هذه السياسة ، مداها غير طويل .!

  افتتاحية جريدة آزادي
بقلم رئيس التحرير

لاشك أن لكل نظام سياسي طبيعته وسياسته وأسلوب تعاطيه أو طريقة تعامله مع المحيط السياسي ، وسياسة النظام في بلدنا سوريا هي الأخرى لها خصائصها، حيث تمتاز بديناميكية سريعة في تبدل أسلوب التعاطي مع مختلف القضايا سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي، وسواء مع الأوساط  السياسية أو الدينية أو القومية من عربية و كردية أو غيرهما ..الخ ، لا فرق ! إلا بقدر ما يخدم الأسلوب هذا النظام وتوجهاته ، ويظهر وكأنه (النظام) لا يملك قدرة الثبات على موقف أو رأي !، إلا أن الصحيح هو العكس تماما فالثابت فيه – رغم كل تبدل – هو نهج الاستبداد القائم على احتكار السلطة والثروة واحتكار القرار السياسي ، وبحماية من أجهزة قمعية ضليعة في معظم القضايا وعلى مختلف المستويات رغم وجود واجهة تشريعية وسياسية ، وتحالفاته الدولية والإقليمية ثابتة رغم الانفتاح ، والقوى الداخلية التي تلفه أيضا ثابتة
 وهو يسعى دائما لاستئثار العلاقات كافة ووضعها في خدمة مصلحته وديمومة سطوته باستمرار ..فعلى الصعيد الخارجي ، بذل النظام وما زال جهدا واسعا باتجاه كسر طوق العزلة الدولية المفروضة عليه منذ سنين خلت ويسير نحو استغلال التوجه الجديد في العلاقات الدولية ولاسيما الجانب السلمي منه ، وعمل بدأب من أجل استمالة الإدارة الأمريكية مظهرا إمكانية التفاعل معها من خلال الاستجابة في بعض قضايا الشأن الإقليمي (فلسطين – لبنان- العراق) والتوجه الاقتصادي على أساس السوق الاجتماعي وما تنتج عنه من إصلاحات مزعومة في الشأن السياسي ، وكذلك مع الجانب الأوربي والمساعي المستمرة عبر العديد من الدول كفرنسا وألمانيا وأسبانيا وأخيراً كرواتيا ..الخ صوب التوقيع النهائي لميثاق الشراكة معه ، ولا يتوان عن المزيد من تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا وفنزويلا وغيرها..وفي الوقت الذي يمارس أشكال العلاقات الدبلوماسية المتوافقة منها و المتعارضة ، فإنه يسعى باستمرار إلى توثيق علاقاته مع الدول الإقليمية وخصوصا إيران وتركيا رغم التنافس بينهما على الدور القيادي في المنطقة ، كما أنه توجه مؤخرا نحو الانفتاح على كل من السعودية والأردن ومصر لاحقا ، في تأكيد على أنه ليس على حساب العلاقة مع الجانب الإقليمي المختلف ..وعلى الصعيد الداخلي ، لئن أطلق النظام ما سمي بربيع دمشق في مرحلة معينة ولفترة ليست طويلة ، إلا أنه سرعان ما تراجع وأسدل الستار على تلك الفترة “وقلب ظهر المجن” من جديد ، ليعود إلى أسلوبه المعتاد ويبني سياسته في التعاطي مع القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان على مبدأ الترهيب والترغيب المتبع حتى مع أطراف “جبهته القائمة” وصولا إلى الإخوان المسلمين مرورا بالقوى والأوساط الأخرى ، فمع الأطراف السياسية للجبهة ذات الطبيعة المنسجمة مع الحزب الحاكم ونهجه ، يوفق النظام بين تودده حيالها والإيحاء بتحقيق المزيد من المكاسب الشخصية والسياسية لها وبين التوجه الاقتصادي الجديد بما هو اقتصاد السوق الاجتماعي غير المرغوب لدى غالبيتها والتوجه نحو تحويل المنشآت الإنتاجية إلى  الخصخصة ورفع سقف الملكية الزراعية ، بمعنى أن الاقتصاد السوري في خدمة الأثرياء ، وكذلك مع بعض الأوساط السياسية من خارج الجبهة والمقربة منه ، وهكذا مع جماعة الإخوان المسلمين التي تسعى من بعد الحرب على غزة إلى فتح قنوات مع النظام عبر حلفائه السياسيين على أمل إلغاء القانون 49 الخاص بإعدام المنتمين لهذه الجماعة وإصدار عفو عام ، بغية عودة الجماعة إلى البلد ومزاولة النشاط السياسي ، حيث تم تجميد نشاطها دون أي تجاوب حقيقي معها ..

