وبهذا الشكل والمنظار يقول في مكان آخر، “وفي المقدمة انعدام الثقة بين الأطراف الكردية” ليأتي وبعدها بسطر واحد فقط، يدعو” لتعزيز الثقة والتعاون….”، والله وحده يعلم كيف يمكن تعزيز أمر معدوم وغير موجود أصلاً، ثم يأتي ويقول”لقد تجنبت إضافة الـ التعريف لأي عبارة أو جملة تفهم منها دلالة الاستئثار بالحقيقة، وتنم عن الأحادية بدلاً عن الاجتهاد والتعددية الفكرية…”، والغريب أن هذه الجمل وردت بعد كل ما قاله في الفقرة الأولى وهنا أود التصريح بأنني لا أسمح بنفسي الادعاء بأن التيار أو الجهة التي يدافع عنها الكاتب لا تمتلك أية محاسن أو انعدام أي دور ايجابي له، مثل لا أسمح لنفسي تحميل ذلك الطرف كل تبعات العجز وسوء الأوضاع، ولكنني لا أخفي عن القارئ بأنني وبعد قراءة المقالة، وتحميل الأستاذ فيصل كل العجز والمساوئ على التيار الآخر – وقد عملت فيه عقوداً من السنين – وما زال ذلك التيار يتمثل ونسبياً في قوى وتيارات أخرى من أهمها البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا، شكرت الله على أنه لم يحمله كل عيوب الشرق الأوسط، تيمناً بمنهج خاص ومعروف يصر على رؤية وقراءة صفحة واحدة من الورقة لا غير.
هذا ولا اعتقد أن بالإمكان أن يفضي خلاف أو أمر ما “لافتراقات جوهرية في الرؤى والتصورات…” إن لم تكن موجودة فعلاً وحقيقةً، ويسري هذا الأمر على كل شيء و أينما كان، والسيد فيصل يدري بالوضع الحزبي ماضياً وحاضراً وكذلك نوعية النشاط وطبيعة الأوضاع السياسية، خاصة وأن العمل الكردي وإجمالاً نشاط سياسي ديمقراطي يهدف إلى الإقناع وتأمين الممكن من الحقوق ورفع المظالم وإلغاء الإجراءات والتدابير و….
تبعاً للمرحلة ودرجة التقبل ووضع البلاد و….، مثلما يدري أن أول وحدة اندماجية بين الفصيلين تم عام 1970، ويعرف من كان البادئ بإفشال الوحدة والتاريخ يشهد، مثلما يشهد على أن الطامة الكبرى كانت في بداية الستينات و إبعاد الدكتور نور الدين زازا عن الحزب، ومن جهة أخرى فإن أصحاب فكرة المؤتمر الكردي في سوريا ليس أولئك الذين يشير إليهم الأخ الكاتب، ويسرني لو كانوا كذلك، فلقد كانت لهم وجهة نظر أخرى وليس في ذلك من نقيصة، طالما أنها وجهة نظر كما يقول أصحابها، وعليه فأنها تستدعي التقدير والانتباه والاهتمام حسب قواعد الديمقراطية وحرية التعبير.
أما ما يدعو إليه من نبذ لتسفيه الآراء المختلفة، فلا خلاف على ضرورة بل وأهمية ذلك ولكن ألا يلاحظ أن معظم ما ذهب إله تسفيه لآراء الآخرين ووجهات نظرهم، بل وفيها ما يكفي من التجني إن لم نقل الاتهام عن طريق الإيهام بل والأوهام.
أما ما يتعلق بالفقرة الأخيرة وهي بيت القصيد في المقالة، فلن أناقش إمكانية عقد هكذا مؤتمر أو عدمها ولا عن الهيكلية والآلية والكيفية – بالمعنين – وما هنالك من عوامل وشروط و… ، فيبدو أن هذا المؤتمر وكما تعودنا ما هو إلا دعوة التفافية غير صادقة وغير عملية اتخذه البعض بضاعة للمتاجرة بها، إذ لم يسبق للمتاجرين بهذا الشعار إن أعاروا اهتماماً بالرأي الآخر أو موقف الجماهير الجادة ولنا في ذلك تجارب لا تعد ولا تحصى مع الذين لم يتخلوا يوماً عن مسمار جحا، فما الذي أضافته للعمل الكردي في سوريا مجمل مشاريعهم على مدى عقود من السنين، كما أتساءل عن صواب ومعنى مصطلح “مشروعية تمثيل المطلب الكردي”!!!؟؟؟، لأن التمثيل يخص الناس والجماعات وليست المطالب وبشأن مصطلح “المرجعية” كما هي عند كل سكان الكرة الأرضية، فتعني الهيئة المقررة ولا يجوز أن تكون هناك هيئتان للقرار، وإن وجدت اثنتان فلا يمكن تسمية أي منها بالمرجعية ولا بالممثلية بأي شكل كان، واعتقد أن الكاتب يدرك ذلك جيداً ولكنه لا يريد قول ما يريد قوله، آلهم إلا إذا كان القصد من القبول بمرجعيتين هو لتحميل إحداهما الأخرى أسباب العجز والفشل لاحقاً، وهذا ما لا يتناسب مع موقع وشخصية الأستاذ فيصل، وهو يحظى باحترام يحسده عليه عدد غير قليل.
هذا وكل أمَلي أن يتسع صدره لوجود الرأي الآخر، ومهما تعددت الآراء والاختلافات فلا خلاف على أن التصالح والتسامح بين كل أبناء وألوان سوريا يصب في خدمة المجتمع السوري ككل، لطالما أن الهدف والقاسم المشترك هو العيش سوياً لتقدم البلاد وازدهاره وارتقاء الكل إلى مستوى المسؤولية الفردية والجماعية، والأهداف الإنسانية وبعيداً عن كل ما من شأنه الإيقاع بين أبناء الوطن الواحد، كما أن من الضرورة بمكان الامتناع عن اللجوء إلى الكتابات التي تفوح منها رائحة استغباء القراء، لأن ذلك بات غير مقبول البتة، وينسف كل أسس وحروف لغة اليوم، وجميل وصحيح تماماً العودة إلى التاريخ بالقدر الذي يفيد ويخدم اليوم والغد، فأي تسامح وتصالح هذا؟ يقوم على نبش أحداث مرت عليها حوالي نصف قرن، بل أية فائدة لحاضرنا في مثل هذه التقييمات والمواقف، ويقيني أن النصوص الحديثة بل والمفيدة لا تكتب بالمفردات القديمة، وعصرنة الحياة والعمل تبدأ بعصرنة المفردات والنيات، والبناء المتماسك لا يقوم إلا على أسس وقواعد قوية ومتماسكة وواقعية فليس في لغة التسامح مكان لأي رأي أو تقييم يسيء للحاضر والمهام والمصالح المشتركة، وكل منا يحفظ في ذاكرته ما يكفي ويزيد من المواقف والوثائق والحقائق، إلا أن للمستقبل ألف دين ودين في ذمة الماضي، ولا شك أننا وكل السوريين أيضاً ركاب سفينة واحدة، وليس من هدف أسمى من مستقبل أكثر راحة وشفافية ومحبة.
وختاماً أود التأكيد على أن الاختلاف في الآراء والمواقف والمواقع يجب أن يدفع بالجميع إلى المزيد من الحوار باتجاه التقارب والتفاهم لا إلى النزاع والافتراق والإساءة إلى البعض ومن الخطأ الفادح بل والمميت أن ننسى ولو للحظة بأننا أبناء وطن واحد، ومن مصلحة جميع مكوناته العيش معاً بسلام وأمان وتفاهم واستقرار.