لقد جنَّ جنون الدبَّاغ حين صرّح رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني لبعض وكالات الأنباء عن أمله في تشكيل جيش موحد خاص بالإقليم نواته قوات البيشمركة الحالية معتبراً ذلك بمثابة تحقيق أمنية قديمة له، وقد افتقد ردّ الدباغ للموضوعية والدبلوماسية المعهودة عنه، فقد خرج الرجل عن طوره، وكأن مساً أصابه، فقال بذعر: لا بد أن نفصل بين الحلم الذي يراود البعض ” لاحظ يعتبر رئيس الإقليم بعضاً” بتشكيل دولة كردية حرمت اتفاقية سايكس بيكو من وجودها، وبين واقع قبلنا به، وتعاهدنا عليه من خلال الاتفاق على الدستور العراقي، وأضاف “سيادته” إن الدستور العراقي لا يسمح بوجود جيشين، وهذا متفق عليه، ويجب العمل والسعي من أجل تقوية المؤسسات الاتحادية التي هي ضمانة للجميع ولا نسمح بوجود قوات محلية تهدد أمن العراق مشيراً إلى أن السيد مسعود بارزاني هو جزء من الدولة، ويعرف أن الدستور لا يسمح بوجود جيش ثان في العراق، ولا أتصور أنه بارزاني يريد أن يفرض أمرا واقعاً.
ومن خلال عرض رأيه يتبين للمتابع السياسي أن الدباغ المتحجج والمستقوي بالدستور أكَّد في لا شعوره الجمعي أن تطورات موضوع كردستان العراق التي حصلت بفعل أنهار من دماء الشهداء هي تطورات أمر واقع، بمعنى أنه ليس راضياً عن الواقع الحالي، لكن الظروف تتحتم عليه على بلع الشفرة كرهاً أو طوعاً.
فلم يقدّم له رئيس الإقليم مسوغات الخوف حتى يشعر وكأن طامة كبرى قد وقعت على رأس الدبّاغ عندما تحدث عن تأسيس جيش نظامي، وبرَّر بارزاني قراره بأنه نابع من صميم الدستور الذي أقرّ بأن يكون للإقليم قواه الأمنية وحرس الإقليم الذي يعمل على حماية حدود العراق وبضمنها حدود الإقليم.
ولم يُلمِّح بارزاني عن استقلال هذا الجيش عن جيش الدولة المركزية، ولم يتحدث عن هذا الجيش الذي سيدافع عن كرامة كردستان عند إعلانها، وليس هناك ما يشي من خلال حديثه بالخوف والرد الانفعالي، والاستعانة بالتاريخ وتصفح أوراق الماضي وظلم الكرد من قبل السيدين وزير الخارجية الانكليزي مارك سايكس ووزير الخارجية الفرنسي جورج بيكو، وتُشكر ذاكرة الدباغ على إسعاف صاحبها بأن وطن الكرد تقطّعت أوصاله بفعل تلك الاتفاقية التي صعبت مهمة الكرد الذين تناثروا بين هنا وهناك.
بطبيعة الحال، واضح من خلال تصريحه المتشنج أن الدباغ تكلَّم بكل وضوح وبلغة التهديد والوعيد، ويبدو أن الحكومة العراقية حثت الخطى لخلق المزيد من التوتر في حدود العلاقة بين حكومة كردستان العراق والحكومة المركزية فسارعت – غير مصدقة – بعد موافقة القوات المسلحة وبتوقيع نوري المالكي إلى إلغاء كليتين عسكريتين في كردستان العراق بدعوى عدم حاجة وزارة الدفاع العراقية لكل هذه الكليات العسكرية، وإن هناك زيادة في عدد الضباط العراقيين، ونسيَ المالكي أن الكليات العسكرية في كردستان خرّجت عدداً مهماً من الضباط العراقيين بمختلف مشاربهم وطوائفهم وأصولهم وفصولهم الذين تولوا مناصب حساسة وهامة في الجيش العراقي.
إذاً: بارزاني لم يخرج من نص وروح الدستور فكيف يحتمي الدبّاغ بالدستور الذي يدَّعي أنه لا يقبل وجود جيشين في دولة واحدة.
ويظهر أن اليأس والحنق لدى حكومة كردستان العراق بلغ أوجَهُ مما حدا برئيس ديوان الإقليم فؤاد حسين للقول بأن الحكومة الاتحادية لا تتعاون أو تنسق بين قوات حرس الإقليم والقوات العراقية، إذ يفترض بوزارة الدفاع في الحكومة الاتحادية أن تجتمع وتنسق مع حرس الإقليم التي نسميها نحن في اللغة الكردية البيشمركة، ويجب أن يكون التنسيق على مستويات التدريب والتجهيز والتسليح والخطط العسكرية، لكن الحكومة الاتحادية للأسف لا تنسق لا في المجالات الأمنية ولا في بقية المجالات»، منوهاً إلى أن الدستور العراقي أقر بأن تكون رواتب ومخصصات المالية لقوات حرس الإقليم من ميزانية الحكومة الاتحادية وليس من ميزانية الإقليم، وفي كل عام ومنذ 2007 وحتى اليوم تضع الحكومة الاتحادية أرقام ومخصصات قوات حرس الإقليم في ميزانيتها، لكنها لا تصرفها ولم تمنح الإقليم أي مخصصات مالية مع أنها مقرة قانونيا وفعليا، ولكنها بلا تطبيق عملي.
وفي هذا المقام لا بدَّ للحكومة في كرستان العراق إعادة ترتيب البيت الكردي هناك وتنظيفه من كل الشوائب التي تعيق تطور المجتمع الكردستاني بجميع الأطياف التي تتعايش مع الكرد من عرب وآشوريين وكلدان وتركمان وغيرهم، وفتح قنوات التواصل مع أطياف المعارضة في البرلمان والتعامل معها ليس بعقلية الإقصاء والمحاصرة بل بعقلية الانفتاح عليها والاستماع إليها، وتفعيل مؤسسات القضاء والتعليم وغيرها، وزيادة عدد البيشمركة من 200 ألف إلى أكثر ما يقارب النصف مليون، ومنحهم رواتب جيدة، وتحسين مستويات عيشهم وعيش أسرهم لتشجيع المواطنين الكردستانيين للانخراط في صفوف البيشمركة، وطرد القيادات التي ” سمنت واغتنت ” في الفترة الماضية على حساب اختلافات وخلافات الحزبين الرئيسيين، والذين دخلوا هذا السلك من باب الطمع لا من باب الرغبة في حماية كردستان.