أما على الصعيد الكردي ، فإن موقف النظام الرسمي من هذا الشعب في سوريا وقضيته حتى الآن واضح ، فهو لم يتوان عن تطبيق القوانين والمشاريع العنصرية والسياسة الشوفينية وممارسة القمع والتنكيل بحقه منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، ومعها يبث بين الحين والآخر شائعات عبر أجهزته ومؤسساته توحي باللفت إلى هذا الشعب ، ولم يتردد مع هذا البث من التخطيط لمشروع شوفيني آخر ، وذلك منذ الإحصاء الاستثنائي ومرورا بالحزام العربي وسياسة التعريب وممارسة القتل والبطش وصولا إلى المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 2008 وحتى الاعتقالات الأخيرة التي طالت العديد من القيادات الوطنية العربية منها والكردية ، ويسعى باستمرار أن يجعل من مشكلة الإحصاء الاستثنائي لعام 1962فقط ، جوهر قضيته ، بمعنى أنه إن أعاد إلى المجردين جنسيتهم فكأنه عالج القضية برمتها، وتأتي الوعود بشأنها وتذهب حتى من أعلى المستويات !! ويبقى ملف الشعب الكردي يسير عبر دهاليز الأجهزة الأمنية  دون أي تناول جدي لقضيته القومية .
إن السياسة التي يتبعها النظام بما تنطوي على فنون المراوغة والخداع حيال الوضعين الخارجي والداخلي على حد سواء ، وبما تحمل من التوفيق بين المتناقضات ، كأن يجرح بيد ويداوي بالأخرى ، ويجمعها لتخدم أيديولوجيته الشمولية وعلى أساس القبول لدى الأطراف المعنية دوليا وإقليميا وعربيا وحتى داخليا ، فهي سياسة مستمرة لكنها متوقفة على عامل الزمن ولا تنطلي على أحد  وأن مداها لاشك قصير ، وستظهر الأمور على حقيقتها ، وحينها ينقلب السحر على الساحر ، لأن هذه السياسة سوف تنتج كمّاً من التراكمات التي تمس المصداقية ، وبالتالي تشكل كيدًا ووبالاً يصعب تجاوزهما من لدن الأوساط المعنية تلك ..
إن المطلوب معلوم وواضح لدى معظم الأوساط السياسية والفعاليات الثقافية والاجتماعية ، بما يعني العمل بجدية وشفافية بعيدا عن التضليل والمناورة ، وعبر التفاعل الصادق مع المتغيرات الدولية لوضع إستراتيجية هادفة نحو بناء حياة سياسية جديدة ، تحقق التوافق الديمقراطي بين كل مكونات المجتمع السوري بمختلف انتماءاته القومية والدينية والسياسية ، على طريق بناء دولة الحق والقانون التي تنظم الاقتصاد وتضع المعايير الحقيقية للتنمية المستدامة ، وتحقق العدل والمساواة ، وتلغي التمييز بسبب الانتماء القومي أو السياسي ، وتنهي القوانين والمشاريع والسياسات الشوفينية المطبقة بحق الشعب الكردي ونتائجها , وترفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية ، وتفرج عن معتقلي الرأي والموقف السياسي بمن فيهم معتقلي شعبنا الكردي ورفاق حزبنا – حزب آزادي الكردي في سوريا – وإلغاء الاعتقال السياسي نهائيا ، وإطلاق الحريات الديمقراطية كافة من حرية التنظيم السياسي والنقابي ، وحرية الرأي والكلمة وحرية النشر والصحافة ..الخ وحل كافة القضايا الوطنية بما فيها قضية شعبنا الكردي بضمان حقوقه القومية والديمقراطية في إطار وحدة البلاد وبما يخدم تطورها وازدهارها ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…