدد المدارس الفكرية في الاقتصاد العام، وتختلف في رؤاها، لكن في المحصلة، إن هذا الانقسام، والتنافس النظري، لا بد له أن يكون إغناء  للفكر الاقتصادي، ودفعا لمزيد من الإمعان، والتفكر، وأن هذا الاختلاف خير من إجماع خامل في التطابق والتوافق، يفتقد إلى روح الحماس والتقصي في البحث؛ هذا الأمر يذكرنا بمسألة إجماع أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي.

في مسألة زراعية  جاء الإجماع  برفع الأيدي  بخمول دون بحث،  أو تقص  واستمزاج  الآراء، فسرعان ما بان خطؤها بعد ذلك؛ بل يرى كثير من العلماء والاقتصاديين ، من أن التنوع في المدارس الفكرية حتى في ميدان الاقتصاد، يغني ذهن الطالب مستقبلا في التحليل الاقتصادي لمشكلات العالم العديدة والمتنوعة، ويساعده في السعي للرقي والإعلاء من المستويات المعيشية للمجتمعات التي يعيش هو في كنفها..

إن حاجتنا للمعرفة الاقتصادية أمر مهم في حياتنا، فهي تحفز الذهن والفكر للوقوف على مسائل اقتصادية عديدة، منها استكشاف حالات السوق، من حيث تقلبات الأسعار، ومعدلات النمو، وتوزيع الدخل، والسبيل الأنسب في كيفية استغلال الموارد، فلا بد للتاجر، للإنسان المتعامل مع السوق، أن يكون على دراية،  بنوعية وكمية السلع التي ينبغي إنتاجها، ولمن يتم استهلاكها، وهنا يقتضي معرفة مستويات الدخول، والقدرة الشرائية، والاستهلاك عند طبقات الشعب وفئاته وشرائحه..

من المعلوم أنه في القرن التاسع عشر؛ أصبح الاقتصاد الحر، هو السائد، في أوربا وأمريكا، وتصدر مبدأ الاقتصاد الحر المعروف: دعه يعمل، دعه يمر..

وجاء مضمونه ملبيا لدعوة العاملين في الشؤون الاقتصادية….

اندارت المنظومة الاشتراكية، بدورها، بعد انهيارها، إلى الاقتصاد الحر، مفضلة اللامركزية، على المركزية المتشددة، التي كانت تتمسك بها الأحزاب الشيوعية في إدارتها لاقتصاد البلد؛ والتي أثبتت عدم فاعليتها ونجاعتها..

 في النظم الرأسمالية ذات الاقتصاد الحر، غالبا ما تؤخذ القرارات الاقتصادية، انطلاقا من استكشاف السوق، وهذه الواقعة تشغل اهتمام الملايين من السكان، وآلاف الشركات الإنتاجية، حيث تتدفق إلى السوق كميات من السلع والبضائع، فكيف تكون عليها الحال، لو انقطع ذلك التدفق ؟ فالسوق بهذي الحالة، هي الوسيط بين المنتج والمستهلك، ويتم على أساس ذلك ومن خلالهما، تحديد الأسعار، وعند زيادة كمية الاستهلاك، من قبل الفرد أو الأسرة، تزداد قيمة السلعة بسعرها، وفقا لمبدأ العرض والطلب، مما يدفع المنتج بالتالي إلى عرض المزيد من السلع، وبالمقابل، إذا ما خف الطلب على سلعة ما، تدنى سعرها، وخف عرضها، ومثل هذا ينسحب على عناصر أخرى عديدة، مثل الأرض، وأجور العاملين رفعا وانخفاضا؛ ويسبب هذا تنافسا بين المنتجين، فيعمد المنتج، بالتالي، للاستعانة بالآلة الأكثر كفاءة، والأغزر إنتاجا، وربما الأفضل جودة، للسلعة المنتجة..لتعالج هذه المعادلة.

 لاشك، أنه في العقود الأخيرة الماضية، ومع نهاية الحرب الباردة، توسع نطاق السوق الرأسمالية بانضمام دول أوربا الشرقية إلى سوق الاقتصاد الحر، بعد تفكك المعسكر الشيوعي،  فهل تفلح هذه الدول في التنمية والتطور؟ وهل وصفة الاقتصاد الحر هي العلاج الوحيد للتنمية والتطور؟

في ظل هذا التناقض والتنافس، ظهرت دول جديدة على الساحة الدولية، وما زال أمامها المستقبل ينبئ بمزيد من التطور؛ فإلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، برزت كل من اليابان باقتصاد قوي، وتقانة متقدمة متطورة فالصناعة اليابانية هي التي أصبحت تغزو الأسواق دون منافسة قوية، والناس يقبلون على اقتناء منتجاتها على نطاق واسع لجودتها كما هو شائع ومتداول، وأيضا! غدت أوربا المشكّلة بحجمها الكبير، وسوقها الجديدة، وعلاقاتها الواسعة والمتشعبة، هي الأخرى منافسة قوية في السوق، وربما في غضون عقود قادمة، تظهر دول أخرى  جديدة كالصين والهند وسواهما  تتنافس على الساحة الدولية، ومن هنا ينجلي الواقع عن صراع سياسي بين هذه الدول المتطلعة للسيادة الاقتصادية، فالسياسة هو تعبير مكثف عن الاقتصاد بتعبير أحد كبار المفكرين، فمن يخفق اقتصاديا، لا يمكن له أن يكسب سياسيا، فكثير من الشعوب الفقيرة، ترى مستقبلها في صورة الدول المتقدمة اقتصاديا، وعلى هذا الأساس تناضل، لترقى ببلدانها إلى مصاف تلك الدول، والعائق أمام  ذلك هو طبيعة النظم القائمة على شمولية الحكم، لهذا فلا سبيل أمام تلك الشعوب إلا بتغيير تلك النظم، فبعض تلك النظم تنتبه للخطر المحدق بسلطتها فتبدأ بإصلاحات، وتصالح شعوبها، لكن بعضها الآخر يتشبث بالسلطة، ويستميت في الدفاع عن امتيازاته، هذا الفريق في طريقه إلى الزوال حتما..!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…