الإحصاء الاستثنائي الجائر بين انتكاسة الوعود وفشل المحاولات

  صوت الأكراد *

تحل علينا في الخامس من شهر تشرين الأول من هذا العام , الذكرى السابعة والأربعين للإحصاء الاستثنائي الجائر, الذي طُبق بحق أبناء شعبنا الكردي في الجزيرة , استناداً لعقلية عنصرية شوفينية ترفض الآخر , و بموجب المرسوم التشريعي رقم /93/ المؤرخ في 23 آب 1962م, إذ أنه بتاريخ 5/10/1962م, قامت السلطات السورية بتنفيذ بنود ومقررات هذا المرسوم , حيث بذلك تم تجريد حوالي 120 ألف من المواطنين الكرد من جنسيتهم الوطنية (من بينهم من أدّوا خدمة العلم– كما جرد بموجبه رئيس أركان الجيش السوري “توفيق نظام الدين”), لتبدأ معاناة إنسانية, ما زالت انعكاساتها المقيتة مستمرة قدماً إلى يومنا هذا ..

لقد قسّم هذا الإحصاء المواطنين الكرد في سوريا إلى ثلاث فئات
 الأولى: أكراد  متمتعين بالجنسية السورية , الثانية : أكراد جردوا من الجنسية , وسجلوا في القيود الرسمية على أنهم ( أجانب محافظة الحسكة) , و تعطى لهم بطاقة تعريف حمراء ، ولا تخولهم هذه البطاقة في الحصول على جواز سفر أو المغادرة خارج القطر أو النوم في الفنادق أو الاستملاك.

الثالثة: أكراد جردوا من الجنسية, ولم يتم قيدهم في السجلات الرسمية نهائياً، وأطلق عليهم وصف “مكتومي القيد” فيميز وجودهم ورقة صفراء، ولا يملكون أية وثائق رسمية, باستثناء شهادة التعريف من المختار أو سند الإقامة، وبالتالي لا يتمتعون بأي حق من حقوق المواطن.

 وبعد مرور سبع وأربعون سنة على مرور هذا الإجراء الشوفيني, ما يزال ساري المفعول, دون أن تلغى نتائجه الكارثية على المنطقة, وذلك بالرغم من المحاولات الحثيثة التي قامت وتقوم بها الحركة الوطنية الكردية في سوريا من أجل إلغائه, من خلال إيصال معاناة هؤلاء المواطنين إلى القوى الوطنية المختلفة من فعاليات سياسية وثقافية واجتماعية ودينية ، وإلى لجان حقوق الإنسان في الداخل والخارج ، الأمر الذي أدى إلى توسيع دائرة التضامن مع هؤلاء المجردين من الجنسية ، وبعد ذلك ازدادت المطالبات من مختلف هذه القوى بضرورة إيجاد حل وطني ديمقراطي ينهي مشكلة الإحصاء ويزيل كل آثارها الضارة , إضافةً إلى الوعود التي تكررت من قبل السلطة بحل هذه المشكلة ( خلال لقاء السيد رئيس الجمهورية بالفعاليات الاجتماعية والدينية والسياسية أثناء زيارته لمحافظة الحسكة عام 2002م– خلال لقائه مع قناة الجزيرة الفضائية عام 2004م عقب أحداث القامشلي – خلال أدائه لخطاب القسم الثاني تحت قبة مجلس الشعب عام 2007م – توصيات المؤتمر العاشر لحزب البعث ” الأخير ” عام 2005م ….) .
 هنا نتساءل لماذا هذه الانتكاسة في الوعود المقطوعة ؟! ولماذا هذا الفشل من قبل الحركة الوطنية الكردية في محاولاتها المتكررة ؟!
لعل أهم سبب كان وراء الفشل هو حالة الشرذمة في صفوف الحركة الكردية وتفرقتهم وهدر طاقات الحركة في مهاترات جانبية , مما يقلل من إيلاء السلطة لأية حسابات تجاه تحركاتها , والتي لا تترد في قمع أي تحرك لها إذا أضطر الأمر , والسبب الرئيسي الآخر هو إيمان السلطات السورية بالعقلية الشوفينية في إدارة البلاد , التي تستمر في تطبيق المزيد من حلقات مسلسل العنصرية بحق أبناء شعبنا الكردي ( الحزام العربي المشؤوم – الإحصاء الاستثنائي الجائر – المرسوم السيئ الصيت 49 – التعريب – التهجير القسري ….

الخ ) .
إن استمرار السلطات في هذه الممارسات يعتبر عملاً مخالفاً لأبسط معايير حقوق الإنسان والمواثيق الدولية , كما أنها تعتبر مخالفة للدستور السوري أيضاً , حيث أن ذلك لا يخدم المصلحة الوطنية بأي شكل من الأشكال , وتؤثر سلباً على الوحدة الوطنية , وتبقي مئات الآلاف من أبناء هذا الوطن معرضين للإبادة البطيئة من خلال افتقارهم إلى أبسط متطلبات الحياة, الأمر الذي يدفعهم إلى الهجرة الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء, خاصة ً بعد سنين الجفاف التي حلت بالمحافظة.


فهل تتحمل الحركة الكردية مسؤولياتها الملقاة على عاتقها لتحقيق مطالب أبناء شعبنا, وفي مقدمتهم ضحايا الإحصاء ؟؟
وهل من مراجعة وطنية مسؤولة للسلطات السورية لسياساتها الخاطئة , وتسير بالتالي بالاتجاه الصحيح , لما في ذلك من تعزيزٍ للوحدة الوطنية , وابتعادٍ عن انتكاسة الوعود ؟؟

* لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – العددان (419-420)  أيلول وتشرين الأول 2009م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…