آن لتركيا أن تقبل غصن الزيتون الذي يرفعه العمال الكردستاني منذ عقد

هوشنك أوسي

تشهد تركيا هذه الأيَّام، وعلى نطاق واسع، سياسيَّاً وإعلاميَّاً وثقافيَّاً…، نقاشاً، لم يسبق له مثيل، حول سبل حلّ القضيَّة الكرديَّة في هذا البلد.

وتتعدّد وتتباين وتتضارب الرؤى إزاء هذا الملفّ الشائك والمصيري والتاريخي.

وفي هذا السياق، كتب كلّ من؛ سونر چاغاپتاي وعطا أكينر، بتاريخ 17/8/2009، في “حرييت ديلي نيوز” مقالاً تحت عنوان: “هل سيرفع حزب العمال الكردستاني غصن الزيتون الذي تمده تركيا؟”، وقام القسم العربي، بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بترجمته، ونشره على موقعه الالكتروني، ضمن زاوية؛ رأي ومقالات.

ولمَّا كان المقال، ينطوي على قصور في الرؤية الأكاديميَّة، الموضوعيَّة والحياديَّة، ويبدوا منحازاً تماماً للجانب الرسمي التركي، ويحتوي على خلطٍ ولغطٍ ومغالطات، تنمُّ إمَّا عن عجز في الدراية والإلمام والإحاطة بتفاصيل الملفّ الكردي بتركيا، أو تنمُّ عن عمدٍ في قلبِ الحقائق والمعطيات، بداعي التضليل والتشويه…،
 ولأنَّ مؤسِّسي معهد واشنطن، فهموا: “أن المصالح الأمريكية في المنطقة تنبع من حفنة من الأفكار المركزية: الأمن والسلم والازدهار والديمقراطية والاستقرار.

لكنهم أدركوا كذلك أن أفضل طريقة لترقية هذه المصالح هي من خلال سياسات متجذرة في الاستقصاء، والنقاش، والبحث.

والأكثر من ذلك، تصورت المجموعة المؤسسة بأن يعمل المعهد كخزان فكري يرفض المفاهيمَ الرومانسية المتعلقة بما يريد المراقبون الخارجيون أن يكون الشرق الأوسط، ويتبنى بدلاً من ذلك تقييمات نزيهة عما هي المنطقة في الواقع”، ولأن معهد واشنطن، يرى: “إن تفسير تعقيدات الشرق الأوسط للجمهور النخبوي والعام على حد سواء هو إحدى أهم وظائفه”، وكي يكون معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بإدارييه وخبرائه، وقرَّاء موقعه، مضطلعين على وجهة النظر الكرديَّة أيضاً…، للأسباب السالفة الذكر مجتمعة، يأتي هذا الردّ، على أمل أن يُنشر كاملاً، في الموقع الالكتروني للمعهد، ويكون مثار نقاش وأخذٍ وردّ، وصولاً لفهم واقعي وواضح، وبعيد عن الالتباس والتشويش أو التشويه للملفّ الكردي في تركيا.

يبدأ المقال المُشار إليه أعلاه بالتالي: (في الربيع الماضي، أطلقت تركيا مبادرة سلام تستهدف نزع سلاح حزب العمال الكردستاني [“الحزب”]، وهي مجموعة تقوم بهجمات إرهابية [أدت إلى تنامي] هاجس [الخوف] في تركيا.

ولكن، هل يريد هذا “الحزب” السلام وهل سيستجيب للإنفتاح [الذي أعلنته] تركيا؟ توحي الخطابات بغير ذلك).

أولاً: يبدو جليَّاً، من هذه الصيغة في مستهلّ المقال، تبنِّي وتسويق وجهة النظر التركيّة، في التعاطي مع الفصيل السياسي والعسكري الكردي، أيّ؛ حزب العمال الكردستاني PKK.

ما يعطي انطباعاً مسابقاً عمَّا سيؤول إليه صاحبا المقال من تقييم، يُبعد الشبهة عن الدولة التركيَّة، فيما يتعلّق بممانعتها لإيجاد حلّ سلمي ديموقراطي جاد للقضيَّة الكرديَّة، ويحمّل العمال الكردستاني، مسؤوليَّة التعطيل أو العرقلة.

