وهناك أيضاً شعوب لم تنصف ، رغم ما قدمت من تضحيات وما بذلت من جهود.
ومنها شعبنا الكردي الذي لم يخرج يوماً من ثورة أو انتفاضة إلا ليستعد لأخرى، ولم يتخل عن النضال إلا من أجل تسليم رايته إلى جيل آخر، لكنه رغم ذلك لا يزال، مع القليل من الشعوب، يعاني الحرمان من الحقوق القومية في عالم لفّته رياح التغير، وتجاوزت شعوبه عهد الثورات القومية، لتبدأ ببناء ما يمكن تسميتها (بالدولة العالمية)، بفضل التقدم التكنولوجي الحديث واندفاع المجتمع البشري نحو آفاق جديدة من الحرية والمساواة وضمان حقوق الإنسان، بغض النظر عن اللون والجنس والعنصر والدين.
بصورتها الحقيقية، البعيدة عن التعصب والانعزالية، والقريبة من جوهرها الديمقراطي والإنساني، بل تتعلق هذه الأزمة أيضا بظروف موضوعية محيطة، بعضها تاريخية تعود إلى اتفاقات دولية، مثل سايكس- بيكو التي قسّمت منطقة شرق المتوسط حسب أهواء ومصالح دولتين في ذلك الوقت، هما بريطانيا وفرنسا، حيث أصبحت سوريا بموجبها من حصة الثانية، ورسمت خارطتها الحالية لتضم بين حدودها الكرد ومناطقهم الكردية، مع إخوتهم العرب وغيرهم وبقية المناطق السورية، لتتحول سوريا إلى دولة الأمر الواقع لجميع مكوناتها التي ارتضت العيش المشترك والوطن الواحد، وخاضت نضالات مشتركة من أجل التحرير والبناء، وتطلعت معاً لمستقبل أرادته سعيداً خالياً من التمييز والحرمان، لكن شوفينية القومية السائدة أخلّت بالشراكة الوطنية وحرمت الشعب الكردي من نصيبه الوطني وحقوقه الوطنية.
وبذلك أضاف هذا الواقع الكردي المقسّم قومياً والمغبون وطنياً، عمقاً جديداً لتلك الأزمة التي تعيق نضال الشعب الكردي وتحرمه من حقوقه، لكنها لم تستطيع حتى الآن تكبيل إرادته أو ترهنه للانعزالية، فهو لا يزال يراهن على اتساع مساحة التضامن معه والتفهّم لعدالة قضيته، وعلى تكاثر الأصدقاء حوله من القوى والنخب والفعاليات الوطنية، التي تزداد وعياً وعدداً في كل عام، على أمل أن يشهد عام 2009 تقدماً أكبر على طريق التغيير الديمقراطي السلمي الذي يعني بجانبه الكردي إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في البلاد.
…………………………..
* المقال الافتتاحي لجريدة الوحدة-yekiti- العدد 185