إرادة لا تُقصف، فلسفة المقاومة الكوردية في مواجهة همجية تركيا

د. محمود عباس

ما يفعله أردوغان الآن بشعبنا الكوردي في مناطق قامشلو، عامودا، كوباني، ديريك، وغيرها، يتجاوز مجرد قصف عشوائي للبنية التحتية للإدارة الذاتية. إنه هجوم على الإنسان، على الأبرياء الذين لم يعرفوا سوى المعاناة، منازل مدمرة وأحلام محطمة، أرواح تُقتطف في كل غارة، ووجوه تحمل آثار الدموع والرعب من القصف الذي لا يرحم طفلاً أو شيخاً، لا يفرق بين مقاتل ومدني. الشعب الكوردي في غرب كوردستان يواجه مجازر يومية، يسقط فيها الأبرياء ضحايا لهذا العدوان الإجرامي.

القصف التركي لا يطال فقط المواقع العسكرية كما يدعون؛ بل إنه يمزق حياة المدنيين العزل، العائلات التي لم تعرف طعماً للأمان، وهي تعيش تحت ظل القصف المستمر. الشوارع التي كانت تضج بأصوات الأطفال تتحول إلى ركام، والبيوت التي كانت تضم دفء العائلات تكاد تصبح أنقاضاً باردة. المستشفيات التي كانت تعالج الجرحى باتت هدفًا للقصف ذاته، وكأن الموت يطارد الجميع دون استثناء.

والمخابز التي كانت بالكاد تسد رمق الجوعى وتلبي حاجة الناس المعانين، تحولت هي الأخرى إلى أهداف لطائرات أردوغان الإجرامية. تلك الأماكن البسيطة التي كانت تمد الشعب بآخر ما تبقى له من طاقة للحياة، أصبحت تحت نيران القصف الهمجي، وكأن الجوع والقهر لم يكونا كافيين، ليضاف إليهما الحرمان من لقمة العيش التي يحاولون بصعوبة تأمينها.

وفي ظل هذا الدمار، تقف القوى العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، صامتة، تراقب هذا القتل الهمجي المنهجي بلا تدخل. صمتهم هو جريمة أخرى بحق الإنسانية، تواطؤ مخزٍ يترك شعبنا تحت رحمة آلة الحرب التركية التي لا تعرف الرحمة. كيف يمكن للعالم، وأمريكا تحديدا أن يشاهد كل هذا ولا يتحرك؟ كيف يمكنهم أن يغضوا الطرف عن المذابح التي ترتكب في وضح النهار؟

لن يرتاح طغاة أنقرة، ولن يتوقفوا عن جرائمهم، حتى لو أحرقوا غرب كوردستان بأكملها. فغايتهم أعمق وأبشع من مجرد السيطرة على الأرض؛ هدفهم هو القضاء على القضية الكوردية، قضية شعب يمتلك إرادة لا تنكسر. تدمير الإدارة الذاتية في مناطقنا، بالنسبة لهم، ليس إلا وسيلة لكسر الروح الكوردية، ولكنهم لا يدركون أن القضية الكوردية لن تموت بتدمير المباني والبنى التحتية. هم في صراع مرير مع الذات أكثر مما هم في مواجهة مع الحركات الكوردية، لأنهم عاجزون عن كبح نهوض هذا الشعب العنيد الذي لا يعرف الخنوع.

لكن أردوغان ومن حوله، مخطئون في ظنهم أن هذا القصف الوحشي يمكن أن يخمد جذوة النضال الكوردي. شعبنا، رغم كل هذه المعاناة، لا يزال متمسكًا بإرادته، صامدًا أمام هذا العدوان الإجرامي. لقد أثبت الشعب الكوردي عبر التاريخ أن الموت والدمار لا يكسرانه، بل يزيدانه قوةً وصلابة. فقضيتنا أسمى من أن تُقصف، وأعمق من أن تُنسى في ركام المدن المدمرة.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

24/10/2024م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د آلان كيكاني

من بين الطلبة العرب، في هذه الجامعة الأوربية العريقة، يتم تداول اسم وسيم على نطاق واسع.

لا لكرمه ودماثته وحسن سيرته فحسب، بل لأسباب أخرى. سنتطرق إليها في متن هذا النص.

ولكونه صديقاً مقرباً من أحد أقاربي ارتأى الشاب الأنيق أن يدعوني إلى وليمة في مطعم فاخر على ضفة أحد الأنهار.

 

وفي الموعد المتفق عليه اتصل بي يطلب موقعي على نظام…

إبراهيم اليوسف

يعود الرئيس الأمريكي السابق رونالد ترامب إلى صدارة المشهد السياسي الدولي، مع إعلان نتائج الانتخابات الأميركية فجر اليوم، ويعود معه ملف معقد وحساس لطالما كان جزءاً من لعبة المصالح الدولية: الملف الكردستاني. في سياق تتأرجح فيه السياسة الدولية بين الدوافع الاقتصادية والتوازنات الجيوسياسية، لتصبح قضية الكرد، قضية أكبر شعب بلا دولة، إحدى الأوراق التي يعاد استخدامها في المفاوضات الدبلوماسية…

صلاح بدرالدين

صديقي الإعلامي المصري الكبير المعروف د حافظ الميرازي المقيم في أمريكا ويحمل جنسيتها كتب على صفحته البارحة انه سينتخب ( الرئيسة ) أي المرشحة الديموقراطية – كامالا هاريس – وان مراكز استطلاعات الراي تؤكد فوزها ، فاجبته : لاتستعجل الأمور ياصديقي العزيز واصبر قليلا واكاد اجزم ان – ترامب – هو الفائز ، واليوم أرسلت له – تعزية –…

عزالدين ملا

يتراءى لدى الجميع، أن منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو تحولات جغرافية وسياسية جذرية، قد تكون على أسس وقواعد جديدة بما يتماشى مع متطلبات شعوب المنطقة من جهة ومصالح سياسية واقتصادية وتجارية وحتى عسكرية من جهة أخرى، مما يضع المنطقة في قلب الصراع العالمي والإقليمي.

إن الصراعات المستمرة، والوجود العسكري الفاعل لإسرائيل بدعم من الولايات المتحدة ودول الغرب، يعكس تغييرات استراتيجية…