وبالتالي، تبرئة ذمَّة الدولة التركيَّة مما لَحِقَ بالأكراد في تركيا من غبن وقمع وإجحاف سياسات إنكار وصهر قومي، وحرب غير معلنة، وإرهاب دولة منظَّم، وإظهار تركيا بأنَّها الضحيَّة، وأن الجانب الكردي، هو الجاني!!.

هكذا استهلال رومانسي، بعيد كلّ البعد، عن روحيّة البحث الأكاديمي الموضوعي، المستند لمعطيات التاريخ القريب، ولحقائق الواقع.

ثانياً: العلاقات الكرديَّة _ التركيَّة، تمتدّ للحقبة السلجوقيَّة.

حيث عقد السلطان السلجوقي، تحالفاً مع البكوات قبل الدخول إلى الأناضول.

أتى إلى “مايافارقين” في 15 أيار، قبل الحرب في آب عام 1071، وتوصّل إلى وفاق معهم.

وبعدئذ، دخل الأناضول بمعيَّة خمسة عشر ألف جندي كردي.

وعلى زمن السلطان السلجوقي سنجار، كانت مناطق جنوب شرق تركيا، تسمَّى “كردستان” في الوثائق الرسميَّة.

تعززت العلاقات الكرديَّة _ التركيَّة في الحقبة العثمانيَّة، وكان الأكراد وقتئذ، يتمتَّعون بإمارات ذات حكم ذاتي، كالإمارة المروانيَّة، وإمارة بابان، وإمارة بوطان…الخ.

وارتقت هذه العلاقات إلى التحالف الاستراتيجي على زمن السلطان سليم ياووز، حيث تمّ القضاء بين على الدولة الصفويَّة _ العدو اللدود للعثمانيين _ في معركة تشالدران سنة 1514، بعد تحالف أبرمه الأكراد مع العثمانيين، بمعيَّة الشيخ العلاّمة الكردي إدريس البدليسي.

ومع خواتم العهد العثماني، وتصاعد النزوع التركي _ الطوراني، وفقدان الإمارات الكرديَّة لصلاحياتها، بدأ الأكراد ثوراتهم وانتفاضاتهم على السلطنة، بدءاً بانتفاضة الشيخ عبيدالله النهري سنة 1880.

مصطفى كمال أتاتورك، هو أيضاً، حاول استمالة الاكراد، واستعان بهم لتأسيس الجمهوريَّة الحديثة.

حتى أنّ كلمة كردستان ترد في وثائق أتاتورك، حيث كتب في إحدى رسائله التي وجَّهها من مدينة أضنا، لوزارة الحرب، يوم 24/3/ 1919: “إنِّي أشعر بالفخر، لتواجدي في كردستان / KÜRDİSTAN’DA BULUNMAKTAN KIVANÇ DUYDUM!” (توفيق آلتونجي..

“قضية العصر: الأكراد ودولة تركيا الحديثة”..

موقع إيلاف الالكتروني 13/8/2009).

كما هنالك بروتوكولات “أماسيا” التي تمّ التوقيع عليها بين أتاتورك والأكراد في 20_23/10/1919، هي أيضاً تشير إلى مساعي أتاتورك الاستعانة بالأكراد لتأسيس الجمهوريَّة، وإلى الدور الكردي في ذلك، وكيف أن أتاتورك، وعدهم؛ بأنّ الدولة هي شراكة كرديَّة _ تركيَّة.

هذه البروتوكولات الخمس، ثلاثة منها، تمَّ الكشف عنها سنة 1960، واثنان، لا زالا طيّ الكتمان.

البروتوكول المؤرَّخ بـ22/10/1919، مذيّل بتوقيع مصطفى كمال أتاتورك، وينصّ على منح الأكراد الحقوق القوميَّة والاجتماعيَّة.

لكن، ماذا جرى بعد ذلك؟.

تنصّل أتاتورك من وعوده، ولم يترك أمام الأكراد إلاّ خياران؛ إمَّا الانصياع والرضوخ، أو العصيان والتمرُّد، فاختار الأكراد الخيار الثاني، وكانت انتفاضة الشيخ سعيد بيران سنة 1925، ثم انتفاضة جبل آغري بقيادة الجنرال إحسان نوري باشا، اللتين سحقهما أتاتورك بالحديد والنار.

وبعدها تتالت الانتفاضات الكرديَّة، وكان أكبرها وقتئذ، انتفاضة العلويين الأكراد في ولاية ديرسم سنة 1938، بقيادة سيد رضا.

