هجرة الشباب الكرد السوريين، وتأثيراتها السياسية والأخلاقية على المجتمع الكردي

خالص مسور

بدأت الهجرة العشوائية في السنوات الأخيرة للكرد السوريين، وبالتحديد بعد الهجرة الواسعة من الريف إلى المدينة في بدايات السبعينيات من القرن الماضي، حيث اصطدام الشباب بالبطالة وزيادة مصاريف المدينة وإعباء المعيشة متوجهين نحو أوربا الغربية بشكل خاص ثم الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية مؤخراً، وتعتبر ألمانيا أكثر الدول الأوربية استضافة للمهاجرين الكرد السوريين حيث بلغ عدهم في ألمانيا وحدها أكثر من مئة وخمسين ألفاً من أصل سبعمئة ألف كردي من جميع أنحاء كردستان.
ولكن بدأ إتجاه هجرة الكرد السوريين تسيرفي الآونة الأخيرة نحو كل من النمسا، وسويسرة، وهولندة، بشكل خاص نظراً لقلة أعداد الكرد فيها وللتسهيلات التي تقدمها هذه الدول لهم.

وقسم منهم أخذ طريق هجرته نحو كردستان العراق وخاصة بعد أحداث 12 آذار في سورية وتعتبر بلدة عامودا في الجزيرة السورية أكثر المناطق الكردية تصديراً لشبايها، نظراً لقلة فرص العمل وللطاقات التي تتمتع بها سكان البلدة وحيويتهم ونشاطهم.

وفي كل هجراتهم هذه يحلم الشباب الكرد بمستوى معيشي لائق وبالثروة والمال والخلاص من الإضطهاد الداخلي والضغط النفسي الأليم.

وتزداد الهجرة بشكل ملفت للنظرفي مناطق الأكراد السوريين كافة، وإن بدأت تقل في الآونة الأخيرة بسبب معوقات السفرفي معظم بلدان المهجرالأوربية التي تمنع دخول اللاجئين غير الشرعيين إليها، وفي بلد الهجرة بسبب ارتفاع تكاليف الخروج جواً على أيدي المهربين بالإضافة إلى مخاطر الطريق البحري ومشاكله ومشاقه.
ويمكن إرجاع أسباب هجرة الأكراد السوريين بتفصيل أكثر إلى عدة عوامل أساسية وهي:
1- البطالة الناشئة عن الزيادة السكانية الكبيرة والتي طالت الشباب، والحالة النفسية وحالات الإكتئاب التي وجد الشباب أنفسهم فيها، فالشاب الذي لايرى في جيبه ثمن حذائه وقميصه وأحياناً دخانه إن كان مدخناً فيشعر بالحرج والإرتباك في المجتمع ولم يلبث أن يشد الرحال نحو بلاد المهجرمهما كان الثمن.
2- عدم وجود معامل أو مصانع في المنطقة التي يتواجد فيها الكرد وخاصة في الجزيرة السورية لاستيعاب الطاقات الشبابية وتحمسهم للعمل والإنتاج.

بالاضافة الى بروز شبكات التهريب التي استطاعت تهريب العديد أو 90% من حالات هجرة الشباب.


3- الضغوطات السياسية والسياسات الإقتصادية المتبعة من الحكومات المتعاقبة على المنطقة وعدم الإهتمام بها من قبل هذه الحكومات كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى الهجرة غير الشرعية المتفاقمة بين الكرد السوريين.
4- رفع سقف القبول بالجامعات الوطنية مما يؤدي إلى حالة من الإنكسار وضياع الشباب لطموحاتهم المستقبلية، بالإضافة إلى ارتفاع الاسعار بشكل لافت خاصة بعد غلاء أسعار المحروقات كاالبنزين والمازوت بشكل خاص.


5- ظهور حالات الثراء السريع على بعض الأسر التي هاجرت أحد أفرادها، والانبهار بالحياة الأوربية، بالإضافة إلى الحرية المتوفرة في بلدان المهجر، وأسباب أخرى كثيرة ويتوقع أن تزداد الهجرة بعد القرار العقاري رقم (49) والذي صدر حديثاً والمتعلق بتسجيل الأراضي والعقارات.
ورغم أن الهجرة تقلصت – وكما قلنا- وخاصة بعد إصدارالأوربيين لما سمي بـ(الورقة الخضراء) التي ترسم السياسة الأوربية العامة فيما يتعلق بالهجرة، حيث تنص هذه الورقة على تقنين الهجرة، والإعتماد على الهجرة الشرعية وحدها لتلبي متطلبات التنمية الأوربية وسد حاجة سوق العمل الأوربي، والتعاون مع الدول المجاورة لأوربا لمنع اللاشرعيين منهم بالدخول إلى أراضيها وإعادتهم من حيث أتوا، وعلى أن يكون المهاجرون المعتمدون من ذوي الأدمغة وأكثر كفاءة ودراية بمجالات العمل المختلفة.

