الكائنات السياسية الهجينة!

كفاح محمود

في عجقةِ العمل السياسي والإعلامي وتحت مظلةِ التجربة الديمقراطية المعلبة في معظم دول البث التجريبي للنّظم السياسية الجديدة، تظهرُ على مسرح سلطاتها الثلاث وإعلامها الغارق بالفوضى، كائنات سياسية وخليط عجيب من (طبيخ المكادي-المتسولين-)، الذي تقدّمه الطبقة الحاكمة على موائدها ومناسباتها من خلال نماذج من طبّاخيها المثيرين للضحك والبكاء تارةً، وللحسرة والأسى تارةً أخرى، فقد اختلط الحابل بالنابل، وامتزجت الألوان واضمحلت الحواجز، وفي خضم هذه العجقة أقحم رجل الدين وجبته عالم السياسة تاركاً المنبر أو العمود أو الحوزة، مقتحماً عالم السيرك السياسي ومسرح التناقضات والمصالح المشروعة وغير المشروعة، متعاطياً مع كل ما يتقاطع مع قواعد شريعته في النصب والاحتيال والكذب والتدليس والنفاق والاختلاس والتجارة السوداء والعمولات والرشوات، وموافقاً على الشراكة مع من يطلق عليهم توصيف (الزناة والسراق والخمارين) ومجالستهم حتى الثمالة، فاكتسب بجدارة النفاق والفسق كما جاء في تعريفه الشرعي!.

ومن أقصى اليمين إلى أقصاه في اليسار وعلى خشبةِ أخرى من خشبات مسارح التهريج الديمقراطي الجديد، اندفع نموذج آخر بحماسِ منقطع النظير وراء صاحبنا، رجل الدين، إلى عالم الموبقات السياسية وهو ما يزال يصدع رؤوسنا بتنظيراته اليسارية ومعارضته لنظام البعث ورفضه لتجاربه الاشتراكية التي شوّهت نظريته البروليتارية، مدعياً أنه نصيرُ الطبقةِ المسحوقة ومناضل من أجل (دكتاتورية البروليتاريا)، بينما يشارك مصاصي دماء الغلابة من الفقراء والمحرومين متناسياً نظرياته ومبادئه متحالفاً مع (حثالات البروليتاريا) كما يصفهم هو في تصنيفاته للطبقات والشرائح!.

وبين هذين النموذجين اندفعت كائنات ومخلوقات اجتماعية متنوّعة الجينات والبيئات لتُشَكِلَ الأنظمة البديلة التي طوّرت كائنات سياسية لا مثيل لها في عالم السياسة، فهي تشارك في الحكم وتعمل من خلاله كمعارضة لابتزاز الحكومة، كما نجحت في خلط المفاهيم المتضادة، فترى أو تسمع فاسداً حتى العظم يتحدّث عن النزاهة، وآخر معروف بالكذب وفبركة القصص يتحدث عن الصدق، وثالث ملوث حتى عظامه يدّعي الطهر والعفة، ورابع دونما جذور يتحدث عن الأصالة والعراقة، والأغرب أنهم جميعا يتفقون فيما بينهم ويتقاسمون (كعكة) الفساد، بل ويتفاخرون بها كمنجزِ أو مكسب لهم ولأحزابهم أو من رشحهم لتبوء موقع في السلطات الحاكمة!

حقاً إنها تراجيديا التغيير الفوقي الذي مُنيت به هذه البلدان وشعوبها التي انتظرت أشرافاً يحكمون البلاد بعد حقبة سوداء من الحكم الاستبدادي، فتفاجأت وباستثناء القلة القليلة التي لا تخضع للقياس العام، أن عصابة لصوص سطت على بنك، كما وصفهم طيب الذكر الكاتب والصحفي المصري الكبير محمد حسنين هيكل.

هذه العصابات جعلت بلداننا من أفسد بلدان العالم وأكثرها فشلاً، بل وأشطرها في تصنيع التناقضات الحادة والخلطات المقرفة من الفاسدين والمغامرين ومدّعي النزاهة الذين يمثلون الدورين معاً، الفاسد والنزيه، الضحية والجلاد، المظلوم والظالم، في تراجيديا الربيع العربي الذي جعلنا نضحك حتى البكاء ونبكي حتى الجنون!

kmkinfo@gmail.com

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…