وحسب الإحصاءات الرسميَّة، قتل في هذه الانتفاضة 12 ألف كردي.

ولا زال أرشيف الدولة التركيَّة حيال انتفاضة الشيخ سعيد بيران سنة 1925، وانتفاضة إحسان نوري باشا سنة 1930، وانتفاضة سيد رضا سنة 1938، غير مسموح البحث والتنقيب فيه، ومغلق أمام الباحثين والدارسين، رغم مرور المدّة القانونيَّة عليه، والتي تمسح بذلك، وهي 70 سنة!.

لماذا؟..

كي يبقى ما تعرّض له أكراد تركيا من مجازر وحشيّة، وسياسات تطهير عرقي، طي الكتمان!.

وتالياً، صار أكراد تركيا “أتراك الجبال”، وفق التسميَّة الرسميَّة لهم، ورفضت الدولة الاعتراف بوجودهم كقوميَّة، ناهيكم عن الاعتراف بحقوقهم السياسيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة.

وسعت الحكومات التركيَّة المتعاقبة إلى قمع كلّ كردي، يطالب بالاعتراف بهويَّته القوميَّة والثقافيَّة، وإعلانه خائن.

ونتيجة حالة القمع والصهر والإنكار تلك، ونتيجة تجهيل وتفقير المناطق الكرديَّة، وحرمانها من التنمية لعقود، رفع الأكراد السلاح في وجه الدولة في 15/8/1984، بقيادة حزب العمال الكردستاني.

ولاقى الأخير احتضاناً جماهيريَّاً كبيراً، ليس بين أكراد تركيا وحسب، وبل بين أكراد سورية والعراق وإيران، وفي أوروبا أيضاً.

ولكون أنقرة عضو في حلف الشمال الأطلسي، وحليف استراتيجي لواشنطن وتل أبيب، لاقت تركيا دعماً سياسيَّاً ولوجستيَّاً واستخبراتيَّاً، منقطع النظير، من قبل أمريكا وأوروبا وإسرائيل، في حربها ضدّ حزب العمال الكردستاني، دون أن تحقق أيّ نجاح في مسعى تصفية الكردستاني!.

ومن المؤسف القول: إنَّ المصالح السياسيَّة، هي التي كانت تدفع عواصم الغرب، اتّباع التكتُّم والتعمية والتجاهل حيال محنة ومظالم الأكراد في تركيا وإيران وسورية والعراق، حتى قبل حرب الخليج الثانيَّة، واستمرار هذه السلوك، باستثناء الانفتاح على أكراد العراق، وبقاء تجاهل الأكراد في البلدان الأخرى.

بمجيء إدارة أوباما، ومع فشل وإفلاس كل الأساليب التي اتّبعتها تركيا لطيّ الملفّ الكردي عسكريّاً، أمام المقاومة الكرديّة، العسكريَّة والسياسيَّة، وخاصّة، بعد فشل الاجتياح العسكري التركي لكردستان العراق في 20/2/2008، بحجّة تصفية الكردستاني، وبعد النجاح الكبير الذي حققه أنصار الكردستاني في الانتخابات البلديَّة التي جرت في تركيا في 29/3/2009/ وبعد زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لتركيا، قررت الأخيرة البحث عن مخرج مشرِّف، ينقذها من المستنقع الذي تعوم فيه، منذ ربع قرن من الحرب الفاشلة ضدّ العمال الكردستاني.

وهذا ما وصفه الكاتبان العزيزان سونر چاغاپتاي وعطا أكينر، بـ”الانفتاح على الأكراد”، و”غصن الزيتون”…الخ.

ثالثاً: لا شكّ أن ما تقوم به الحكومة التركيَّة، هو مثار تقدير وتحيَّة، وينبغي تشجيعها على المضي في الخيار السلمي.

لكن، السؤال الذي جعله الكاتبان عنواناً لمقالهما “هل سيرفع حزب العمال الكردستاني غصن الزيتون الذي تمدّه تركيا؟”، فيه من المغالطة والتشويش ما فيه.