ومن المعروف أن الهجرة تنتشر بشكل خاص بين من هم في سن الشباب ممن لايجدون عملا محترماً في مناطقهم، وبالفعل فإن تقارير الأمم المتحدة بهذا الصدد ومنها تقرير(التنمية والجيل القادم) تشيربجلاء إلى هذا الأمر، فق أشارت التقارير إلى أن المهاجرين من البلدان النامية يكونون ممن تتراوح أعمارهم ما بين (12- 24) سنة وهذا هو ديدن الكرد السوريين تماماً.
ولكن ماهي نتائج هذه الهجرة على الصعيدين الداخلي والخارجي وعلى المنطقة عموماً؟ لاشك أن المهاجرين الشباب سرعان ما ينسلخون عن جلودهم ويتسربلون بجلد أوربي مبرقع ومرقع معاً.

ولربما حافظ الجيل الأول على عاداته وتقاليده ولو بصعوبة، ولكن الجيل التالي ومابعده فسيتخلون عاجلاً أو آجلاً عن عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم ، وسينسونها كلياً وسيتطبعون بطبائع الأوربيين أو طبائع بلد المهجر، وسيتكلمون لغتهم ويتزيون بزيهم وينسون أو يكادون أن يتذكروا أنهم أكراداً، هذا إذا لم تتخذ التدابير اللازمة من قبل الأجيال السابقة والكبارمنهم.

مما يؤدي إلى التقليل من العاطفة القومية لدى الأجيال التالية في الوقت الذي يكون فيه بلدهم ووطنهم بأمس الجاجة إليهم وإلى أمثالهم من الشباب وطاقاتهم.

ومن جهة أخرى فإن هذه الطاقات الشبابية الهائلة ستفيد منها بلدان المهجربكل حماس واندفاع وستخسرهم وطنهم كردستان، ولكن من جانب آخر سيساهمون في رفع مستوى معيشة ذويهم ورفع إمكانيات مناطقهم المعيشية، بإرسالهم الأموال إلى ذويهم الذين سيوظفونها في مشاريع وعقارات حيث تتحسن الأحوال ويزدهر البلد ككل.

بالإضافة إلى أن مساهمات المهاجرين في الدفاع عن شعبهم بالمظاهرات والحركات السلمية، وبتوضيح قضايا وطنهم للمؤسسات والشعوب الأوربية والأجنبية الأخرى.

ومن مساويء الهجرة الأخرى، فقد يجلب الجيل الثاني والثالث من هؤلاء الكرد معهم ضعفهم القومي ويجلبون عادات وتقاليد إلى شباب الداخل فيتأثرون بهم مع اننا نحن نحن لازلنا على مبعدة من الإنعتاق والحرية والحقوق القومية، مما يؤدي – وحسب بعض الإجتهادات- إلى تفشي ظاهرة الميوعة بين الشباب والإبتعاد عن التقاليد الوطنية وفساد الأخلاق الإجتماعي، نظراً لزواج الشباب المهاجر من الأجنبيات وازدياد نسبة العوانس من الفتيات الكرد ومن النساء اللواتي قد يهجرهن أزواجهن الذين تزوجوا في المهاجر، بالإضافة إلى الإحتكاك مع المهاجرين وازدياد حماس الشباب ورغبتهم في الهجرة والرحيل عن وطن لايزال بأمس الحاجة إلى زنود أبنائه ليبنوه ويخلصوه من نير العبودية والقهر.

ولكني مقتنع بأن كل ما قيل من مساويء سيكون تأثيرها على شباب الكرد في أدنى احتمالاته لأن نساء الكرد – وكما هو عهدنا بهن-  سيجدن في تربية أولادهن على الفضيلة والأخلاق الكردية وهن بالأساس يتحلين بالأخلاق الفاضلة، وسيحافظن على أصالتهن، سواء في بلاد الهجرة أو المهجر.

بينما الخطورة تكمن في أن تنحصرأفكار معظم شباب الكرد السوريين في الداخل بالهجرة والرفاهية والمال… ولاغيرها.

والفرق بين المهاجرالكردي او أي مهاجر آخر وبين الأوربي، هو أن الأوربي يبني بلده  بينما المهاجر يبني أوطان الآخرين وهو بعيد عن وطنه وأهله قد يفقد حتى انسانيته، مقابل أن يعيش ولكن بدون وطن، لأن من لاوطن له لاكرامة إنسانية له! ولقد شاهدنا من خلال مقابلة فضائيات تلك المرأة الكردية التي قالت حينما سألها المحاور الفضائي: كيف يعاملونكم الألمان هنا؟ أجابت بحسرة وغضب: كيف يعاملوننا..؟ إنهم يقولون لنا إنكم غجر ارجعوا إلى بلدانكم)!.

ولن يهاجر المرء من بلده في الغالب إلا في حالات من الضرورة والإضطرار، حيث لن تكون أبداً أوطان الآخرين بأوطاننا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…