أولاُ؛ لأنّ العمال الكردستاني، من بدأ برفع غصن الزيتون، ولستة مرّات، وأبدى حسن نيّته لحلّ القضيّة الكرديّة سلميّاً، وتخلّى عن مطالبته بالدولة القوميّة، وخفَّض من سقف مطالبه إلى المطالبة بالاعتراف الدستوري بالقوميّة الكرديَّة، وتضمين حقوقهم السياسيَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة، ضمن دستور الدولة التركيَّة.

وأتت تلك المبادرات من قبل العمال الكردستاني، على شكل وقف لإطلاق النار من جانب واحد، في 1993، و1997، و1995، و1999، و2006، و2009.

لكن، ردّت تركيا بالحديد والنار والإنكار، وأنَّها “لن تخاطب جماعة إرهابيَّة”.

وعليه، الكردستاني من مدّ غصن الزيتون مراراً وتكراراً، وتركيا التي ردّت بالنار، مراراً.

ثانيَّاً؛ حتّى الآن، والحكومة التركيَّة، لا تعتبر حزب العمال الكردستاني مخاطباً، وممثلاً شرعيَّاً، ممكن التفاوض معه لإيجاد حلّ للقضيّة الكرديَّة، فأيّ “غصن زيتون” تمدّه تركيا له!؟.

فحين تعترف تركيا بالكردستاني، وتسعى للتفاوض معه، ولو سرَّاً، حينئذ، يمكن طرح التساؤل: “هل سيرفع الكردستاني غصن الزيتون الذي تمده تركيا”.

يقول سونر چاغاپتاي وعطا أكينر: (هل سينزع حزب العمال الكردستاني سلاحه؟ في 4 كانون الثاني/يناير 2009، قال مؤسس وزعيم “الحزب”، عبد الله أوجلان، الذي يقبع حالياً في السجن، ما يلي: “يجدد بعض المثقفين والكتاب الدعوات لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني والانسحاب خارج حدود تركيا، لكن ما لا يفهموه هو إن أقصى ما يمكن أن يحدث هو وقف إطلاق النار، ولكي يتم وقف إطلاق النار يجب أن تكون هناك رغبة للقيام بذلك”.

وفي الآونة الأخيرة، ذهب أوجلان إلى أبعد من ذلك، حيث قال في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو المنصرم، مهدداً تركيا: “إذا لا يتم إيجاد حل [للوضع القائم]، سوف أنسحب شخصياً من العملية.

ففي غضون شهر أو شهر ونصف الشهر، قد تأخذ الأمور اتجاه مختلف.

قد يتغير الكثير حتى الخريف.

وفى حالة اندلاع حرب، سوف تنفصل ””””كردستان””””.

نحن ندافع عن السلام، وأولئك الذين لا يجلبون السلام سيكونون مسؤولين عن ذلك.

لا يمكن للأكراد أن يوافقوا على الوضع الراهن في تركيا.

ستتسبب الحرب في خسارة الطرفين؛ سيخسر الشعب.

إن وضع أفغانستان وباكستان، على سبيل المثال، هو واضح”.

إن موقف أوجلان تجاه [عملية] السلام لا يبشر بالخير.

ولعل هذا يعود إلى شعوره بالإحباط بعد أن أمضى [حتى الآن] عشر سنوات في السجن).

أولاً: وأين الغلط فيما قاله أوجلان، عن ضرورة وقف إطلاق نار من الجانبين الكردي والتركي، كخطوة أولى في اتجاه الحلّ؟.

وأين الغلط في أن وقف إطلاق النار، يلزمه نوايا حسنة؟.

وهل من الفترض أن يبقى الجانب الكردي، وحده الذي يجب أن ويقف النار، فيما الجانب التركي، مستمرّ في حربه؟!.

أوجلان، يكرر، ويعيد كلامه هذا، منذ لحظة اعتقاله، ويبدي نواياه الحسنة، لإنقاذ تركيا من حمامات الدم.

والحقّ أن أوجلان هو صمام أمان لتركيا.

فلولا ضبطه لحزبه، لربما خرجت الحرب عن السيطرة، ووصلت لحدود الحرب الأهليَّة.

وتجاهل تركيا لنداءات اوجلان، بديهي أنه سيهدد بالانسحاب، وترك الحبل على الجرار، إذا كانت تركيا لا تكترث وتهتم بمصير شبابها من الاكراد والأتراك الذين يقتلون في هذه الحرب العبثيّة التي تشنُّها تركيا على أكرادها.

هذا الكلام، يقوله أوجلان، منذ 10 أعوام، واكتشاف الباحثان العزيزان؛ چاغاپتاي وأكينر، له الآن، لا يعني أنّه ناتج عن “الإحباط، على خلفية السجن لعشرة أعوام…”، كما فسَّرا ذلك!.

بل هو ناتج عن إيمان أوجلان بالحلّ السلمي كخيار استراتيجي، وخطورة وكارثيّة مضي تركيا في منطق الحرب، وتجاهلها للحقائق، وعدم اعترافها بالطرف المخاطب للحلّ.

وإلى البحثان العزيزان؛ سونر چاغاپتاي وعطا أكينر، وإلى القارئ العزيز، نبذة من كلام أوجلان الأخير، حول دعمه لمساعي حلّ القضيّة الكرديّة، الذي تقوم به الحكومة التركيَّة، وأنّه سيطلق خارطة طريق لهذا الحلّ.

هذا الكلام، الذي “لا يُبشِّر بالخير” كما ذهب الباحثان، جاء نقلاً عن أوجلان، أثناء لقائه بمحاميه يوم 14/8/2009، ومنه المقتبس التالي: (لقد بدأ مسار جديد.

وهذه مرحلة جديدة مختلفة.

إنّه مسار أهمّ من تأسيس مصطفى كمال للجمهوريَّة.

سيتم تأسيس مجتمع ديموقراطي في هذه المرحلة، وسيتعلّم مجتمع تركيا الديموقراطيَّة والثقافة الديموقراطيَّة.

وستكون لهذا الأمر نتائج أعمق من تأسيس الجمهوريَّة.

أنا لا أتجاهل إنجازات الجمهوريَّة، ولكن هذه الجمهوريَّة ستتحول ديموقراطياً الآن.

ويتمَّ نقل جميع الجوانب الإيجابيَّة للجمهوريَّة وإنجازاتها إلى المرحلة الجديدة.

جاء ذلك متأخراً، ولكن سيكون جيداً.

فما كان يجب القيام به في العشرينيات، يُنجز الآن.

نحن سنكمل ما اُبتدِأ به في العشرينيات.

فعندها تأسست الجمهوريَّة، والآن ستتحقق دمقرطتها (…) السلطة على النمط القديم غير ممكنة، والمعارضة على النمط القديم غير ممكنة أيضاً “.

وبعد الإتيان بتصريحات مجتزأة، لقيادات العمال الكردستاني، الهدف منها، تضليل الرأي العام، والإشارة إلى أنّ الكردستاني داعية حرب وعنف وإرهاب، يضيف الباحثان العزيزان: (إن حزب العمال الكردستاني يريد الإفراج عن أوجلان، ولن يَقْدم على نزع سلاحه، ويقول انه سيواصل القتال “حتى الموت” إذا لم تتم تلبية مطالبه.

إن هذ [الإتجاه] لا يبشر بالخير حتى الآن، حيث لا تتمكن أي حكومة في بلد ديمقراطي الإستجابة لمثل هذا الطلب (…) في الوقت الذي تتحدث فيه تركيا عن السلام، يدعو حزب العمال الكردستاني إلى الحرب.

إن العنف هو جزء لا يتجزأ من الهوية الأساسية لحزب العمال الكردستاني، وبدونه، لن يكون هناك [وجود] لهذا “الحزب”.

لذلك، تؤكد قيادة المجموعة بأنها لن تتخلى عن العنف.

(…) يبدو أن تركيا متفائلة حول المبادرة للتعامل مع المسألة الكردية وإنهاء العنف [الذي يقوم به] حزب العمال الكردستاني.

هل سيضع هذا “الحزب” حد للعنف قبل تلبية مطالبه المتطرفة؟ إن ما تقوله قيادة المجموعة [يعبر عن] خلاف ذلك.

(…) ربما كان هذا [لا يتعدى حدود] الخطاب فقط، ولكن مثل جميع الخطب، هناك أهمية لمثل هذا الكلام).
أولاً: مسألة الإفراج عن أوجلان، هو حقّ طبيعي لأوجلان ورفاقه.

وينبغي ألاّ يخشى الديموقراطيون الحقيقيون ذلك.

أمّا مسألة نزع الكردستاني لسلاحه، فقد وافق على ذلك، ضمن شروط، معيّنة، محددة، منها: 1_ إعلان عفو عام في تركيا.

2_ وقف التمشيطات العسكريَّة التركيَّة ضدّ الكردستاني.

3_ الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي، وتضمين حقوقه السياسيّة والثقافيّة في هذا الدستور المدني.

4_ إطلاق سراح أوجلان.

وهذه ليس مطالب تعجيزيّة أو متطرِّفة، بل هي الحد الأدنى من الحد الأدنى لحقوق شعب، يزيد تعداده عن 20 مليون في تركيا.

ثانياً: النزوع العسكري، العنفي للاتراك، لا يحتاج للشرح والتفصيل.

ويكفي المرور سطحياً على تاريخ السلطنة العثمانيّة، وبخاصّة، كيف انهت السلطنة نفسها بمذابح رهيبة طالت 1،5 مليون من الأرمن، وكيف بدأت الجمهوريّة عهدها بمذابح طالت الأكراد، وكيف كان ولا زالت المؤسسة العسكريّة، هي الفاعلة والمؤثِّرة في القرار السياسي التركي، وكيف كانت تحدث الانقلابات سنة 1960، 1971، 1980، و1997.

وكيف نمت وتكوّنت وترعرت “الدولة الخفيَّة” ضمن الدولة الرسميَّة في تركيا.
ثالثاً: منذ 1993 والعمال الكردستاني يتحدّث عن السلام وضرورة إيجاد حل سلمي، وكان ساسة وقادة ومثقفو وإعلاميو تركيا ينفخون في أبواق الحرب.

والآن، صارت تركيا، المسكينة، المتعدى عليها، والعمال الكردستاني، الجماعة الإرهابيَّة، التي ينبغي سحقها، لكونها، لا تؤمن بالسلام!!.
ثالثاً: بإمكاني الإتيان بمئات التصريحات لقادة الكردستاني “بايك، كالكان، قريلان، حسين، جودي…” التي تدعو للسلام ونبذ العنف، والمطالبة بالحلّ السلمي للقضيّة في تركيا، خلاف ما يزعم ويفسِّر أو يؤوِّل الباحثان.

الحقّ، إن هكذا تحليل، كالذي أتحفنا به الباحثان؛ سونر چاغاپتاي وعطا أكينر، مبني على خلط وسرد مغلوط للأحداث، وتفسير مشوّش وملتبس ومتعمّد للتصريحات، كثيراً ما اعتدنا عليها، من قبل باحثين قوميين أتراك.

فهي ليست بالشيء الجديد، أو مثار دهشة ومفاجأة.

وعليه، وحتّى لا يمكن وصفها بـ”أنَّها لا تُبشِّر بخير”.

لأنّ هكذا نماذج من التحليلات السياسيَّة (الأكاديميَّة) التي طالما كانت تشوّش الرأي العام التركي والعالمي، وكانت تساهم في إطالة الحرب، وعرقلة الحلول السلميَّة، قد فقدت صلاحيتها ومفاعليها بالتقادم.

وأكثر ما يمكن أن تصيبه هكذا تحليلات، منشورة، في مركز بحوث هامّة، كـ”معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، هو محاولة التأثير على الإدارة الأميركيَّة الجديدة، كي تنحو منحى إدارة جورج دبليو بوش، فيما يتعلّق بالملفّ الكردي في تركيا، وقطع دابر أيّة فكرة جنينيّة تدور في واشنطن، حول أهميّة الانفتاح على حزب العمال الكردستاني، بما ينسجم ومصالح الولايات المتحدة الأميركيَّة في المنطقة.

مما لا شكّ فيه أن واشنطن تعي تماماً، أن العمال الكردستاني، هو ليس ذاك الحزب اليساري، الستاليني، المعادي لواشنطن ومصالحها، بل أنَّه، أجرى نقلات نوعيّة في أفكاره واستراتيجيَّاته وسياساته، وله شخصيّته الفكريّة والسياسيَّة المستقلَّة، وله وزنه وثقله الجماهيري والسياسي والعسكري، الذي ينبغي على واشنطن إعادة النظر في قراءته، وتصويب النظرات الخاطئة التي كانت تتبنّاها حياله، وهذا ما يخشاه أعداء المصالح الأميركيَّة في الشرق الأوسط.
 
* كاتب وصحفي كردي
Shengo76@hotmail.com

ايلاف

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…